عرض مشاركة واحدة
قديم 20-05-2004, 06:51 AM   #1
العاصف
عضو نشط


الصورة الرمزية العاصف
العاصف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3612
 تاريخ التسجيل :  02 2003
 أخر زيارة : 06-03-2005 (03:20 PM)
 المشاركات : 118 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
تعقيبا لورقة الأخت بحر الغموض في لغة الحوار



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

يعبر الحوار في أي مجتمع من المجتمعات، بالضرورة عن وجود خلل واضطراب في بنيته العامة، في آليات عمله ومفاصله المختلفة... لذلك يكون الحوار المسؤول الحل الأمثل والشامل للخروج من الواقع المأزوم والعقد التي يرزح تحتها أبناء المجتمع، بهدف بناء حالة مجتمعية إنسانية تؤسس لقيم العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والمبادى‏ء الإنسانية الأخرى... إن قضية الحوار والحرية الفكرية والاستقلال المعرفي هي التي يمكن أن تعطي الوعد الحقيقي، والأمل المشرق في الخروج من الأزمة العامة، والتحديات المصيرية التي شهدتها ولا تزال تشهدها وتمر بها أمتنا العربية الإسلامية، بعد سنين من غلبة الطابع الاستبدادي الفرعوني، في الممارسة السياسية والفكرية والاجتماعية، وعدم فتح المجال أمام الجميع (من مفكرين ونخب واعية وجماهير شعبية) في المشاركة الفعلية المنتجة في اتخاذ خطوات فاعلة في عملية النهوض وصنع القرارات المصيرية وتحمل عواقبها ونتائجها...
لذلك نجد من الضروري أن تتشارك القوى والتيارات الفكرية والسياسية، العاملة على أرض الوطن العربي والإسلامي، في عملية صنع جدية ومسؤولة للحوار الذي يشكل البديل العقلاني والطبيعي لمنطق التفرقة وعلاقات التشرذم والتنابذ والنفي بينها... هذا المنطق الذي أفرز، على صعيد الممارسة العملية، مزيداً من الانهيارات والتراجعات والقبول بالهزيمة النفسية والسياسية والانسحاق تحت وطأة الآخر (الغربي الصهيوني) ... الأمر الذي قاد إلى التحكم المباشر وغير المباشر بمقدراتنا، وضياع العنفوان السياسي، والدخول في إطار وآلية التفاوض السلمي المزعوم مع الكيان الصهيوني على حساب القضية والشعب... إن اعتماد الحوار وسيلة لمواجهة أزمات التراجع والتفكك والانهيار في دوائر هذه الأمة، هو الوسيلة الوحيدة لاستحضار العقل الذي جرى ويجري تغييبه من مجال الفعل والخلق والإبداع والتنظيم الذي يتطلبه مشروع النهوض(1)...
... هنا مساهمة فكرية تحاول أن تلقي بعض الضوء على طبيعة الحوار في الوعي الثقافي الإسلامي المبني على قاعدة الاعتراف بالآخر والإيمان بوجوده... والدخول معه في حوار علمي وموضوعي يهدف إلى تعميق نقاط اللقاء، ومحاولة البحث الجدي عن أفضل الوسائل لإيضاح ومناقشة نقاط الخلاف من أجل الوصول إلى مناخ تحاوري فعال بين كل قوى وتيارات الأمة في سبيل إنجاز النهوض المجتمعي العربي والإسلامي... لأن مشروع النهوض والتحرر السياسي والاجتماعي والثقافي من التبعية الكاملة للآخر، لا بد أن يتحرك في الأجواء الإيجابية للحوار الذي تلتقي على ضرورته كل تلك الفئات والقوى... لذلك إننا نعتقد بوجوب أن تبدأ كل هذه التيارات بالتأسيس الجدي للحوار وسياقاته المختلفة، وتقدم تصوراتها في هذا المجال...
أولاً: الحوار الموضوعي في القرآن الكريم
يشكل القرآن الكريم منبعاً أساسياً للمعرفة الثقافية والفكرية الإسلامية، ويعتبر منطلقاً داعماً لحركية الفعل الاجتهادي الذي يمارسه المفكرون والعلماء فيما يتصل باستمرارية الهوية الثقافية، والانتماء العقيدي ببعديه الروحي والمفاهيمي، على أساس ارتباط أي تحرك إنساني في الحياة بنوعية الهدف الأسمى والمثل الأعلى الذي يسعى إليه في حركية متصاعدة وكدح مستمر ومتواصل، ووجوب توكيد أصالة هذا النمط السلوكي المتحرك سياسياً واجتماعياً وفكرياً... كونه يرتبط بالعمل والتغيرات والبناء والعلم المثمر في حركة الحياة والمجتمع... على هذا الأساس جاءت الدعوة الحوارية في القرآن الكريم بهدف تعميق مساحات الحركة الفكرية الفاعلة في خط اللقاء المثمر، كوسيلة عملية تحشد طاقات الأمة، وترص صفوفها في عملية المواجهة والانطلاق... لذلك عمد القرآن الكريم إلى وضع منهجية )وآلية( متطورة للحوار العلمي الموضوعي نلحظها من خلال تبصرنا ببعض الآيات:
1- (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين...) (سبأ: 24).
تتأسس كل مناهج الحوار العلمية الموجودة في العالم على اعتبار: أن رأيي صواب قد يحتمل الخطأ ورأي محاوري الآخر خطأ لكنه يحتمل الصواب... أما القرآن الكريم، كما يتضح من خلال الآية السابقة، فقد أشار إلى أن الحوار يقوم على أساس وجود (الفكر) أو "القيمة المبدأ" فهي التي تحكم صوابية أو خطأ الأطراف المتحاورة...
من هنا نبه القرآن إلى أهمية الابتعاد عن الجانب الذاتي في عملية الحوار وتغليب الجانب الموضوعي المبني على ركيزة فكرية هادفة على الجانب الشخصي العاطفي، فليست المسألة هنا رأياً شخصياً لهذا الطرف أو ذلك، بل المسألة أن هناك فكرة واعية ومنفتحة قد أكون على هدى ورشد فكري شامل ومنظم، إذا ما اقتنعت بها وجعلتها محوراً لحركتي في الحياة... إن القضية هي الموضوعية التي يخرج فيها الإنسان عن ذاتيته وتبقى الفكرة ويبقى الإنسان مجرد شخص يلاحق الفكرة ليصل بها إلى نهاياتها السعيدة.
2- (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون) (آل عمران: 66) فإنه يؤكد على الدعوة إلى المنهج الإسلامي الحواري الذي ينفتح على الحياة كلها والإنسان كله، وعلى سلوك طريق البحث الدقيق والحوار الموصل إلى الحقيقة... فنحن نريد أن نلتقي بالحقيقة بشرط أن نمتلك الوسائل والآليات الفاعلة التي تجعلنا على علم بها، وتواصل مع أفقها المتحرك... ولا سبيل إلى ذلك إلا بالحوار الهادى‏ء والصادق الذي ينفتح على الآخر من موقع التجرد عن معطياته الشخصانية، وتقديم براهينه الواضحة، تماماً كما يقدم محاوره الثاني براهينه ودلالاته وينفتح عليه من نفس الموقع...
إن الإسلام الذي اعتبر في كل تشريعاته وتنظيماته ومواقفه الفكرية، الإنسانية أساساً لدراسة كل مشاكله ونزعاته ومواقفه، هو إنساني في طروحاته في الوسيلة والغاية، لذلك كان من الطبيعي أن يهيى‏ء هذا الدين الأجواء الحوارية بما يتناسب مع أساس وجود هذا الإنسان وعمق فطرته، من خلال وضع شروط ومناخات حركة الحوار في بعده النفسي والسلوكي من أجل تحقيق الهدف الإنساني العادل الذي يلتقي (مع مصلحة الإنسان) بعيداً عن كل حالات الاستضعاف والعبودية... فيما يعقّد عملية الحوار ويجمّد حركة الموضوعية والعلمية في داخله...
لذلك كان لا بد من توافر الحجج الداعمة لعملية الحوار في مستوياته المختلفة، لأنه إذا كان هدف الجميع كما ذكرنا هو الوصول إلى الحقيقة والاقتناع بها، فيجب أن ترتكز هذه القناعة في العمق الفكري والنفسي على الحجة القوية والبرهان الساطع في إطار ممارسة سلوكية الحوار العميق والمنفتح في كل ما يتعلق بحركة الإنسان في الحياة والعقيدة والتشريعات، وقضايا الحساب والمسؤولية... هذا وقد وردت كلمة الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:
1- (... فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً) (الكهف: 34).
2- (... قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً...) (الكهف: 37).
3- (قد سمع اللَّه قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللَّه واللَّه يسمع تحاوركما إن اللَّه سميع بصير) (المجادلة: 1).
أما كلمة الجدل والجدال فقد وردت الإشارة إليها في آيات كثيرة، وصلت إلى سبع وعشرين آية تتصل بقضايا الإنسان الخاصة والعامة، انطلاقاً من شؤونه الحياتية الداخلية الفردية إلى مختلف مواقعه الاجتماعية الأخرى في خط العقيدة والحياة... كما في قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) (الأنفال: 6 5).
حيث نجد كيف سلك بعض المؤمنين طريق الجدل السلبي كوسيلة للهروب من مواجهة الواقع بكل معطياته وأبعاده الحقيقية، ومحاولتهم التنصل من مسؤولياتهم في الخروج للحرب، والدعوة مع النبي (ص) مقدمين الحجج والذرائع المختلفة، ودخولهم مع الرسول في عملية جدل مغلقة، بحيث أنهم لم ينفتحوا من خلال عملية الحوار على عمق المسؤولية العملية تجاه قضايا الإيمان والحق والدعوة.
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس