نفساني - رحلتي مع الإرشاد (11)


	رحلتي مع الإرشاد 11) لست أبالغ كثيرا عندما أقول لما خلت الساحة التربوية من معالم الإرشاد ، أو أن الإرشاد أصبح جسدا بلا روح ، عندما يتبجح البعض ويقول إن لدينا في مدارسنا إرشادا ، وبعض المرشدين هم من يمارس الأساليب غير التربوية بين الطلاب كالضرب بالعصا ، هل تعلمون يا أخوتي ماهي الدهماء ؟ أنا على ثقة أن الغالب فيكم لايعرف ماهي الدهماء ؟ ومن الأفضل له ألا يعرفها ، الدهماء عصا غليظة يستخدمها مدير مدرسة متوسطة في جنوب الرياض ، هذا المدير لعلمكم قد كرم على مستوى منطقة الرياض كأفضل مدير ، هذا المدير لديه تشريعات غريبة ليست من التربية في شيء من هذه التشريعات أن الذي ينال من الطلاب جيد جدا يضرب عصا واحدة ومن ينال جيد يضرب عصا تين ومن ينال مقبولا يضرب ثلاث عصي ومن ينال ضعيفا يضرب أربع عصي ، هذه تشريعات غريبة لم أعهدها في عالم التربية والتعليم ، كما أن أحد المدرسين في مدرسة أهلية يضع على أفواه التلاميذ شطرطون ويكتب عليه تالف 0 على الرغم من أن هناك مواقف مؤلمة وحزينة في عالم الإرشاد إلا أن هناك وقفات جميلة ومبهجة-أيضا- من هذه المواقف الجميلة أنني زرت مرشدا طلابيا في مدرسة ابتدائية تقع بالقرب من وزارة التربية ، هذا المرشد كان زميلا لي قديما إذ أنه كان يدرس مادة علم النفس في مدرسة ثانوية الجزيرة بالرياض لما كنت وكيلا لها ، ومن ثم تحول للإرشاد ،( المجال التطبيقي لعلم النفس) ، عرض علي هذا المرشد حالة طالب في الصف الخامس ابتدائي عمره(10) سنوات ، خلاصة مشكلته أنه كثير الحركة والنشاط ، لايهدأ إطلاقا لافي الفصل أوخارج الفصل ، فتذكرت أعراض الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة وتشتت الانتباه فظننت للوهلة الأولى أنه منهم ، ولكن عندما ذكر لي هذا المرشد أن هذا الطالب هدأ عن الحركة وصار طالبا طبيعيا وذلك من فضل الله ثم من فضل جهود هذا المرشد وقدرته على العمل مع مثل هذه الحالات ، طبعا أنتم سوف تتشوقون ، وتسألون ماذا فعل هذا المرشد مع هذا الطالب؟ حتى عاد إلى وضعه الطبيعي؟ ، الإجابة أن المرشد انتبه إلى ناحية مهمة لها علاقة بزيادة نشاط الطالب وسرعة حركتة ، لاحظ هذا المرشد أن الطفل يتناول وجبات غذائية غنية بالسعرات الحرارية ، وجرب العلاج بتقليل هذه السعرات أو بالأحرى التوقف عن أكلات معينة ، واتصل بأسرة هذا الطالب وطلب منهم التخفيف منها أو إيقافها لفترة ومن ثم ملاحظة سلوك الطالب ، فتجاوبت الأسرة مع المرشد وأوقفت هذه الوجبات واستبدلتها بغيرها ، ومن هنا نقول إن تعاون الأسرة مع المرشد الطلابي أمر ضروري لأن لها دورا مهما في العلاج ولن تتحسن الحالة بفقدان هذا التعاون ، على العموم توقف النشاط الزائد لدى هذا الطفل ، فأدركت أن للطعام الذي يتناوله الأطفال دخلا في سلوكياتهم ، كما أنني سررت جدا لأني رأيت إرشادا يطبق بمعناه الصحيح في مدارسنا، مع الأسف الشديد أنني عندما أتحدث عن الجوانب المضيئة في عالم الإرشاد يقفز إلى ذهني جوانب مظلمة وبسرعة ، ومن هذه الجوانب المظلمة أنني زرت مدرسة أهلية كبيرة في شمال الرياض وقابلت المرشد الطلابي في المرحلة المتوسطة وكان من الجنسية الأردنية وهو يحمل شهادة الماجستير في الإرشاد النفسي من الجامعة الأردنية، وأنا بصراحة لاأخفيكم أؤمن بالتخصص ,وأرى أن من عيوب الإرشاد الكبيرة دخول تخصصات مختلفة في الإرشاد لاعلاقة لها بالإرشاد ، ولكن الذي أسعدني أن الوزارة بإذن الله ساعية الآن إلى التخلص من غير المتخصصين في غضون السنتين القادمتين ، المهم أنني ارتحت كثير ا عندما عرض علي هذا المرشد أعماله ولا حظت أن الطلاب يلتفون حوله وكان يتعامل معهم بكل رقة وحنان ، فتنفست الصعداء وقلت في نفسي لقد وجدت ضالتي ، لكن المفاجأة المحزنة أن مدير المدرسة غير راض عنه ، لا لأنه مقصر في عمله ولكن لسبب تافه جدا أنه يجمع الطلاب لديه بدون فائدة في زعمه ، وجاهد حتى ألغى عقده بالرغم من توكيدي له بأنه يمارس الإرشاد الحقيقي ، لكن هذه النوعية من المديرين لايقتنعون وركب رأسه وعمل على إلغاء عقده ، كنت أخطط في نفسي أن أجعل هذا المرشد مدربا لبعض المرشدين في مدارسهم عن طريق عقد ورشات عمل ودورات لهم للاستفادة من خبراته ، لكن كما قلت بعض مديري المدارس يقفون عقبة أمام العمل المجدي والجاد ، وهذا قدر الإرشاد وقدرنا نحن الذين نعمل في الإرشاد وليس في أيدنا سلطة أو قوة لمنع هذه الرياح العاتية التي تهب علينا فتدمرنا من كل جانب ،الإرشاد ورقة في مهب الريح، لعلمكم أن هذا المدير نقل لمدرسة ابتدائية حكومية كانت من أفضل المدارس الابتدائية شمال الرياض ، كان يضرب بها المثل في الانضباط والنشاط ولكنه عندما استلم إدارتها دمرها تماما وكان ابني يدرس بها فنقلته عنها ، وكان بهذه المدرسة مرشدا متميزا أعرفه شخصيا فجاء لي في القسم يطلب النقل من هذه المدرسة ،وتقديرا لظروفه ولكونه من أفضل المرشدين ، نقلته للمدرسة التي يريد ، لأنه يهمني في الدرجة الأولى نفسية المرشد التي سوف تنعكس على إنتاجه ، وأنا أعرف لو امتنعت عن نقله سوف يصاب بالإحباط وسوف يقل عطاؤه ، فما أردت أن أجعله في هذا الموقف المؤسف، قد يقول قائل : لماذا لم تقف في صف هذا المرشد وتمنع من إلغاء عقده ، ألست رئيسا لقسم التوجيه والإرشاد بمنطقة الرياض التعليمية؟ ، فأقول : أولا : المدارس الأهلية لها وضعها الخاص فليس للوزارة سيطرة عليها حتى أن المشرفين التربويين لايزورون هذه المدارس إلا قليلا ، وأنا لاأريد أن أعيش في صراع مع هذا المدير أو غيره ، وأنا أدرك أن المسألة مسألة وعي أنا يهمني أن يعي هذا المدير وغيره مفهوم الإرشاد الحقيقي ، وأنا تعلم أن أغلب المدارس الأهلية يتغلب فيها الجانب المادي على الجانب الإنساني ، فهي مدارس ربح وتجارة لاغير ، أما المستوى الحقيقي للطالب فآخر ما تفكر فيه بعض المدارس الأهلية ، لذا فإن وقوفي ضعيف في مجابهة هذا التيار القوي ، على العموم أنا لاأريد أظلم كل المدارس الأهلية فمنها مدارس في غاية الروعة والكمال لايهمها الربح المادي بقدر ما يهمها مصلحة الطالب 0 من المواقف الجميلة عند بعض المرشدين يتحدث لي مرشد طلابي بمدرسة ابتدائية عن طالب عمره 9 سنوات يدرس في الصف الرابع ابتدائي ، هذا الطالب أزعج الإدارة والمعلمين وزملاءه أيضا بضربه لهم وكثرة حركته ، جرب معه هذا المرشد المتميز طريقة طريفة تعتمد على أسلوب التعزيز وتجاهل السلوك السلبي ، بعد أن اطمأن التلميذ للمرشد وارتاح لتعليماته ، طلب منه المرشد أن يقوم بجمع أغطية علب البيبسي من الساحة ، وكلما جمع عشرة أغطية يمنحه جائزة ، فانشغل هذا التلميذ بجمع الأغطية واستطاع المرشد أن يمتص نشاطه الزائد بهذه الطريقة الطريفة فلم يعد يؤذي أحدا فتحسن سلوكه ، والله ولي التوفيق 0