نفساني

نفساني (https://www.nafsany.cc/vb/index.php)
-   ملتقى الأدب (https://www.nafsany.cc/vb/forumdisplay.php?f=49)
-   -   قـصـة (( بـانـــــورامــــا الـــيُـــتـــم ..! ))/ لكاتبها:بـــكـل هــــدوء (https://www.nafsany.cc/vb/showthread.php?t=52818)

آه ياسنيني 14-09-2009 09:37 AM

قـصـة (( بـانـــــورامــــا الـــيُـــتـــم ..! ))/ لكاتبها:بـــكـل هــــدوء
 
_" خواف" !!

..وأفكرٌ في كلماتٍ موجعة ؛ أرد بها على اتّهامات "لؤي" ؛وتهكماته المستمرة

حينما ينتهي الدوام ونخرج من صفنا الرابع إلى خارج المدرسة ؛ لنلعب في الطريق ...


متى يفهم لؤي أنني أقدر والدي , ولا يرضيني
أن أغضبه ؟
كيف أفسّرُ له أنّ الخوف خالةٌ طبيعية
كثيراً ما تعكسُ الحبّ !؟

:
وخرجت معهم كما في كل مرة..
دون أن أبرّرَ أو أفسّرَ موقفي ؛ لأثبت لهم عملياً أنّني
"رجل" !

وبينما نحن منهمكين في اللعب حيثُ تأخر والدي ,
وليس ذلك من عادته
حانت منّي ألتفاتةٌ لأرى عمي فاً ينتظر ..
"مفاجأة" مفرحة وغريبة في آن !

جريتُ نحوه : عمي سعيد
ونظر إليّ بملامحَ أدهشتني ظلال الحزن والوجع فيها ..
_ هيّا يا محمّد ؛ السيارة ع اليمين
_طيّب ....ولم أكمل

رافقتهُ بصمتٍ يبعثرُ فضوله ..
قلبي الغضّ لا يتوقُ إلى التفاصيل ..
وعمّي يتوجّعُ بتمزقٍ مكتوم أفزعني , وأخرس صمتي
فنطق..

_عمّي..ليش !؟ ( هذا ما استطعتُه ) !
فركن سيارته..ما عاد يقوى الحركة ؟ وأنّى له !!؟
_محمد إنتَ صرت رجّال !

وحبستُ أنفاسي..كموجوعٍ سُلطّت على جراحه كلَ
أضواءِ الأرض
_أبوك يا محمّد راح عند ربّ العالمين..


وما نطقتُ, ولا بكيت , ودمعاتي ما ضنّت عليّ بنزفها ..
فراحت للداخل تنهمر !
:
دقائقُ صامتة..أليمة؛أجهدها المرار
وعمي يلملمُ شتاته كـــ ثكلى أرهقها الفراق..
وعينايّ لا تتحولانِ عن وجهه..وصوتٌ يتمرد على الحقائق:
_كيف يعني !؟

_يتمتمُ : ( لا إله إلا الله العظيم الحليم ... )
وعينايّ لا تفترانِ تحدّقانِ فيه دونَ أن ترُفّا..
وبقسوةٍ علمتنيها الحياةُ آنذاك:
أقول لك:إيش يعني !؟

_أبوك مات في حادث وهو رايح العمل..
ويتبعُها : وإنتَ رِجّال يا محمّد

وأبكي .. وأبكي
أشعرُ بهِ بجواري يهذي .. وأنا أفكّرُ في أبي
ماتَ الحبيب ! مات!؟

وصلتُ إلى بيتنا الوديع..الذي كانَ وديعاً ,
وقلبي يتحسّسُ الوجوه
ونظراتي المبعثرة تتحاشى عمي..
أحاولُ أن أهربَ من صلابة الحقيقةِ وقسوتها..حتى وإن
كانَ
إلى ليونةِ الوهم !

جميعهم يرمقونني بقلق ,ينادونني..
لا يدركون أنّ صوتَ أبي يعلوهم ,حين همس لي هذا
الصباح:
( محمّد حبيبي..أبغاك تشدّ حيلك , وما تنسى الصّلاة )
وحرّكتُ رأسي بانقياد يلونه نزق الشّقاوة :أكيد , أكيد
وابتسمَ ؛ وعيناهُ تعانقُ وجهي..واللهِ ابتسم !!

وصلتُ إلى حيثُ أمّي فهالني النحيب..
وددتُ أن أضم وجعها لى وجعي ؛ فجلستُ حيثُ أنا
أخفي بيديّ وجهي..وأنا أحترِق !

تربّتُ جدتي عليّ ببكاءٍ ينفثُ النشيج:
"يا حبيبي يا محمّد "

هيَ فقط ..جدتي
من يبعث الدفء في زوايا هذا القلب !

وآن وقتُ صلاة العصر..
فتناديني أمي بنبرةٍ تتكئُ على الحزم ..
"الصلاة يا محمّد"
خلتُها تزم البكاء وهي تقولها..فبكيتُ أنا !

لم أنم تلك الليلة..
أنكرتني الدنيا,وأنكرتها !


أن يكون لك "أب" , فأنت تمتلكُ الكثير
على سطح هذا الكوكب..
أن يكون لكَ "أب" , فهذا يعني أن تضحك..تضحك
منَ القلبِ ؛ دون أن تكترثَ لعقباتِ الطريق..
أن يكون لكَ "أب" , فأنت تُسنِد "قلبكَ" إلى زاويةٍ
دافئةٍ..مفعمةٍ بالأماااان !


يا لمرار فقدكَ يا أبي..
وتأخذني الفكَر إلى "هيثم" زميلي في الصف..
"هيثم" يتيمُ الأب مثلي..
صحيح أنّه لا يُخالطنا كثيراً؛لكنّه دوماً يبتسمُ لنا

:
كيف لليتامى أن يستَلهموا البسمةَ في وجوه الآخرين/المترفينَ حناناً !؟
كيف !؟


عُدتُ إلى المدرسة,ةأثقالُ اليُتمِ قد غرستْ ملامحها
في وجهي..
صافحني أصدقائي,حتّى لؤي المشاكس ابتسمَ لي
وقال معزّياً:
"معليش يا محمّد ,إنتّ رِجّال"

:
كدتُ أبكي على كتِفه ؛ وأردّد :
"أنا خوّاف يا لؤي"
خائفٌ من الحياة والبشر,من العيون الشرسة واللامبالية
من النّوايا..وقواميس القهر والفقد
ومن قلبي !

لمحتُ "هيثم"..فرأيتُني فيه
وكأنّ "البؤسَ" يمنحُ ضحاياهُ ملامح واحدة !

:
تركتُ أصدقائي وذهبتُ إليه..
"هيثم" فقط من يُشبهني..وأنا أحبّه
لا أحقدُ على أصدقائي..لكنّ فقدَ أبي باتَ ضعفاً/عيباً
يفضّلُ التواري !

فعقدتُ معهُ لليُتمِ حكاية..
أذكرُ أننّي سألتهُ بتردّد: كيف مات أبوك يا هيثم ؟
فابتسم بلامبالاةٍ تجهلُ حقيقةَ أن يكونَ لكَ "أب"
وقالَ: "أصلاً ما أعرفه , مات وأنا في بطن ماما"

:
فاختنقتُ بغصّة ,وطفقتُ أسائلُ نفسي:
تُرى , من منّا نكستهُ مع الحياةِ أكبر !؟


ما عاد للحياةِ روح , ومن حولي يحاولونَ تزييفَ
حقيقةَ كوني "طفل" ؛ بابتساماتٍ باهتة تخفي شجنها وهيَ تكرّر
أنغاماً مللتٌها..تذكّرني بالرجولة !

أن ألتزمَ بما يحبّ أبي ,فهذا يُشعرني أن روحَه حولي ترفرف..
لذا حتى صلاةُ الفجر..ما فاتتني يوماً في المسجد !

تملؤني الصلاةُ بالقوّة, واليُتمُ يشدّني إلى أسفل
حيث الخوفُ, والشعورُ بضياعِ "السند" !!

:

الموتُ يرهبُ النّاس..
يصقلُ قلوبهم من القسوة فـــ "تخبِت" ..تبكي
ثمّ تنسى !

كلّهم ينسونَ..لكن اليتيمَ لا ينسى !
هناك في الأعماق زاويَةٌ تستجدي الحنان..
حنان الرّجال خاصّة..

وأن تكونَ رجلاً هنا..
فلا تطلبِ الحنانَ, ولا تكُ حانياً..
...هكذا يبدو !


صرتُ "عصبيّاً" بعضَ الشيء..
فحتّى تخفي ضعف أعماقك..وشغفها بيدٍ حنون
لا بدّ وأن تزيّفها..
...هكذا هيَ الحياة !!


جاء رمضان..وتجدّدَ حزنُ الدّار
يومُه الأوّل..كان لأحزاننا عمرا

:

لا أنظرُ إلى وجهِ أمّي , وهي تتدثّرُ بالأذكار
وجهها يتلوّن حتّى الدّمع..ووجهي يبحثُ عن قناعٍ بأيّ لون
حتى لو كانَ الفرَح !

:
تعلو نبرتُها بالذكر؛كمن يُقاطعُه صوتٌ ما..
فيبادرهُ ليهزِمه !


علا صوتُ المؤذّنِ,فتسمّرنا نرقبُ نبرةً حانيةً..
تتلمسُ "التمر" وتهمسُ في استسلامٍ مَهيب:
"بسم الله , للهم لكَ صمتُ..."

:

وبكت أمي وهي تقولها,وتسللتُ أنا إلى المسجد
وقد تبعثرت كلماتي,وما أجيدُ سوى "ياااارب"

:

رمقني الإمامُ بلطفٍ وهو يسألُ حائراً_كمن بيّتَ السؤالَ منذ أمد_
"ولد مين إنتَ" ؟
فقلتُ وأنا أبتلعُ الفقدَ: "ولد ماجد ..."
فربّت عليّ: "رحمة الله عليه ؛ اللي خلّف ما مات "

:

تُراك أبي راضٍ عنّي الآن..
إن لم يكن بكَ عتبٌ عليّ فلا أبالي !


وبقدرِ ما انتشت ساعاتُ رمضانَ بالسكينةِ والقرآن
بقدرِ ما فقدتُ أبي !

وحانَ العيد..
وأستقبلهُ كبريءٍ ينتظرُ إعدامه؛ بوجلٍ واستسلامٍ للقدر..
أخرجُ مع عمّي وأبناءه..
نصلي,وعينايَ لا تلبثانِ ترقبانِ كلَ عابرٍ بصحبةِ أبيه
أهتم بتفاصيلَ قد تبدو ساذجَة..لكنها تعني لي حياة !

يُقبّلُ عمّي أبناءه ؛ يهنئُهم بالعيد..وينساني
كنتُ متكوّماً على وجعي..
فغمزهُ وائل: "بابا محمّد .. نسيتُه ؟"

:

واحمرّ وجهُ عمّي , وعلمَ أنّه آلمني
كأوّل سوادٍ في صفحةِ العيد !

استقبلنا رجالاً كثيرين , وربّتَ عليّ أيدٍ كثيرة
فأرفعُ عينينِ عطشّى .. علّني أعانقُ لطفَ ابتسامة يكفكف يُتمي
لكن الوجوه تنصرف عنّي إلى غاياتٍ أخرى..
تتوقُ إلى الأجرِ في مسحةٍ على رأسي , وتسلبُني حقّ
الرّحمة !

:

يا لهذا اليومِ الباهتِ / البارد
وكأن الكون تماهى ووجعي فارتدَى الشّحوب
ما أقسا الحياةَ بلا ألوان !!


"لا يجبُ على اليتيم أن يثقلَ على الآخرين ؛ بحاجاتهِ العاطفية"
هذا ما قالهُ لي "هيثم"..
كأولِ درسٍ في التعاملِ مع حياةِ اليُتم !

لا يعترفُ أعمامُ هيثمَ به..
ولديه خالٌ قاسٍ لا يعبأ بالبراءة والحرمان..
ولا تملكُ أمّه إلا أن تبكي وتفيقَ على : "خليك رِجّال" !!

:

ياااه يا هيثم ..
أوجعتَ أسايَ,وأوجعني أساك !

فطنتُ مؤخراً إلى "لمى" شقيقتي الصغيرة..
لم تتعدّ العامينِ حين وفاةِ والدي..
لكنّ حيّزَ الأب في القلب يبقى فارغاً..
يُناشد القلوبَ ألا تنساه.. ولو من وقتٍ لآخرَ
بقُبلةٍ حانية , ضمّةٍ دافئة , أو حتىّ كلمَة .. لا روحَ فيها
تخبرهُ أنّه من عِدادِ الأحياء !

ومنذ ذلكَ اليوم ..
وقلبي لا يفتُر يصافحُ قلبَ لمى..
يقبّل مكانَ الوجعِ منه..
وكلما آلمَني الفقدُ..منحتُها إشراقةَ أعماقي !


بتّ أسعدُ بالعطاء , وبالرّجولة التي تفوقُ تصوراتِ من حولي السّاذجة
لتحلقَ في عالمٍ أرحبّ.. أرحب
لا يتقنهُ سوى البؤساء !

:

كمْ أنتَ قاسٍ .. أيّها العالم !!

:

كتبتهُ : بكلّ هدوء.


______________
أعجبتني هذه القصة فنقلتها, قرأتها منذ سنين,صورت شعور اليتيم بأصدق شعور..
بكل هدوء فليرعاك الله أينما كنت..

اسامه السيد 15-09-2009 11:13 PM

حياك الله ؛ وشكرا جزيلاً لهذه القصه الجميله ...

وعفوا لهذا الرد المقتضب ..

فجو القصه هو السبب ....

لكنها جميله ؛ وبها معانى نبيله راقيه ؛ ومشاعر دافئه حانيه .....

حياك الله ....

آه ياسنيني 16-09-2009 07:32 AM

أهلابك أخي الكريم أسامة,

جزاك الله خيرا لمرورك الكريم ولا ألومك فالغصة تجعلنا نبتلع كلماتنا أمام هذا الوجع..!

بارك الله فيك.

وردة الحب الصافي 17-09-2009 12:19 AM

كــل الـــشـكــر لـك آه يـا ســنـيـنـي،،،،،

عــلى هـــذا الـمـوضــــوع الـمليء بـالـمــشـــاعـر الـدافـئـــة،،،،،

آه ياسنيني 17-09-2009 05:38 AM

غاليــتـي وردة,

شكراً لكِ أيضاً لمرورك اللطيف.

بارك الله فيكِ.


الساعة الآن 10:55 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا