الموضوع: مللت الحياة ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-03-2016, 09:04 PM   #8
محمد البدراني
عضومجلس إدارة في نفساني
((جينرال الدواسر))


الصورة الرمزية محمد البدراني
محمد البدراني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 42049
 تاريخ التسجيل :  01 2013
 أخر زيارة : 15-06-2025 (11:41 PM)
 المشاركات : 16,462 [ + ]
 التقييم :  169
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkseagreen


اهلا ملك عمر الدنيا ما كانت حلوة بالمقارنة مع لقاء الله الكريم العفو الرحيم

ثانيًا: تمنِّي الموت لمَن وثق بعمله شوقًا إلى لقاء الله - عز وجل -:
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله - في "فتح الباري"(10/133 - 134):
"عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يتمنين...)): إنه إذا حلَّ به - أي الموت - لا يمنع من تمنِّيه رضًا بلقاء الله، ولا من طلبه من الله لذلك وهو كذلك، ولهذه النكتة عقَّب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى))؛ إشارة إلى أن النهي مختص بالحالة التي قبل نزول الموت، فلله دره ما كان أكثر استحضاره وإيثاره للأخفى على الأجلى شحذًا للأذهان.

وقد خَفِي صنيعه هذا على مَن جعل حديث عائشة في الباب "باب تمني المريض الموت" معارضًا لأحاديث الباب، أو ناسخًا لها، وقوَّى ذلك بقول يوسف - عليه السلام -: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، قال ابن التين: "قيل: إن النهي منسوخ بقول يوسف... فذكره، وبقول سليمان: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وبحديث عائشة في الباب، وبدعاء عمر بالموت وغيره.. قال: وليس الأمر كذلك؛ لأن هؤلاء إنما سألوا لما قارب الموت، قلت (أي الحافظ): وقد اختُلف في مراد يوسف - عليه السلام - فقال قتادة: لم يتمنَّ الموتَ أحدٌ إلا يوسف حين تكاملت عليه النعم، وجُمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله؛ (أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه)، وقال غيره: بل مراده: توفني مسلمًا عند حضور أجلي؛ كذا أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك بن مزاحم، وكذلك مراد سليمان - عليه السلام.

وعلى تقدير الحمل على قول قتادة، فهو ليس من شرعنا، وإنما يُؤخَذ بشرع مَن قبلنا ما لم يَرِدْ في شرعنا النهي عنه بالاتفاق، وقد استشكل الإذن في ذلك عند نزول الموت؛ لأن نزول الموت لا يتحقق، فكم من انتهى إلى غاية جَرَت العادة بموت مَن يصل إليها ثم عاش.

والجواب:
أنه يحتمل أن يكون المراد أن العبد يكون حاله في ذلك الوقت حال مَن يتمنى نزوله به ويرضاه أن لو وقع به، والمعنى: أن يطمئن قلبه إلى ما يرد عليه من ربه، ويرضى به ولا يقلق، ولو لم يتَّفِق أنه يموت في ذلك المرض"؛ اهـ.

وكان كثير من السلف يتمنَّون الموت شوقًا للقاء الله:
فالموت هو السبيل الموصل للقاء الحبيب بحبيبه:
1- ففي "حلية الأولياء" (10/9) عن حبان بن الأسود قال: "الموت خير، يُوصِل الحبيب إلى حبيبه".

2- قال حذيفة - رضي الله عنه - لما حضرته الوفاة: "حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح مَن ندم، اللهم إن كنت تعلم أن الفقر أحب إليَّ من الغنى، والسقم أحب إليَّ من الصحة، والموت أحب إليَّ من العيش، فسهِّل عليَّ الموت حتى ألقاك"؛ (الثبات عند الممات لابن الجوزي ص 122).

3- وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: "أُحِب الفقر تواضعًا لربي، وأحب الموت اشتياقًا لربي، وأحب المرض تكفيرًا لخطيئتي"؛ (شرح الصدور ص 15).

4- وقال عنبسة الخولاني: "كان مَن قبلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد".

5- وقال بعضهم: "طال شوقي إليك؛ فعجِّل قدومي عليك".

6- وقال بعضهم: "لا تطيب نفسي بالموت إلا إذا ذكرت لقاء الله - عز وجل - فإنني حينئذٍ أشتاق إلى الموت كشوق الظمآن الشديد ظمؤه في اليوم الحار الشديد حرُّه إلى الماء البارد الشديد برده".

وفي هذا يقول بعضهم:
أشتاقُ إليكَ يا قريبًا نائي
شوقَ ظامٍ إلى زلالِ الماء

وقد دلَّ على جواز ذلك قولُ الله - عز وجل -: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 94]، وقوله - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الجمعة: 6]؛ فدلَّ ذلك على أن أولياء الله لا يَكرَهُون الموت بل يتمنونه، ثم أخبر أنهم: ﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الجمعة: 7]؛ فدلَّ على أنه إنما يكره الموت مَن له ذنوب يخاف القدوم عليها.


 

رد مع اقتباس