"كيف تصنع شخصاً لطيفاً" ، الآثار المستمرة للتعلق المشوب بالقلق.
كيف بدأ الأمر:
بدأ الأمر كله عندما كنت طفلاً،
بخسارة أساسية تعرضوا لها في بداية طفولتهم،
ومن هذه الخسارة ينبع القلق والخوف اللذان يحركان سلوك الشخص اللطيف.
نبذة عن التعلق الآمن:
التعلق الأمن هو الأساس العاطفي لنفسية هادئة واثقة بنفسها لدى كل من الطفل في طور النمو وكذلك الشخص الناضج، ولكي يتطور هذا التعلق الآمن لا بد أن يصدق الطفل أن أمه ستكون:
• موجودة معه عندما يريدها أو يحتاج إليها.
• قادرة على تلبية احتياجات الطفل ومستعدة لذلك.
• مقدمة للحب بكل حماس وباستمرار ذون رفض أو سحب.
• محبة وعطوفة ومنسجمة مع الطفل لا فضولية ولا متطلبة.
• قادرة على التعامل مع بعض السلوكيات الطبيعية للطفل مثل العدوانية والرفض وتستطيع احتوائها دون سحب حبها أو الثأر لنفسها.
وإذا عجزت الأم عن القيام بهذه الأمور يصبح الطفل متوتراً وقلقاً خشية أن يتهدد ارتباطه المهم بأمه بأشياء غريزية في نفس كل طفل مثل الاحتياج والغضب والعدوانية، ومن ثم يرغب في الانفصال عنها، وإذا لم تتحسن الأمور يصبح هذا التوتر راسخاً في جسم الطفل ونفسيته.
التعلق المشوب بالقلق:
ونتيجة الأسباب السابق ذكرها تظهر الشخصية المتعلقة القلوقة، وفئة الأطفال هؤلاء غير مستعدين ولا قادرين عن الكف عن السعي وراء الحب والارتباط اللذي هم في حاجة ماسة إليهما، وغالباً ما تصبح لديهم سلوكيات قهرية ووساوس، ومن الممكن أن يكون الطفل شديد الحساسية أو مفتقراً للثقة بالنفس وقد يظهر تعلقاً بطقوس صغيرة معينة.
التعلق المتحاشي:
نتيجة لإهمال عاطفي مزمن يؤدي إلى رفض الطفل كل فرص التواصل والرعاية من جانب أحد الوالدين. ورغم احتياجه للثقة والتشجيع فإنه يتظاهر بعدم الاحتياج، وعندما يكبرون يقللون من أهمية العلاقات الوثيقة مع الآخرين.التعلق
التعلق المرتبك:
عندما يتعرض للتخويف والترويع على يد أحد الوالدين، ويصبح لديهم تناقض يتمثل في رغبتهم الحصول على التهدئة من الوالد نفسه الذي يروعهم، ونظراً لحاجتهم الشديدة لهذا التعلق يصبحون ممزقين داخلياً، ويكظمون غضبهم وخوفهم.
التعلق الآمن
يتحمس الوالد لتلبية احتياجات الطفل باستمرار ويحتوي سلوكه العدواني
النتيجة عند الطفولة: الطفل هادئ، وواثق بنفسه، ومرن ويمكن تهدئته عندما يغضب.
النتيجة عند النضوج: شخص بالغ متوافق عاطفياً بشكل رائع، قادر على الارتباط والفراق.
التعلق المشوب بالقلق
لا يستجيب الوالد لاحتياجات الطفل ، ووجوده في حياته غير متوقع أو فوضوي
النتيجة عند الطفولة: الطفل متعلق ومتملق
النتيجة عند النضوج: شخص بالغ القلق، ومتلهف للآخرين، يهتم كثيراً بآرائهم، منشغل بفكرة النشوة العاطفية.
التعلق المتحاشي/ المرتبك
يرفض الوالد الاستجابة لاحتياجات الطفل، ولا يعطف عليه، وقد يكون متسلطاً أو مخيفاً
النتيجة عند الطفولة: الطفل غاضب، عنيد، منطو، أو مشتت أو مقهور
النتيجة عند النضوج: شخص بالغ ضحل عاطفياً، رافض للعلاقات، أو يميل إلى الانفصال وتنتابه مشاعر قوية بشكل متكرر
الأشخاص اللطفاء أشخاص قلقون:
سواء أدرك الشخص اللطيف ذلك أم لا فهو شخص قلق، وهذا القلق يتحكم بحياته، ويتراوح مستوى القلق بين الانزعاج الغامض إلى الذعر المستمر الذي يستدعي التدخل الطبي.
المشكلة في موضوع قلق الشخص للطيف أنه يعتبر أن هذا الشعور عارض، فهو يظن دائماً أنه يوجد أمر ما في حياته يقلل من شعوره بالأمان، مثل صعوبات مالية أو مهنية أو اجتماعية أو طارئة، وعقول هؤلاء الأشخاص قادرة على تحديد بعض الأمور أو كثير من الأمور التي تجعلهم يشعرون بالقلق.
إنها لفكرة مزعجة أن تعلم أن توترك ينبع باستمرار من داخلك دون داع لذلك فلا أحد يريد أن يصدق أنه مضطرب داخلياً، وتقوم استراتيجيات هؤلاء على أن هناك شيئاً ما - أو شخص ما على وجه الخصوص - سيمنحهم ما يحتاجون إليه.
ولذلك فإن جزءاً من عملية التحول هي إدراكه أن الألم الذي يشعر به سببه داخلي وليس خارجياً، يجب أن يعترف الشخص المتحول بوجود خطأ وبوجود مشكلة تجعله غريباً عن نفسه، وبالنسبة للشخص اللطيف فإن هذا النوع من التفكير أو "الجرد الذاتي" أمراً مستحيلاً فقد قشى عمره في الانشغال بما يفكر فيه ويريده الآخرون، وفي الأمور التي تجعلهم محبوبين أو غير مرفوضين، فتركيزهم على الاخرين دائما يكون متمحوراً حول أنفسهم، فهم يقلقون بشأن وجهة نظر الآخرين عنهم أو يشعرون بالذنب تجاه كل شيء.
هذا النوع من التفكير ليس تأملياً ولا يمكن أن يؤدي إلى الفهم والنضج، التوتر بالنسبة للشخص اللطيف هو حالة تدفق لأفكار قلقة لا تقوده إلى شيء، في الواقع،، يحتاج الشخص اللطيف إلى اكتساب القدرة على تحمل المشاعر الشديدة كي يتمكن من المصارحة النفسية مع ذاته.
• يعتقد الطفل المصاب بالتعلق المشوب بالقلق أن حب الأم أمر هش وغير مؤكد.
• الأطفال المصابون بالتعلق المشوب بالقلق لديهم حساسية شديدة تجاه رفض الآخرين لهم ويتوقون إلى أقل قدر من العطف.
التعلق المشوب بالقلق في مرحلة الرشد:
عندما يصل الشخص لمرحلة الرشد ستكون أمور كثيرة في نفسيته قد أصبحت راسخة تماماً مثل العظمة المكسورة التي لا مفرمن التحام أجزائها بطريقة أو بأخرى.
سمات هذه الشخصية يمكن أن تكون معقدة ومتنوعة، كأن تكون شخصية مسلية أو مفيدة أو ساخرة، ومن وقت لآخر يتعاملون مع كل أزمة حسب الشخصية المختلفة وتستخدم المشاعر المرتبطة بهذه الأزمة كغطاء للضيق الذي بداخلهم، أما في أعماقهم فإنهم يعانون سراً دفيناً واعتقاداً ثابتاً أن بهم أمراً خاطئاً ومشيناً.
وهكذا يسعون إلى الظهور أمام العالم بوجه يعتقدون أنه سيكون أكثر قبولاً، وهذا الوجه هو شخصية الشخص اللطيف.
الحياة الداخلية للشخص اللطيف:
نظراً لأن الشخص اللطيف يراوده شعور خادع بالذنب ويعاني باستمرار الاشتياق المشوب بالقلق فإنه يظل منشغلاً بالحالة النفسية للأشخاص المحيطين به دون أن يدرك عادةً قيامه بذلك، ويعد هذا الانشغال أمراً مرهقاً، لكن الهوس بما يفكر فيه الآخرون وشعورهم تجاهه ليس اختياره، فهو لا يستطيع منع نفسه من ذلك.
كما هي الحال مع كل حالات القلق، فإن هذه الأفكار والمشاعر والتصورات تكون قهرية، وتراودهم دون استئذانن والأهم من ذلك أنها تحدث دون إدراك منهم لها.
بالنسبة للشخص اللطيف تعد العلاقات الإنسانية ساحة قتال للعواطف المتصارعة، لا سيما العلاقات الرومانسية، وما يصاحب ذلك من ماشعر قوية تعوق القدرة على التفكير والتأمل.
لقد تعلم الأشخاص اللطفاء أن يتغلبوا على صعبوات الحياة من خلال "الانتباه" إلى الحالة المزاجية للآخرين، وكثير منهم يتمتع بمهارات في هذا الصدد، لكن المفارقة أن نجاحهم في ذلك بسبب تجاهلهم لأنفسهم.
الذنب:
نظراً لأن التعلق المفرط في القلق بدأ في مرحلة مبكرة فنادراً ما يشعر اللطفاء بالاسترخاء والهدوءن فحالتهم العاطفية الأساسية مضبوطة على حالة الإثارة القصوى، وغالباً ما تظهر أعراض القلق في صورة مشاعر قد لا تعبر عن القلق، ومن هذه المشاعر (شعور الشخص بالذنب عندما لا يكون الشعور بالذنب هو رد الفعل المناسب)،
فالشخص اللطيف دائماً يشعر بالذنب تجاه علاقاته بالآخرين وعلاقته بزوجته والعمل وتربية الأبناء والعبادات والصحة والفراغ،، إلخ..، وشعوره الدائم بالذنب يظهر في صورتين محددتنين:
1. موقف الاعتذار: يشعر بالأسى والخجل من أي موقف وتعود على قول "أنا آسف" في أي وقت يظهر بادرة جدال أو صراع، وإن لم يعبر عن أسفه يظل جسده يكشف توتره.
2. موقف الدفاع: هنا يكون الدفاع عن النفس هو رد الفعل الاستباقي عند شعوره بالذنب، ويلجأ لهذا الأسلوب لأنه يجد صعوبة في الاعتراف بالخطأ، فضلاً عن كونه حساساً تجاه أي تلميح بالانتقاد، وفي الوقت نفسه ينكر شعوره بالغضب أو الضيق.
قلة التقدير الذاتي:
عادة يشعر الشخص اللطيف بعدم الاستحقاق ويخشى من كونه فاقد الكفاءة وهذا يدفعه إلى التأكيد على قيمته وكفاءته مراراً وتكراراًن ورغم أنه قد يكون كفؤاً اجتماعياً ومهنياً، فإنه يشعر باستمرار بفقدان الثقة بالنفس، وشعوره بالسعادة عابر ولحظي، ولا يعرف كيف يشعر بالارتياح في هذا العالم.
الأمر المثير للدهشة أن "التقدير الذاتي" يعد مسمى خاطئاً، لأن قلة الثقة بالنفس التي يشعر بها الشخص اللطيف تبدو كأنها نابعة من إحساسة بقيمة ذاته، أما في الحقيقة، فهو لا يعلم رأيه بنفسه ولا يهتم به، فهذا موضوع لا يشغل باله، لأنه مشغول بطريقة تقدير الآخرين له، لأنه خائف من رفض الآخرين أو هجرهم له.
لهذا السبب لا يعلم هذا الشخص جوهره الحقيقي ولا المرحلة التي يعيش فيها، لإن إحساسه بذاته شعور غامض بالنسبة له.
وأحياناً يسعى لإخفاء مخاوفه فينتهي حاله بالظهور بحالة مناقضة لشعوره، ولذلك كثيراً ما يعد الآخرون الشخص اللطيف شخصاً شديد الثقة بالنفس أو مغروراً.
اضطرابات العلاقات:
ينشط القلق لدى الشخص اللطيف خاصة بسبب محاولاته العاطفية، فالأشخاص الطبيعيين يحتاجون إلى الشعور بالانتماء إلى الأوساط الاجتماعية مثل العائلة أو العشيرة أو المجتمع، ونظراً لافتقار اللطفاء للإحساس بالانتماء، فإنهم لا يشعرون بالأمان في حال انتمائهم لهذه الأوساط، رغم أنهم موضع ترحيب.
وللتعويض فإنهم يبالغون في الاهتمام بعلاقات عاطفية تستنزفهم للغاية، ويهملون علاقاتهم بالأشخاص الأسوياء المنتمين لنفس الجنس.
فوائد من كونك شخص لطيف:
علاقات الأشخاص اللطفاء ليست كارثية دائماً، فاستراتيجيات التكيف الخاصة بهم لها عدة فوائد: فهم يتسمون بالصبر واللطف، والعطف، والتفهم، وغيرهما من الصفات التي تغذي الألفة، وعندما ينتهي التعلق المرضي ستصبح هذه السمات قيمة للغاية مع دمجها بالاستقلالية والقوة.
اكتشاف روح المحارب داخل الشخص:
الأشخاص اللطفاء دائماً يستنزفون طاقتهم وقوتهم باستمرار من خلال العذاب العاطفي، وعلى عكس مظهرهم فهم ليسوا مفتقدين القوة والشجاعة والمثابرة، ولكن الصفات الرائعة تضيع وسط قلوبهم القلقة.
الشخص القوي الجسور يوجد بداخلك تماما مثلما يوجد الشخص الهادي اللماح العطوف.
قد يكون من الصعب على اللطفاء الذين عاشوا خائفين طيلة حياتهم أن يعتقدوا أن بإمكانهم في يوم من الأيام الشعور بالاسترخاء والرضا، والتصرف بقوة وثقة في كل علاقاتهم وحياتهم، وبالرغم، فإن هذا التحول ممكن.
لبدء هذا التحول يجب أن يدرك الشخص اللطيف مفهوماً اساسياً وهو أن:
التعرف على المشكلة مفتاح ضروري لتحرير الشخصية الحقيقية المسجونة داخله.
وهذا المسعى لا يهدف إلى تغيير طبيعة الشخص، بل إلى اكتشاف الشخص الحقيقي الكامن بداخله وتحريره للانطلاق.