نفساني

نفساني (https://www.nafsany.cc/vb/index.php)
-   الملتقى العام (https://www.nafsany.cc/vb/forumdisplay.php?f=26)
-   -   أنـــا (https://www.nafsany.cc/vb/showthread.php?t=7934)

mirror 30-09-2002 01:36 PM

أنـــا
 
. . .

أنا من الخارج لي حدود لي سقف ينتهي عنده جسدي .. و لكنني من الداخل بلا سقف ..
و لا قاع ..


. . .

أنا .. كلمة ظريفة .. لا يوجد أظرف منها في الدنيا .. إنها أغنية ..

إنها تدخل في أي جملة فتجعلها جملة مفيدة مهمة .. و تدخل في أي موضوع فتجعله موضوع الساعة .. لأنه يصبح موضوعي أنا .. و فلوسي أنا .. و حبيبي أنا .. و روحي أنا .. و قلبي أنا ؟

و لكن أنا .. ؟ من أنا ؟

هل حاول أحدكم أن يسأل نفسه هذا السؤال ..

من أنا ؟ ..

أنا فلان .. فلان إيه .. فلان ابن فلان .. يعني إيه .. مجرد ألفاظ .

مجرد رموز أو إشارات تدل على حقيقتي .. طيب و إيه هي حقيقتي ؟ ..

و هنا يبدأ اللغز .

ما هي حقيقتي ؟ ..

إني أحاول أن أمسك بوجودي و أكتشفه و أفحصه كما أفحص هذه المحبرة فأجد أنه وجود بلا قاع .. وجود مفتوح من الداخل على إمكانيات لا نهاية لها .. و ألقي بحصاة في هذه البئر الداخلية فلا أسمع لها صوتا .. لأنها تهوي و تهوي إلى أعماق بلا آخر ..

أنا من الخارج لي حدود .. ينتهي طولي عند 170 سنتيمتر .. لي سقف ينتهي جسدي عنده .. و لكني من الداخل بلا سقف و بلا قعر ..
و إنما أعماق تؤدي الى أعماق .. و أفكار و صور و أحاسيس و رغبات لا تنتهي الا لتبدأ من جديد كأنها متصلة بينبوع لا نهائي .. و هي أعماق في تغير دائم و تبدل دائم .. بعضها يطفو على السطح فيكون شخصيتي و بعضها ينتظر دوره في الظلام ..

و أنا في الخارج أتبدل أيضا .. الواقع يكشط هذه القشرة التي تطفو خارجي فتطفو قشرة أخرى من عقلي الباطن محلها ..

و كلما أمسكت بحالة من حالاتي و قلت هذا هو أنا .. ما تلبث هذه الحالة أن تفلت من أصابعي و تحل محلها حالة أخرى .. هي أنــــا .. أيضــا ..

شيء محير !! ..

و أنظر حولي في العالم .. فأجد أني أعوم في هذا العالم كما تعوم البطة في الماء .. تجدف فيه بريشها و لا تبتل و إنما ينزلق من عليها الماء كأنه من عنصر آخر غريب عنها ..

أنا متصل بالعالم منفصل عنه في نفس الوقت ..

إنه يدخل في تكويني بحكم المسكن و المأكل و المشرب و الاتصال بالآخرين .. و لكنه غير ملتصق بي .. إنه يذكي شعوري و يثير اهتمامي فقط .. و بمقدار اهتمامي أظل على علاقة به فإذا انتهى اهتمامي نفضته تماما كما تنفض البطة الماء من ريشها حينما تصل إلى الشاطىء ..

إني أحتضن العالم باختياري و أخلع عليه اهتمامي و شخصيتي و أتبناه و أظل مصاحبا له طالما هو .. أنا .. فإذا انتهت هذه العلاقة الأنانية .. عدت إلى نفسي ..

و لكنني لا أنجو مع هذا من الابتذال .. و التردي في هوة اليأس ..

العالم يبتذلني أحيانا فأذوب فيه بعض الوقت .. أفعل ما يطلبه مني رئيس تحرير المجلة التي أعمل بها و أؤدي ما يطلبه مني مدير المستشفى الذي أشتغل فيه طبيبا ..

و أخضع لروتين العادة و العرف و المجاملات و أضيع نفسي في الثرثرة و أختبىء وراء المشاكل اليومية .. و أتستر خلف الناس .. و أقول و أنا مالي .. هم عاوزين مني كده .. الدنيا كلها بتعمل كده ..

و في هذه الحالات تضيع مني نفسي .. تضيع مني .. أنا .. و أصبح موضوعا من الموضوعات مثل الكرسي و الشجرة و الكتاب .. و أفقد الشيء البكر الذي يميزني عن كل شيء .. و يجعل مني نسيج وحده ..
يجعل مني .. أنا .. فلان الفلاني ..

هذه أوقات لا أحس بها .. و إنما تبدو ممسوحة و مشطوبة من حياتي .. تبدو
فترات موت ..

حريتي تعذبني .. لأني حينما أختار .. أتقيد باختياري .. و تتحول حريتي إلى عبودية و مسؤلية .. و هي مسؤلية لا ينفع فيها إعفاء لأنها مسؤلية أمام نفسي .. أمام الاختيار الذي اخترته أنا ..

و ليس أمامي سبيل غير أن أختار .. لابد أن أختار كل لحظة .. فإذا أضربت عن الاختيار .. كان إضرابي نوعا من الاختيار .. علي أن أدفع ثمنه فورا ..

و حبي يعذبني لأني أريد أن أمتلك محبوبتي و أذيبها في داخلي و أشرب شخصيتها و روحها و جسدها .. أريد أن أحولها إلى .. أنـا ..
و هذا مستحيل لأنها هي الأخرى لها .. أنا .. و ذات حرة مثلي ..

إن كل ما نستطيعه هو أن نتعانق و تتلامس شفاهنا .. و تتلامس حقائقنا و أسرارنا في لحظات مضيئة .. ثم نمضي إلى حالنا .. كل واحد مغلق على سره .

إن كل ما نملكه هو أن نفتح نوافذنا على الخارج ، و لكننا لا نستطيع أن ننقل عفشنا .. و نسكن بيتا جديدا .

إن روحنا سر .. و ذواتنا قدس الأقداس ..

إن الله يضع كل جنده على باب ذاتنا كما يقول طاغور .. و لا يسمح لأحد منه بالدخول فيها .. لأنها حرم .. حرمها على الكل .. و خلقها حرة كالطائر الغرد ..

. . .

ماذا هناك .. ماذا وراء الباب ..

ماذا بداخلي ..

إرادة . إرادة لا نهائية لا حد لها إلا نفسها .. إرادة حرة خالقة مبدعة ..
تنبثق انبثاقا في بداءة و فطرة .. أحسها و لا أعرفها أكابدها و لا أفهمها ..
لأنها تفر مني كلما حاولت فهمها كما يفر النوم من عيني كلما حاولت أن أتعمقه و أحلله .. و ربما كان السبب أنها أصيلة .. أكثر أصالة من العقل و التفكير و لا يمكن أن تكون موضوعا للعقل و التفكير .. بل العكس هو المقبول .. أن يكون العقل موضوعها و خادمها .. و سبيلها إلى بلوغ أهدافها ..

أنا أريد .. و العقل يبرر لي ما أريد .. و ليس العكس أبدا ..

إن كل شيء خاضع للإرادة .. ثانوي بالنسبة لها ..

في لحظات إبداعي و خلقي .. في اللحظات التي أحس فيها أني أخلق نفسي و أخلق الأفكار و القيم و أكتشف العالم و أصنع المعقولات
أحس أني أدفع العالم كله أمامي .. أدفعه كالعربة ..

و في اللحظات التي أموت فيها و أسقط في هوة العادة و التكرار و التقليد و المجاملات و الروتين .. و تضيع إرادتي من يدي .. أحس بأن العالم كله يدفعني أمامه كالعربة ..

أحس أن إرادة الحصان في الطريق يمكنها أن تعدل طريقي و تغير سِكّتي ..

أحس بأن عين جاري تجعلني أنكمش في ثيابي * * * * * * * * * * * * ..
لا شيء في الدنيا أكبر من الإرادة ..

الظروف المالية .. و البيئة و الوراثة .. لا تلغي الإرادة و لا تمحو الحرية أبدا .. و لكنها تؤثر فيها .. تؤثر في الكيفية التي تعلن بها عن نفسها ..

أنا و الظروف نتصارع في لحظة الفعل فقط .. و لكن كلا منا له وجوده البكر .

أنا حر و إرادتي حقيقية .. تماما كما أن الظروف موجودة و حقيقية .

و لكن ماهي الإرادة ؟ ..

لا توجد كلمة تصفها أو تشرحها .. لأنها أكبر من كل الكلمات و لأنها تحتوي على كل الكلمات و تتجاوزها .. فكل وصف يبدو حيالها ناقصا ..
إنها كالشوق لا يوصَف و إنما يُكابَد ..

إنها تنطبق عليها كلمة المتصوف الصالح أبو البركات البغدادي :
أظهر من كل ظاهر و أخفى من كل خفي ..

إن أحسن طريق لمعرفتها هي أن تباشرها .. فهي المفتاح السحري الذي تفتح به الكون كله ..

و لكن هناك أسئلة تتوارد على خاطرنا ..

هل الإرادة موجودة في الزمان ..

هل هي تنبض مثل القلب ..

هل تنمو مثل الجسد ..

هل تتعاقب مثل اللحظات .. و تنقضي مثل الحالات النفسية .

هل تسري مثل الضوء و الكهرباء و تنتقل كما تنتقل الحرارة ..

و هي أسئلة تفتح علينا الباب على مشكلة أخرى هي .. الزمان ..

ما هو الزمان ؟ ..

هل هو حركة عقرب الثواني و الدقائق و الساعات ؟ ..

هل هو دقات ساعة الجامعة ؟

هل هو الأرقام العامة التي تنشرها مصلحة الأرصاد عن توقيت الأيام و الليالي و ساعات الظهر و المغرب و العشاء ..

أم هو زمن آخر خاص يعيشه كل واحد منا في نفسه و يضبط عليه وجوده ..

إننا بهذه الأسئلة نبلغ المنطقة التي يكثر فيها الضباب و تصعب الرؤية ..

إنها تحملنا إلى تحت ..

إنها تنزل بنا من الأوراق إلى الساق إلى الجذر .. إلى ما تحت الخشب و اللحاء ..
إلى العصارة التي تصعد في نباتنا فتبعث فيه الحياة ..

إننا ننفض يدنا من تشريح الأيدي و الأرجل و نبدأ في بحث الحركة نفسها . و نكف عن قياس قوة العضلات لنبحث في الإرادة ذاتها .. لأننا في غرفة الموتور حيث أنبوبة الاحتراق التي تبعث كل الطاقة ..

و هنا تتصادم الأفكار و النظريات و المذاهب في الظلام ..


- - -

















من كتاب : لغز الموت .
لمؤلفه : د . مصطفى محمود .

البتــار!!!! 30-09-2002 01:43 PM

حياك الله اختي/ ميرر

والله لقد فرحت عندما رأيت لك موضوعا مكتوبا


شرح الله صدرك كما شرحتي صدري بوجودك


وانتظري تعليقي على موضوعك قريبا


البتار

mirror 02-10-2002 05:06 PM

حياك الله يا أخي الكريم البتار

نوّرت الصفحة بوجودك ..

شكرا جزيلا لتشجيعك و اشادتك

أثق بآرائك و تعليقاتك القيمة ..

و أنا في انتظارها ..

بارك الله فيك

و في قلمك المعطاء

و في جهودك المضيئة

جعلها الله في ميزان حسناتك

دمت سالما متميزا للمنتدى دوما

بإذن الـلــــه .


الساعة الآن 04:30 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا