20-05-2004, 06:56 AM
|
#2
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 3612
|
تاريخ التسجيل : 02 2003
|
أخر زيارة : 06-03-2005 (03:20 PM)
|
المشاركات :
118 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ولو تمعنا جيداً في فهم سبب وجود هذا الفارق الكمي بين عدد الآيات التي ذكرت كلمة الحوار والأخرى التي أوردت كلمة الجدل أو الجدال... لرأينا أنه يكمن في نفسية الإنسان وطبيعة كينونة فطرته الداخلية، باعتبار أن صفة الجدل من الصفات الملازمة للسلوكية النفسية لأي إنسان، ومن طبائع خلقه، وحركة تكوينه...
(وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً) (الكهف: 54).
حيث توحي هذه الآية الكريمة بأن الإنسان قد فطر على الجدل، وعلى ممارسة الأوضاع والأحداث بنوع من القلق الفكري، والعقلية الباحثة عن كل ما هو موجود، حقاً كان أم باطلاً... خيراً كان أم شراً... وإننا نعتقد أن الجدل الإنساني، كصفة ملازمة لطبعه، هي حالة فضولية واستثارة عقلية، وحاجة فكرية ومعرفية من أجل تصاعد وتضخم المواقع الحياتية المختلفة، على أساس ارتباطها بأكثر المفاصل والأدوار العملية التي يمارسها الإنسان في الحياة... أما كلمة الحوار فهي ذات مضامين معرفية ومدلولات واسعة... صحيح أن كلمة الجدل تنطوي على مفاهيم الأخذ والرد الذي يتحول بموجبه الحوار إلى مجرد جدل عقيم سلبي تكمن الغاية منه في ممارسة ذات الجدل فحسب، دون وجود أهداف حقيقية، لأن المسألة المتحركة في هذا الاتجاه، قد تتحول عند بعض المتجادلين إلى لقلقة فكرية دون محاولة الدخول إلى صلب القناعة الراسخة أو الحقيقة الهادئة... لكن يبقى الجدل متصلاً بأصل وجودنا كأناس نحاول أن نترقب حركة الأحداث، ونفسرها وفق مجريات وقائعنا وتصوراتنا عن أمور الحياة والوجود بما يتصل مع حركتنا اليومية...
إلى ذلك يجب أن نلفت النظر إلى ضرورة استبعاد فكرة الجدال السلبي كونها تقترب في الوعي الإسلامي من العبثية والعناد.
حيث يصبح الإنسان من خلال ذلك مجرد لاعب أو متلاعب بألفاظ معينة تدخله في اعتبار الجدل فناً بحد ذاته، الأمر الذي يؤدي به إلى الانحراف عن المسيرة التي تقوده إلى الحقيقة، حيث تتشوه كياناته ومعالمه الفكرية ويضيع الوقت هدراً، وينتهي الهدف بزوال طرقه ومسالكه... علماً أنهما (الجدل والحوار) يتحركان في الأرضية الإسلامية، معرفياً وفكرياً، كأسلوب إنساني يصنع طاقات فكرية حياتية، تؤصل في الإنسان حركيته المنفتحة في خط الإبداع والتطور من خلال لقائه بالآخر وانفتاحه عليه...
وقد يطرح البعض علامات استفهام حول مدى استعداد الإسلام والمسلمين للدخول في حوار ونقاش علمي حتى في المقدسات الفكرية والشعائرية؟!.
إننا نحب أن نقول للجميع إن الإسلام عندما فتح باب الحوار العميق في جميع مشاكل الحياة وتحديات الواقع، كان ينطلق من معرفة شاملة ودقيقة بطبيعة القوة الفكرية التي جاء بها في مستوى التشريع والتنظيم، لذلك سمح في كل أدبياته بالحوار المنفتح حتى في المقدسات، وفي وجود اللَّه تعالى وفي توحيده، في شخصية الرسول (ص)، حتى في طبيعة القرآن الكريم وبنيته اللغوية والمعرفية... وهذا ما نلاحظه في جملة الآيات والبراهين القرآنية التي نعتقد أنها تتجه نحو تأصيل حركة الحوار العقلاني الهادف والمنتج حيث... يحدثنا القرآن في كثير من آياته عن (التشكيكات) والإثارات المعقدة والإهانات والشتائم التي كانت توجه للرسول والرسالة، حتى وصف الرسول بأنه مجنون وساحر وشاعر وكاهن... وفي هذا المجال كما نتصور إفساح للمجال لمواجهة وتحدي هذه الأفكار والدعوة إلى مناقشتها والرد عليها على الرغم من سقوطها علمياً... لأن الإسلام، عموماً، لا يريد للإنسان أن يعيش حالات الخوف على عقائده وأفكاره، أو أن توجد نقاط فراغ (سوداء) في فكره ووعيه... بل يريده أن يفكر بكل حرية، برحابة الحياة والآفاق الواسعة، في نور الشمس وضياء الحياة بعيداً عن الزوايا المظلمة، والضيقة، (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين...) (سبأ: 24).
إن هذه الطريقة الإسلامية في التعامل مع حركة الحوار تمثل عملياً، أعلى درجات الوعي الحضاري، الذي لم تستطع أن ترتقي إليه أية مدرسة من مدارس الفكر الإنساني، فضلاً عن أن توازيه أو تسبقه... لذلك لا مقدسات في الحوار، وليس هناك شخص ممنوع أن تحاوره... إلا إذا كانت المسألة تتصل بمرحلة سياسية تجعل من الحوار أداة من أدوات الصراع السياسي، ولكن في المسألة الفكرية عليك أن تحاور كل الناس وفي كل شيء... وتكون الحجة والبرهان هي الأساس... ونحن نعتبر أن التاريخ الإسلامي في كل تجاربه هو تاريخ في التنوع الثقافي وقد جعل هذا التنوع من الإسلام حضارة ومن المسلم شخصية إنسانية غنية...
إن الإسلام عندما يدعو جميع المفكرين والمثقفين إلى دراسة ومناقشة النظم والقوانين والمعايير الإسلامية في القضايا المفاهيمية التشريعية العامة، بطريقة علمية ويقينية، بعيداً عن الحساسيات السياسية والانفعالات الطارئة وحالة الاستهلاك والترف الفكري... إن معنى ذلك أنه يؤسس للحوار كمنهج شامل ومتكامل، وكبنية فكرية رئيسية في الإسلام...
... ومن هنا نجد أن مسألة أن يكون الإنسان مسلماً منفتحاً على كل مفردات الحياة ويملك وعياً حضارياً في مستوى الوعي الحضاري الإسلامي في دراسة للفكر الإسلامي، هو أن يفهم القانون الناظم، من خلال قدرته على الوصول إلى دائرة العدالة الإنسانية ودراسة قضية الحكم والحاكم وقضية القانون في هذا المجال، فلا يظلم أحد حتى لو كان كافراً، إنها الحرية الإنسانية وعدم استعباد الإنسان للإنسان، لأن العبودية للَّه وحده، لتكون الحرية للإنسان أمام العالم كله...
إن اللَّه تعالى عندما قال في كتابه الكريم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...) (الحجرات: 13).
أراد أن يؤكد على الحوار كخيار وبعد إستراتيجي إسلامي إذا صح التعبير فقال: لتعارفوا، أي لتتحاوروا، وليفهم بعضكم بعضاً في الفكر والعمل من خلال التزام الحوار، من أصغر الدوائر الفكرية والحياتية إلى أكبرها وأعلاها، في مستوى التعارف وبناء أواصر العلائق السياسية والاجتماعية الراسخة بين الشعوب المختلفة الأديان، ومستوى التعارف بين شعوب الأمة الإسلامية الواحدة بمرجعية توحيدية إسلامية واحدة... على أساس أن هذا التعارف هو فعل معرفة وسلوك فكري حضاري متنوع، يقوم على أساس معيار الحقيقة ومقياسها العام كهدف كامل يغني مسيرة الإنسان التاريخية والثقافية والحضارية من خلال عمق انفتاحها على النتاجات والتجارب الحضارية الأخرى.
ثانياً: عناصر وشروط الحوار في الإسلام
تنبع أهمية وجود عناصر وشروط خاصة بالمنهج المتبع في الحوار، وطريقة أدائه من خلال التمهيد للجو الملائم لنمو وإثمار الحوار الناجح، والوصول به إلى مستوى القناعات المنفتحة على بعضها البعض، التي تعمق إيمان الناس، وترسخ معاني الحياة الحرة الكريمة في نفوسهم، وتحدد لهم أطر مسيرتهم وحركتهم ومجالها المسؤول، وتبعدهم عن كل حالات التقوقع والعقم في المسلك العملي في حركة الشكل والمضمون... ويمكننا في هذا الإطار تصنيف الشروط والعناصر الناظمة لحركة الحوار في الوعي الإسلامي المنطلق، من خلال القرآن الكريم، وفق ما يلي:
أولاً: العناصر الذاتية:
تتعلق بالصفات الذاتية الخاصة بالأشخاص المشاركين في عملية الحوار:
أ: شخصية المحاور:
يحد الإسلام عمل الشخصية المحاورة ومناخها الطبيعي في آلية الحوار، من خلال توافر شروط حرية الحركة الفكرية والاستقلالية المعرفية، من أجل ضمان وسلامة حركة الحوار، وربط المقدمات بنتائجها التي تبرز وتنطلق من خلال إيمان الجميع بضرورة الوصول إلى نتائج حاسمة في هذا المجال لذلك يجب على هذا الطرف الأساسي، في عملية الحوار، أن يكون بعيداً عن كل أساليب القمع والإرهاب الفكري والنفسي التي ستؤثر سلباً على عدالة الحوار والنتائج الإيجابية والحقيقية المطلوب تحقيقها في هذا السياق، وربما نجد أن قضية الثقة بالنفس في الفكر والمعرفة وقابلية المحاور العادل تشكل أيضاً قاعدة متينة لاستنهاض العمل الحواري، وتحقيق نتائج ملموسة فاعلة... لذلك إن اتصاف الشخصية المحاورة بالواقعية الفكرية تلزم الأطراف كافة، بضرورة ملاحقة الفكرة والحقيقة وتجعلهم بمنأى عن الارتهان الشخصي والسقوط النفسي تحت وطأة وجود الأفكار الجاهزة والمصنوعة...
ب: شخصية الطرف الآخر للحوار:
طالما أن الحوار هو منهج الاعتراف بوجود الآخر، والقبول به في واقع الفكر والممارسة، إذن لا بد من تهيئة التربة والمرتع الخصب الملائم لنمو الحوار الهادف، لجهة بناء الثقة المتبادلة بين طرفي الحوار، ومحاولة إيجاد قواعد نفسية قوية للمتحاورين... ويجب على الإنسان الذي يدخل في حوار مع الآخر، أن يعد جوه النفسي الداخلي للاقتناع بالنتائج الحاسمة التي يقود إليها الحوار، وإلا انقلب (الحوار) إلى جدل عقيم لا يراد منه إلا تسجيل المزيد من مواقف عرض العضلات الكلامية، والمزايدات الجدلية التي لا تقدم ولا تؤخر في الموضوع... بل قد تقود الحوار إلى طروحات ضبابية فارغة، وتضع حواجز نفسية ومادية في مسيرة الحوار... لأنني عندما أدخل معك في حوار ما، وأنا أؤمن مسبقاً بصحة فكرتي وعدم مقاربتها للخطأ، إن معنى ذلك أن قدسية الفكرة في نفسي ستلغي الحوار من أساسه، وبالتالي ستعمد أنت إلى معاملتي بنفس الأسلوب، وهذا ما سينتج تضخماً غير سليم في الواقع الخلافي، وتفاقماً في المشكلات، وتبايناً واسعاً في وجهات النظر... وبدلاً من أن نتحاور على خمسين بالمئة أو أقل من خلافاتنا سنضطر هذا إن قبلنا للدخول في حوار حول تسعين بالمئة منها... لأن الجو النفسي المعقد الذي خلقته سلوكيتنا المنغلقة وتقديسنا لأفكارنا، هو الذي سيلقي بظلاله السلبية على أجواء ومناخات الحوار كلها... وقد تحدث القرآن الكريم عن هؤلاء في قوله: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم اللَّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) (البقرة: 6-7).
لذلك، إن مسألة أن تحاور بعمق وبوعي منفتح على الحياة كلها والإنسان كله تعني أن تفتح عقلك وقلبك لنور الحقائق والأهداف العالية والطموحة، فلا يكفي أن أحاورك لذات الحوار، بل يجب أن أستمع إليك وأنصت لطروحاتك ومشكلاتك، بكل رحابة صدر وروح مسؤولية واعية... إنني عندما أغلق قلبي وعقلي عن تقبل دعوتك وفكرك للحوار معك، هذا يعني أنني ضعيف الثقة بفكرتي، ومؤمن بعجزها عن الحوار مع فكرتك للوصول إلى الحقيقة والهدف البناء الذي نلتقي فيه على العناصر الإيجابية المشتركة فيما بيننا، ونتحاور في قضايانا التي نختلف فيها...
إن المسؤولية الفكرية والإيمانية تقتضي منا أن نعالج مشكلاتنا وأزماتنا بالحوار، وقبول دعوة الآخر في ظروف مناسبة للخروج من الواقع المأزوم إلى واقع آخر إيجابي ومثمر المنطلقات والأهداف ومما لا شك فيه أن هناك مفكرين في واقعنا المعاصر يعتبرون نماذج حية لأولئك الذين تحدث عنهم القرآن من حيث عدم قدرتهم على مواجهة وقبول الفكر الآخر كطرف أساسي في عملية الحوار، ورجمهم إياه بالصفات السلبية في حركة المفاهيم العامة في العقيدة والحياة...
وهذا ما ينطبق تماماً على معظم التيارات الفكرية العامة على امتداد ساحة الوطن العربي والإسلامي... مما يجعل هذه القضية في تصورنا تعبّر عن حجم المأساة الفكرية العامة، وأزمة الانقسام السياسي والثقافي والمعرفي الحادة التي وصل إليها هذا الواقع نتيجة عدم تحكم الحوار الجاد والفاعل في الحركة الفكرية والثقافية العامة.
ج: وعي المتحاورين وثقافتهم العالية:
يجب أن تمتلك كل أطراف الحوار ثقافة فكرية وسياسية عامة، منفتحة على كل قضايا وشؤون الإنسان في الحياة، وأن يتزود كل طرف بالمعارف الفكرية متعددة المشارب، كي يكون على صلة بواقع الحوار وبطبيعة اتجاهاته وسياقاته المختلفة، ويتمكن من خلال ذلك من مواصلة واستكمال العمل الحواري بحجة قوية دافعة أمام الأطراف الأخرى، الأمر الذي يعني، بشكل آخر، ضرورة وعي كل سلبيات الحوار التي يمكن أن تظهر أثناء الممارسة، وملاحقتها بالفكرة الإيجابية الصحيحة، التي تعطي الحوار اتزانه الطبيعي، وترجعه إلى مساره الصحيح وخطه العملي الحقيقي في تحقيق الغاية المرجوة منه...
وللحديث بقية إن شاء الله
|
|
|