01-05-2004, 11:52 PM
|
#4
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 6174
|
تاريخ التسجيل : 04 2004
|
أخر زيارة : 09-10-2004 (08:15 PM)
|
المشاركات :
63 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
قال الطبيب بوجه جامد ما فيه من الإحساس ذرّه، وكأنه مو هو اللي يتكلم إلاّ كأنه يحكي بلغه هو نفسه ما يعرفها،
قال: العنود أنا بكتبلك خروج.
ونوّر وجهي بابتسامة وأنا أدس يديني تحت الغطوة لا يشوفها الطبيب، وكمّل كلامه بوجه جامد: - العنود أنتِ وحدة مؤمنة وأكيد عارفة إن الموت حق. وسكت.
تسارعت أنفاسي وأنا أقول: إيه… كمّل يا دكتور.
حالتك ميؤوس منها، وبطلعك علشان تقضين آخر أيامك في المكان اللي تحبينه.
ورجع لصمته وسكت الطبيب، وسكت كل شيء في الغرفة، بس أنا ما عاد أسمع إلاّ صوت أنفاسي وصوت أكوااام الأمل اللي انهدت في قلبي، ومن الصدمة رميت غطوتي بعيد وقمت بحماس، وكأني بدافع عن حياتي، وكأن الطبيب هو اللي يبي يسلبها مني، وانحنيت، ولأول مرة أحط عيني في عين طبيبي اللي ما رفعها عن الأرض،
وقلت بحماس: دكتور!!! لا تقول كذا أنا طيبة! دكتور!!! وش هالكلام؟!!! دكتووور كيف الطب يعجز عن حالتي أنا؟!!!!! أنا؟!!! أصلاً أبو سارة قال إنّه بيلف بي العالم!!! كيف المرض ينتصر على شبابي وحيويتي؟!! أنا أقوى منه أكيد.
يا العنود الموت والحياة بيد الله، والطب وسيلة، وما أدري؟! يمكن يبقالك ساعات أو أيام أو أسابيع؟! بس حالتك يا العنود ما عاد نقدر نسيطر عليها. وسكت.
وقبل لا يطلع قال، وكأنه يبي يخفف عني: وأبعطيك أقوى المهدئات ولا راح تحسين بالألم في باقي أيامك إن شاء الله.
حسّيت ساعتها إني مجوفة فاضية من الداخل، حسيت الدنيا سوداء حواليني، وبدت تتضح لي صور من بعيد في مخيلتي، أول صورة شفتها كانت صورة سارة بنتي وهي تضحك وعمرها شهور. وبعدين شفت صورة زواجي وأنا لابسة أبيض وزوجي ماسك يدي بفخر، وهذي أمي وهذي زميلتي في المدرسة شفتها، مع إني من بداية الصيف ما قابلتها ولا كلمتها، وهذولا عصافير غرفة سارة. وآخر صورة شفتها قبل لا أفوق كانت فستان زواج ماجد اللي اخترته من مجلة الأزياء. حسيت باختناق وضيق، هذا حضن أمي اللي دخلت علي وضمتني، وأبعدها عني بقوة وقاومت علشان أتخلص من حضنها، وسمعت صوت زوجي يكلم الطبيب عند الباب، طالعت أمي بعصبية،
وقلت: يمّه ما أبي أشوف خالد.
كانت رغباتي أوامر في ذيك الساعة، ركضت أمي وردّته من عند الباب، ما كنت أبي أشوفه، كنت متأكدة إني ما راح أتحمل شوفته هو بالذات، حسّيت إنه بيذكرني بأيام الرخاء وأنا ألحين في شدة. وينكم يا أهلي؟!! بس ما أبي غيركم. ما بكيت ولا نزلت مني ولا دمعة، وكأن الخبر كان فوق مستوى البكاء، بالعكس تحمست
وقلت: يا الله أبطلع.
أكملت إجراءات خروجي، وقبل لا أطلع جت المريضة اللي بتاخذ غرفتي، طالعت عيونها فيها بريق أمل تختلف تماماً عن نظرتي أنا، كانت نظرتي ميتة عميقة مالها لمعة. سبحان الله للأمل بريق في العيون. وطلعت
قلت لأخوي: محمد ما أبي بيتي، أبي أروح لغرفتي قبل لا أعرف خالد.
وفعلاً أخوي بدون أوامري كان رايح لبيت أهلي. ونزلت ودخلت البيت بس ما لقيت في استقبالي إلا خواتي الكبار!! والبيت كأنهم أخلوه لي! هذا بيت أهلي العامر اللي الكل داخل طالع!! ألحين هادي كأنه مقبرة!!!.
رحت لغرفتي ورميت عبايتي، كنت ناوية أتحمم وأغير ملابسي، وأستعد علشان أضم سارة لصدري بس ألحين غيرت رايي، ما أبي أشوف سارة، ما أبي أشعر إنها معتمدة علي في شيء، أبي أوكل أمرها لله، ونِعم بالله. أبخليها في وداعة الرحمن ومن يحفظ الودائع مثل الله! دخلت أمي وهمست بصوت واطي،
قالت: العنود وش تبين تاكلين؟!!!
ولاشيء. قلتها بحزم وقوة. يمّه ما أبي شيء.
أمي أوّل كانت دايم تتابع أكلي وتجبرني إني آكل، حتى بعد ما تزوجت كانت تحرجني عند زوجي اللي كان يضحك من حرصها على أكلي، وكأني طفلة، بس اليوم ولأول مرة احترمت رغبتي وسكتت وكأنها
تقول: ماله داعي الأكل ما دام آخرته للدود.
يا بنيتي زوجك يبي يشوفك.
قلت بصوت عالي وكأني أكلمهم من العالم الآخر…
لا ما أبي أشوفه. وطلعت ورجعت مرة ثانية،
قالت: ترى خالد يقول إذا وافقتي تشوفينه هو ينتظر في المجلس مع أخوك.
بس أنا قررت إني ما أعذب أحد وإني أقضي آخر أوقاتي لحالي،
قلت: يمّه روحي… إن بغيتك ناديتك.
أبقعد عندك أوسّع صدرك.
يمّه ماني فاضية ووقتي قصير.
طلعت وأنا أتذكر الوقت اللي كنت أضيعه في أمور تافهة مثلاً مجلة الأزياء اللي اخترت موديل زواج ماجد منها، جلست في المكتبة ساعتين علشان أختارها وأشتريها، وألحين تركتها في المستشفى ونسيت رقم الصفحة، وما راح ألبس الفستان أبداً.
يا الله يا وقتي أثرك كنت غالي ألحين!!!! عندي أشياء كثيرة أبي أسويها بس ما عرفت!! زي الطالب إذا أعلن المدرس إنه باقي له عشر دقايق من وقت الامتحان، وهو ما بعد كتب في الورقة شيء، بيسلم ورقته قبل العشر الدقايق ما تنتهي، لأنه راح يتوه بين الأسئلة.
وأنا هذا شعوري أبدأ بإيش ولاّ إيش!! جلست أفكر شوي وطلّعت ورقة وقلم، قلت أبكتب وصية… وصية؟!!!!
زي الأفلام اللي كنت أتابعها. يا ما سهرت أطالع ناس (أظنهم) أردى خلق الله، وهم يفتعلون حكايات تافهة مالها بالواقع صلة!! يا خسارة ذاك الوقت كان ربي نازل في السماء يقول: هل من مستغفر فأغفر له؟! هل من داعي فأجيبه؟!! يا خسارة ليتني قمت وصليت ودعيت إن الله يخليني لسارة وأبوها، يا ليتني على الأقل رحت لسارة وضميتها لصدري. وفجأة رميت الورقة والقلم، وقمت وفتحت الدولاب، وطلعت فستان حرير كان خالد يحب يشوفه علي، ولبسته ولبست جزمة مناسبة، وفكيت شعري وطلعت دهن العود وحطيته على شعري، ووقفت قدام المراية وتأملت صورتي.
يا الله كم باقي من الوقت ويندس هالجمال في التراب؟!! كم باقي من الوقت وتمشي الحشرات على هالخد النظر؟!! كنت أعتني بجسمي، حمامات زيت وكريمات، وأكافح التجاعيد، بس ليتني وصلت لسن التجاعيد!! خسارة الوقت الممل اللي قضيته وأنا أوزّع شرائح الخيار على وجهي! يا خسارة! ليتني رحت قريت سورة من القرآن ولا لعبت مع سارة حبيبتي قبل لا تفقدني. وقفت وطالعت جسمي هالجسم الممشوق بيتمدّ د في القبر بعد ساعات. يا ترى ضلوعي هذي بتلتقي بضمة القبر؟! يا ترى رقبتي اللي يا ما رفعت راسي لفوق بتنحني على صدري؟! ولاّ بتغل إلى رجولي؟! وتذكرت كيف أصرّيت إني أنضم لنادي، وكيف احتلت على أبو سارة واستخدمت جميع الوسائل ليين سحبت منه الموافقة سحب، بالرغم من إنه ما كان موافق من قلبه، وكان كاره،
ويقول: هالوقت أنا أولى به يا العنود .
بس لا زواج ماجد قرب، وكنت ناوية أكون فتنة الحفل فيه، وألحين الله ينجيني من فتنه الممات. طلّعت علبة مجوهراتي ومسكت خاتم كبير اشتريته أيام زواجي، كانت في الخاتم نقوش، تفحصت النقش، وطرا على بالي طاري… يا ترى أنا كنت أزكي عن هالذهب ولاّ لا؟! أظن أبو سارة كان يزكي عن ذهبي، أظن بس ماني متأكدة، ما قد سألته أبد، وتفحصت النقش مرّة ثانية وفركت جبهتي وأنا أتسال… يا ترى هالر سوم بتطبع في جبهتي وأكوى بها ولا بينجيني الله؟!!! تأملات غريبة طرت على بالي، ومشى الوقت بسرعة وأنا بين أدويتي المهدئة وبين صلواتي وقرآني. في الليل طلعت من الغرفة ولقيت سجادة أمي عند الباب، أمي ما نامت تصلي وتدعي وجلست عندها والتفتت علي، نظراتها تجمع فيها حنان أمهات الدنيا كلها، ناظرتني نفس نظراتها لي يوم كنت طفلة،
قالت: تبين شيء يا بنيتي؟!!
يمّه أبي رضاكِ.
وانفجرت تبكي. بكت... بكت... وأنا تحجّرت الدموع في عيوني ولا دمعة هلّيتها، وانتظرت لين هدت،
وقالت: - أنا راضية عنّك يا بنتي. والله إنك من بين إخوانك كلهم أقل وحده تعبتني في الحمل والولادة والتربية، أنا راضية عنّك يا بنتي والله يرضى عنّك إن شاء الله.
يتبــــــع
أكمـــــــــــــــــــــــل؟؟؟؟؟؟؟؟؟
|
|
|