....::::التغـــــــــــــافر::::....
نورٌ وهاج اوقده الزاهد ابن السماك واعظ هارون الرشيد لما قال له صديق : " الميعاد بيني وبينك غداً نتعاتب " ، كأنها كانت هفوة من ابن السماك أو زلة تعكّر لها قلب صديقه .
فقال له ابن السماك رحمه الله تعالى : " بل بيني وبينك غداً نتغافر " .
وهو جواب يأخذ بماجع القلوب ، ملؤه فقه وواقعية ، يشير إلى وجود قلب وراء هذا اللسان يلذعه واقع المسلمين ، وتؤلمه أسباب تفرقهم .
وكذلك يكون استدراك الوازن لتسرع الحساس .
فلماذا التعاتب المكفهر بين الأخوة ؟ كلٌ منهم يطلب من صاحبه أن يكون معصوماً .
أليس التغافر أولى وأطهر وأبرد للقلب ؟!
أليس جمال الحياة بأن تقول لأخيك كلما صافحته : " رب اغفر لي ولأخي هذا " ، ثم تضمر في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك ؟!
أو ليس عبوس التعاتب تعكيراً تصطاد الفتن فيه كيف تشاء ؟
بلى والله
ولقد كان شاعر أسبق من دعاة يدعون الفقه ، فراح يمرح ويتغنى :
من اليوم تعارفنا *** ونطوي ماجرى منا
فلا كان ولا صار *** ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولا بد *** من العتب بالحسنى
ثم يأبى إلا أن يزيد مرحه ، فيبدل نغمته :
تعالوا نطوي الحديث الذي جرى *** ولا سمع الواشي بذاك ولا درى
لقد طال شرح القال والقيل بيننا *** وماطال ذاك الشرح إلا ليقصرا
من اليوم تاريخ المحبـة بيننــا *** عفا الله عن ذاك العتاب الذي جرى
ثم يبدّل نغمته ثالثة ، ويتملق أصحابه ليديم محبة أخوية لذيذة قد ذاق طعمها الفريد ، فيقول :
تعالوا نخل العتب عنا ونصطلح *** وعودوا بنا للوصل والعود احمد
ولا تخدشوا بالعتب وجه محبة *** له بهجة أنوارهــا تتوقــد
فلا تخدش أيها الداعية – بالله عليك – وجه محبة منيرة لا زلت فذاً فيها والناس من حولك تستهلكهم العداوات ، وإلا وضعت نفسك على شفير الاستهلاك .. إن التغافر خير .
**منروائعالشيخمحمدأحمدالراشد-كتابالعوائق
انتقاء متفائل
|