الموضوع: رد لدمعة الجرح
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-10-2004, 04:40 AM   #2
dr.kh
عضو جديد


الصورة الرمزية dr.kh
dr.kh غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7077
 تاريخ التسجيل :  09 2004
 أخر زيارة : 03-10-2004 (12:45 PM)
 المشاركات : 3 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد اخر لدمعة الجرح



لا أظن أن أحدًا ينكر اليوم - ولا حتى بينه وبين نفسه - أننا نعاني من فقر مدقع في الحب، بل وفي قدرتنا على أن نصنعه، أو نعيشه، أو نَهَبَهُ للآخرين، ويتجلى ذلك في قسوة عامة يبديها البعض، وشكوى دائمة يعيشها البعض الآخر!!، فالحب في بلادنا كان ومازال الحديث فيه عارًا وعيبًا وحرامًا؛ لأننا مازلنا نراوح بين الانغماس في معان جنسية هابطة أو الارتفاع إلى أحاسيس مبالغ فيها من العفة الرهبانية .

لقد جعلت هذه القناعات معاناتنا الإنسانية مزدوجة، خاصة ونحن نُحْدِث من حيث ندري أو لا ندري شقاقًا فجًّا بين الأصول الحضارية الثقافية التي ننتمي إليها وبين الواقع الكريه الذي نحياه فيم يتعلق بهذه القضية، فالفكرة الرئيسية التي تحكم منطق التميز الحضاري الإسلامي وفي مجال السلوك الإنساني على وجه التخصيص كانت التوازن الذي يريده التوجه التربوي الإسلامي للفرد، التوازن بين الروح والجسد، التوازن بين الدين والدنيا، التوازن بين تلبية حاجات النفس وحاجات العقل وحاجات الجسم وحاجات الروح، التوازن بين إشباع الحاجة إلى الآخر المادية منها والمعنوية وبين أن يملأ عليك هذا الآخر حياتك، التوازن بين أن تستطيع أن تحيا مع هذا الآخر حياتك وأن تنعم معه في ذات الوقت بالحرية والسلام النفسي والأمن والاستقرار، التوازن بين هذا الشعور المتدفق أزاهير وعنبرًا يدغدغ قلبك بالفرحة والأمل، وذلك الشعور الصعب بالصبر والاحتساب وأنت ترعى آمال هذا الآخر أو تشاركه آلامه، التوازن بين تمتعك بوجوده شابًّا وصحبتك لرفقته شيخًا، التوازن بين الرضى به والنشوة والسعادة التي يمكن أن تشعر بها لمجرد رؤيتك إياه أو جلوسه معك .

إننا نعاني من فقر مدقع في فهمنا للحب وفي قناعاتنا التي كوَّناها عن معانيه، وفي القدرة على استيعابه دافعًا ومحركًا في وجودنا، كما نعاني عجزًا مخزيًا في مفهومنا لعلاقة المرأة بالرجل، وبالتالي نمو وترعرع الحب بينهما دائمًا في إطار الشرعية الدينية والإنسانية، ولعلنا ونحن أمة " سورة يوسف" نُصاب بالعَجَب العجاب عندما نرُدُّ واقعنا إلى فهم قصة سيدنا يوسف عليه السلام على الوجه الذي يجب أن تفهم فيه دون شطط ودون اقتصاد في استيعاب أبعاد العلاقات الإنسانية، ودون أن نتكئ على المجموعة الهائلة من العادات القبيحة والمفاهيم الجاهلية القميئة التي ما فتئت تفتك بمجتمعاتنا منذ قرون، لعلنا إذا عدنا إلى تدبر بصير لهذه السورة العظيمة ومعها قصة سيدنا موسى عليه السلام في مواقع متعددة في القرآن لوجدنا العجب العجاب من انكشاف عجزنا الإنساني وفهمنا الحضاري لموضوع الحب الذي يمكن أن نكتب اسمه، ولكن كم هو صعب على الواحد منا أن يتفوه بهذه الكلمة لشدة صدقها حينًا أو بسبب الحرمان الموجع الذي نعانيه من فقدانها في حياتنا أحيانًا كثيرة أخرى .

إذا وضعنا الحب في مكانه الطبيعي من المشاعر الإنسانية العظيمة، لوجدناه من أقوى المحركات الطبيعية في حياة الإنسان، وهو أمر لا نعرف ولا نعترف بقدرته المذهلة في أن يكون فاعلاً في مجالات التربية جميعها، فما أروع أن يكون الحب دافعًا للفعل في حياتنا، وأروع من ذلك أن يكون الحب دافعًا لترك الفعل .. رحم الله "رابعة العدويَّة" صاحبة المقولات الشهيرة في الحب .. ذلك الحب الذي يدفعنا إلى العطاء والنماء والعمل والصمود والأمل . ذلك الحب الذي يقف حائلاً بيننا وبين الانحراف والسقوط والمخالفة والمشاكسة والنشوز والكسل، الحب الذي يحمل المرء على اقتحام كل صعب وتذليل كل عقبة، الحب الذي يحل مكان كلمات مخيفة كالتعنت والتشدد والعقاب والتعذير والتقريع والإرهاب بالصراخ والشتيمة والتهديد بالشكوى للآخرين والطلاق والزواج بإمرة ثانية !!، شتان شتان بين امرأة تقوم بواجباتها حبًّا وعشقًا ومودة .. وبين أخرى تقوم بواجباتها خوفًا وهلعًا ورعبًا، شتان شتان بين رجل يقوم بواجباته حبًّا وعشقًا ورحمة .. وبين آخر يقوم بها بغضًا وكراهية وسخطًا، شتان شتان بين أولاد يطيعون آباءهم طمعًا في حبهم ورضاهم عنهم ويتركون ما يؤذيهم خوفًا من أن تتغير قلوب الآباء عليهم .. وبين أبناء يطيعون الآباء خوف الضرب والإهانة والتشهير والمعاداة والحرمان من الملذات أو من المصروف!!، إن الفرق بين أولئك وهؤلاء هو الفرق بين العجز والقدرة.. هو الفرق بين النور والظلام.. وهو الفرق بين السعادة والشقاء .

من هذا الذي قال بأن العلاقة بين المرأة والرجل في الإسلام أصلها وقوامها عظوهن واهجروهن واضربوهن ؟!، وهل كانت علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بنسائه من ذلك الطراز الذي ورد في القرآن وفقط تشريعًا لحالات طوارئ، اتخذناها دساتير تحكم قلوبنا، وعلاقات النساء بالرجال في مجتمعاتنا المسكينة المسلوبة السكينة والأمن والحب والحياة .

هل تستقيم حياة الإنسان من غير حب ؟!، وهل يعبر الرجل عن كامل رجولته إلا عن طريق الحب ؟!، وهل يمكن للمرأة أن تكون سويَّة وهي تعيش حالة من الازدراء والاحتقار والرفض الدائم لإنسانيتها وأنوثتها ووجودها في إطار الميثاق الغليظ الذي ربط به الشارع العليم ما بين قلبين وجسمين وكيانَيْن ووجودَيْن، ففهمنا طبيعة ذلك الرباط وفقط من خلال قوانين الطوارئ، وألغينا وجود المرأة في الأسرة إلى درجة مخزية أو جعلنا من القوامة سلطة مرضية متسرطنة ترى في كل اعتراض وكلمة وتصرف تهديدًا لسيادتها التي استمدتها أصلاً من فهم أخرق للنصوص القرآنية التي كان الأجدر بنا أن نقف في فهمها على اتباع سنة سيد الخلق أمام المحبة والعدل والرأفة والمودة .

ولعل المرء أن يموت من انعدام الحب في حياته وهو لا يدري!، فالإنسان دون حب حديقة دون ورد ولاعشب ولا ماء، وجفاف هذا النبع من الخير في نفسه يعني هلاكه المحتم الذي يعبر عن نفسه بالأمراض النفسية وحتى الجسدية التي قد لا يجد لها الأطباء سببًا، فإذا غاصوا في الأعماق وجدوا قحطًا وجفافًا وتصحرًا ومواتًا!!؛ لأن الحب عندما يذهب يأخذ معه الفرح والأمل والعطف والمودة والراحة والرضى والحياة .