الموضوع: شهودُ اللحظة
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-2004, 06:13 PM   #1
mirror
عـضو دائم ( لديه حصانه )


الصورة الرمزية mirror
mirror غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1463
 تاريخ التسجيل :  04 2002
 أخر زيارة : 21-10-2004 (05:57 AM)
 المشاركات : 1,406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شهودُ اللحظة



[COLOR=dark blue]شهودُ اللحظة[/COLOR]




هنالك انطباع عام بأنّ تواضع الأداء يقابله تواضع في الذكاء. هذا قد يكون صحيحاً لكن ليس دائماً.

الأداء الاجتماعي مثلاً يعتمد بصورة رئيسية على أمور عفوية لا إرادية، فهو لا يتطلب كثيراً من التفكير الواعي، إنه نشاط حيوي كالتنفس يقوم به الإنسان دون كثيرٍ من جهد و انتباه. و كما يتوتر الجهاز التنفسي لسبب أو لآخر فيمرض الإنسان و يتذكر حينها أنّ عنده جهاز تنفسي، يتوتر "الجهاز الاجتماعي" اذا جاز التعبير، لأسباب بسيطة طارئة أو أخرى معقدة مستديمة. و كلها أمراض لا تؤثر على التناسب المقبول بين مستوى الذكاء و مستوى الأداء. بل يظل هذا التناسب المقبول سليماً.

أما عندما يتعرض هذا التناسب للخلل فهنا مرض من نوع مختلف و معاناة مختلفة كلياً. مثال على مرض من هذا النوع هو مرض القلق الاجتماعي، فهنا إنسان يملك مدى معين من الذكاء، و بغض النظر عن بعده هذا المدى أو قربه بالمقارنة مع أقرانه و محيطه فليست هنا المشكلة، إنما المشكلة في كونه بعيداً جداً عن مستوى أدائه هو. أي أنّ التناسب بين مستوى الذكاء و مستوى الأداء بالنسبة لحياته الاجتماعية غير مقبول.

و أيضاً ليس في ذلك المشكلة الفعلية بعد..
بل في كون هذا التناسب الغير مقبول مكشوف.
نعم فلو شبهنا الأمر بهوة سحيقة تفصل مستوى الذكاء عن الأداء فإنه يجاهد ليخفيها هذه الهوة الداخلية، و لأنه كلما زاد اتساعها صعب عليه إخفاؤها فإنه يعوض عن ذلك بضربِ الحواجز حولها هذه الهوة مانعاً أحداً من الاقتراب، فيظن الآخرون تبعاً لتصرفه هذا أنه متكبر بخيل نعم فالعلاقة الاجتماعية تتجسد على الصورة المكبرة الخارجية المرئية بزيارات متبادلة بين الناس في أمكنة كالمنازل، و هكذا يتم تخصيص حجرة واسعة لاستقبال الضيوف و الاحتفاء بهم و تكريمهم
أما على الصورة المصغرة الداخلية الغير مرئية فهنالك أيضاً ما يشبه الأمكنة لاستقبال الضيوف، فنحن كما نخصص حجرة للضيوف في منازلنا و قد نسمح لهم بحسب قربهم منا و قوة علاقتنا بهم دخول حجراتٍ أخرى، تظل حجرات معينة بعيداً عنهم لأنها الأكثر خصوصية و لا نرغب لأي أحد بدخولها، فبالمثل الأمكنة الداخلية الغير مرئية في نفوسنا نخصص منها مساحة يشاركنا الآخرون بها، و رغم تخصيصنا هذه المساحة فإننا لا نستطيع حصر ضيوفنا بها، أي أنها هذه المساحة تكشف الكثير عنا..

كل هذا التجزيء ما هو إلا لتبسيط الصورة و نقلها للأذهان و إلا فإنه تجزيء وهمي، فالأمور تحدث معاً في ذاتِ اللحظة و هذا تعقيد ليس باستطاعة الإنسان إلا الشعور به دون أن يقدر على التعبير عنه إلا بتجزئته.

المهم ..قلنا إنّ المشكلة الفعلية تكون في انكشاف التناسب غير المقبول، و مثّلنا بمثال استقبال الضيوف في منازلنا المرئية و غير المرئية لنفهم كيف يتعامل بعض من يعانون من "خلل في التناسب" مع هذا الخلل بهدف حماية ضعفهم و إخفاء الخلل، فهم إذن يفضلون أن يعاملوا كمتكبرين أو بخلاء على أن يتعرضوا لشفقة الآخرين..

لأنه إن كان الأداء الاجتماعي وضيعاً رغماً عن الإنسان فالغالب أن يفترض المحيط في هذا الإنسان ذكاءً وضيعاً مقابلاً و رغم أنّ هذا مؤلم و يفصل الإنسان عن مشاركة حقيقية فعلية متبادلة مع من حوله، إلا أنه يفضل ذلك على أن يدري الآخرون بتواضع أدائه أمام ذكائه..

إنها لحظة لا ترضى كرامته أن يشهدها آخرون معه، تلك اللحظة الاجتماعية التي يتباين فيها أداؤه عن ذكائه..
فليدري هو بهذا التباين و ليشعر بالحواجز تفصله عن مشاركة ترضيه مع الآخرين، لكن أن يدري الآخرون أيضاً؟ فلا

إنها لحظة ضعف
لحظة انكسار
و بديهي أن يعاف الإنسان عندها شماتة الأعداء و شفقة الأصدقاء

و لهذا كما أسلفت و بهدف إخفاء الإعاقة يضطر لمسايرة أدائه أي أنه يتقمص الانطباع الذي يتركه أداؤه و ليس دائماً ينجح، لأنه صعب أن يحارب الإنسان علامات ذكائه، نعم فرغم تواضع الأداء تظل هنالك إشارات خاطفة ليس بمقدوره إخفاؤها دائماً دون انتباه مستمر و تركيز على كل حركة و همسة و إيماءة يأتي بها. فكما قلنا الأداء الاجتماعي عفوي بدرجة رئيسية، و الغالب أن لا يفكر الإنسان كثيراً به، لأنه لا شيء يهدده انكشافه ليخفيه، أما في حالة هذا الانسان فانكشاف ذكائه يهدده..
نعم ليس دائماً ما نخفيه هو أمر سيء بذاته بل قد يكون رائعاً غاية الروعة بذاته لكن طبيعة و تفاعل ظروف عديدة تجعل من انكشافه خطراً كما في حالة هذا الانسان.
و لذا هو متيقظ حذر متحفز في حياته الاجتماعية لا يهدأ إلا أن يتقن التقنع أي أنه ينجح فعلاً في إخفاء ذكائه أي أنه يخفي التناسب غير المقبول بين مستوى الذكاء و مستوى الأداء.
و كما قلنا، إن فشِل في تكوين هذا القناع، فهو يعوض عن ذلك بالابتعاد عن الآخرين و إبعاد الآخرين عنه، لأنه و قد فشل في التقنع لا يستطيع تخصيص مساحة لمشاركتهم، فالمساحة التي نسمح للآخرين بمشاركتنا إياها تكشف عنا الكثير..



وللحديث بقية ..
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس