رفـع الـسـيـاف سـيـفـه فـوق رقـبـة فـهـد بـن نـايـف فـطـلـب مـنـه تـمـيـم أن الانـتـظـار ثـم طـلـب مـن أبـيـه أن يـصـلي صـلاة الإسـتـخـارة، فـوقـف أبو تـمـيـم بـجـانـب فـهـد بن نـايـف وفـوق رأسـه الـسيـاف وصـلى ركـعـتـيـن لله تـعـالى، وبـعـد أن أنـهـى الـصـلاة قـام ومـد يـده للــربــاط الذي يـربـط يـدي فـهـد بن نـايـف وفـكـه وهـو يـقـول أعـتـقـتـك لـوجـه الله تـعـالى. ووقـع أبـو تـمـيـم على صـك الـعـفـو واشـتـرط فـيـه أن يـحـفـظ فـهـد بـن نـايـف الـقـرءان كـامـلاً.
عـلـت الـتـكـبـيـرات في الـمـكـان والـبـكـاء وسـجــد عــدد كــبـيـر مـن الـحـضــور لله شــكـراً. وبـعـدهـا تـم أخـذ أبـو تـمـيـم إلى الأمـيـر سـلـمـان وفي الـطـريـق قـابـلـه والـد وأعـمـام فـهـد بن نـايـف وأخـيـه وانـهـالـوا بـتـقـبـيل رأس وأيـدي وقـدمي أبـو تـمـيـم، ثـم وصـل أبـو تـمـيـم إلى مـكـتـب الأمـيـر سـلـمـان الـذي خـرج لـه مـن الـمـكـتـب حـافي الـقـدمـيـن واحـتـضـنـه وهـو يـبـكـي ويـدعـوا لـه.
أخـوتي وأخـواتي
هـذه قـصـة الثـلاثـة الأيـام الأخـيـرة مـن قـضـيـة مـقـتـل ابـن الأسـرة مـنـذر، بـدون زيـادة أو نـقـصـان، وسـبـب الـحـرص على نـشـر هـذه الـتـفـاصـيـل هـو الـرغـبـة في عـدم حـصـول أيـة تـأويـلات أو كـتـابـات تـخـرج مـن خـارج الأسـرة وتـخـالـف الـحـقـيـقـة. وإذا كـان أبـو تـمـيـم قـد قـرر الـعـفـو عـن قـاتـل ابـنـه، فـهـو قـد قـرر ذلك بـمـحـض إرادتـه بـدون ضـغـط مـن احـد، وبـنـفـس الـقـدر الـذي وقـفـت فـيـه الأسـرة بـجـانـب أبـو تـمـيـم في مـحـنـتـه وأيـدتـه في إصراره على تـنـفـيـذ الـقـصـاص، فـأنـهـا وبـنـفـس الـقـدر تـقـف مـعـه في قـراره في الـعـفـو، وتــربـأ أســرة الــقــاضي بــنــفـســهــا أن يــكــون هــذا الــعــفــو تــم بــمــقــابــل مــادي أو خـلافـه، كـمـا أن مـن يـعـرف الأسـرة جـيـداً يـعـلـم تـمـام الـعـلـم أنـنـا لـسـنـا مـمـن يـعـفـوا بـسـبـب خــوف أو تـرهـيـب أيـاً كـان مـصـدره، رغــم أنــه ويــشــهد الله تــعــالى لــم يــحــدث أي شـيء مـن هـذا طـوال مـراحـل الـقـضـيـة، ولـكـن الـعـفـو تـم بــعــد وضــع الــســيـف على رقـبـة الـقـاتـل ولــوجــه الله تـعـالى والأمـر لله أولاً وآخـراً. وكـمـا أنـنـا لـم نـقـبـل الـعـروض الـمـاديـة للـعـفـو أثـنـاء الـقـضـيـة وبـعـد صـدور حـكـم الـقـصـاص، فـإنـنـا وبـنـفـس الـقـوة نـؤكـد الآن أن هـذا الـعـفـو تـم لـوجـه الله ولـن نـقـبـل لا عـاجـلاً أو آجـلاً أي نـوع مـن أنـواع الـتـعـويـض، والـعـوض الـذي نـرجـوه هـو رضى الله تـعـالى عـنـا وجـزاؤه لـنـا على عـفـونـا عـن قـاتـل ابـنـنـا وإحـيـاء الـنـفـس التي مـن أحـيـاهـا فـكـأنـمـا أحـيـى الـنـاس جـمـيـعـاً.
وتـرجـوا أســرة الــقــاضي مـن جـمـيـع الأخـوة مـراعـاة مـصـاب الأسـرة في ابـنـهـا مـنـذر والـدعـاء لـه بالـرحـمـة والـمـغـفـرة وأن يـراعـوا مـا مـرت بـه الأسـرة مـن مـحـنـة وإن كـانـت خـرجـت بـهـا مـرفـوعـة الـرأس، فـهـي حـيـن اتـخـذت قـرار تـنـفـيـذ حـكـم الـقـصـاص اتـخـذتـه بـشـجـاعـة دونـمـا خـوف مـن أحـد إلا الله سـبـحـانـه، وحـيـنـمـا اتـخـذت قـرار الـعـفـو اتـخـذتـه بـنـفـس الـدرجـة مـن الـشـجـاعـة، كـمـا تـرجـوا الأسـرة عـدم إقـحـام اسـم الأسـرة في صـراعـات لا عـلاقـة لـهـا بـهـا باسـتـخـدام هـذا الـمـوضـوع بـشـكـل سـلـبـي قـد يـؤثـر في نـفـسـيـة أسـرة الـقـتـيـل أو أن يـتـخـذ هـذا الـمـوضـوع مـطـيـه للإسـاءة لأحـد، وأن يـتـذكـروا دائـمـاً أن الله سـبـحـانـه هـو مـقـدر كـل شـيء وأنـه هـو سـبـحـانـه لـه الأمـر أولاً وآخـراً.
رحــم الله ابــنــنــا مــنــذر واســكــنــه فــسـيــح جــنـاتــه وألا يــريــكــم مــكــروه.
والــحــمــد لله رب الــعــالـمــيــن
________
* مــلاحــظــاتــي :
1) الـذي يـبـدو لـي ( والـلـه أعـلـم )أن والـد مـنـذر الـقـاضـي كـان يـريــد مـن الـقـاتـل أن يـرى الـمــوت بـأم عـيـنـيـه حـتـى لا يـقـدم هـو أو غـيـره عـلى مـثـل هـذا الـعـمـل..
2) كـان والـد مـنــذر الـقـاضـي أراد أن يـوصــل رسـالــة لـلــجـميــع أنـه أب ولـه الـقـرار الـوحـيـد فـي دم أبـنـه وأن الـمـال لايـعـوض دم فـلـذات الأكـبــاد ..
3) أثـبـتــت الـدولـة أن الـمـواطـنـيـن أمـام الـشــرع سـواسـيــة وهـذا الأمــر أدحـض نـظـريـات الـمــغــرضـيــن أن هـنــاك أحـكــامــا لأنـاس وتـســاهــلات لأبـنــاء الأسـرة الـحـاكـمــة ..
4) أظـن والـلـه أعـلـم أن كـثـيــرا مـن أبـنــاء الأســرة الأفـاضــل أسـتـفــادوا جـدا مـن هـذا الـدرس الـقــاســي عـلــى إبـن عـمـهــم (فـهـد بـن نـايـف ) وأخـذوا الـعـبــرة والـعـظــة ان دمـاء أحـد أفـراد الـشـعــب مـصـانــة وأن الـشــرع سـيــطـالـهــم إذا فـكــروا بـهـدر الـدم .
5) مـن الـدروس والـعـبــر لـلآبـاء أيـضــا عـلـيــهــم أن يـنـصـحــوا أبـنـاؤهــم بـعـدم حـمـل الـسـلاح أو أيـة أداة حـادة فـي سـيـاراتـهــم أو جـيـوبـهــم خـشـيـة تـسـلـط الـشـيـطـان عـلـيـهــم أثـنـاء الـغـضـب .
5) عـلـى ألـلآبـاء أيـضـا كـثـرة الـدعـاء لأبـنـاؤهـم عـنـد وقـوعـهـم فـي مـحـن وإبـتـلاءات .. لأن الـلـه وعـد بالإجـابـة .
قـبـل عـام ونـصـف كـانـت عـنـدنا ورشــة عـمــل فـي دار الـمـلاحـظــة فــي الـريــاض أذكــر أنـنــا دخـلـنــا عـلـيه فــي حـجــزه الأنـفــرادي وكــان مـهــزوم الـشـخـصـيــة وخـائـر الـقــوى ..
وأذكـر أنـنـي سـألـتــه هـل أنـت نـادم يـا أخ فـهــد عـلــى جـريـمـتــك ؟
فـقــال لـي : جـدا يا أسـتــاذ ..!!
فـجـلـســت مـعـه قـرابـة الـنـصــف سـاعـة أذكـر لـه قـصــصــا حـصــلـت مـعـي فـي دار الـمـلاحـظــة فـي الـدمــام عـن أحـداث تـم الـتـنـازل عـنـهـم فـي الـلـحـظــات الأخـيــرة مـن تـنـفـيــذ الـحـكــم ..
وقـال لـي مـستـبـشــرا : الـلـه يـسـمــع مـنــك ..
قـلـت لـه : عـلـيــك بـالـدعــاء يـافـهــد فـإن الـلــه قـادر عـلـى كـل شــيء ..
قـال لـي : أبـشــر وأوصـيــك يـا أسـتــاذ أن تـدعــوا لــي ..
فقلت له : أبشر ..
قـال لـي : إذا مـاعـفــوا عـنــي وأصـروا عـلــى تـنـفـيـذ الـحـكــم ؟
قـلـت لـه مـبـتـسـمــا : سـيـأتـيـك أجـلــك الـذي كـتـبــه الـلــه عـلــى عـبــاده وهـذا سـيــكــون لـك تـكـفـيــرا لـلـذنـب وتـطـهـيــرا لـمــا عـمـلـتــه ..
وعـنــد سـمــاعـي بـخـبـر الـعـفــو سـقـطـت مـنــي دمـعـتـيـن ..!!
دمـعـة عـلـى أن الـلــه كـتـب حـيــاة جـديـدة لـلــشــاب فـهــد .. !!
ودمـعـة عـلـى فـراق أسـرة الـقـاضـي لأبـنــهــم مـنذر (يـرحـمـه الـلــه)
وصـلـى الـلــه وسـلــم عـلـى سـيـدنـا مـحـمــد ..
أبو مروان
12/3/1425 للهجرة