المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بن مسلم
اعضاء المنتدى الكرام
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
شجعتني صراحة بعضكم على الفضفضة لكم , فهذه قصتي .
ولدت في بيئة صحراوية , ليس في بيوت الشعر بل منزل عادي في قرية صغيرة بسيطة تخلو من مقومات التكنولوجيا , حيث كان اكبر تطور تكنولوجي في نظر اهلها حتى العام الماضي هو تركيب انارة على اعمدة الكهرباء في شوارع القرية و لكن البيئة كلها بقيت صحراوية : جبالها و نباتها و اهلها , و اذهب ايضا في رحلات الى عمق الصحراء احيانا وحيدا و احيانا اخرى مع اصدقاء و لتكتمل الدائرة فأن عملي ايضا في موقع صحراوي و لتصبح الدائرة غاية في الاحكام يبعد موقع العمل عن اقرب قرية 70 كم و اعمل هناك وحيدا لمدة اسبوع و احصل على استراحة لمدة اسبوع اقضيه في الصيد و تسلق الجبال حيث اعمل احيانا كدليل للمتسلقين الاجانب الذين يأتون الى منطقتنا نظرا لاشتهارها بالجبال العالية .
و كما تعلمون البدوي بطبعه كتوم لا يحب الشكوى هذا ان وجد اصلا من يشتكي او يفضفض له , ثمانية اعوام من المعاناة التي يعرفها اصحاب نوبات الهلع جيدا , و لم اكن اعرف انها نوبات هلع حتى فترة قريبة , كانت بدايتها في ليلة هادئة و البدر مكتمل في عمق الصحراء , كنت استعد للنوم , دفعت بدلة القهوة العربية الى عمق الجمر المتبقي من النار كي تبقى ساخنة و استلقيت على فراشي , و فجأة حدثت هزة ارضية مركزها في جوفي انا و ليس في جوف الارض , كل شيء يرتعش , ضيق شديد في النفس و دقات قلبي سريعة جدا , صفير في اذني , برودة في جسدي كله , امور تفوق الوصف و كل هذا خلال دقيقة واحدة و يزداد مع كل لحظة تمر , حاولت الوقوف و لكن الارض دارت بي فجلست بسرعة و انا اردد الشهادتين ,
تناولت قنينة الماء و شربت قليلا و سكبت الباقي على رأسي , جلست في وضع التشهد و طويت يدي على صدري و حنيت ظهري الى الامام و كأني احصر قلبي الذي اشعر انه سيقفز خارجا من صدري , كنت انظر يمينا و شمالا فلا ارى الا ظلال الاشجار و الجبال و ادرك في قرارة نفسي اني لن ارى احدا في هذه اللحظة و في هذه الصحراء , بل اني ادركت اني لن ارى احدا على الاطلاق لاني سأموت في لحظات , و هنا تذكرت ما سيحدث بعد موتي , لن يبقى ذئب و لا ضبع في هذه الصحراء الا و سينهش من جسدي جزءا , و لن يتعرف علي من سيبحث عني الا من يعرف سيارتي او يفتش في اوراقي و لن يبقى لعائلتي ما يواروه الثرى مني الا قليل من العظام , كل هذا و اموري الجسدية تزداد سوءا , و تحت وطأة هذه الافكار زحفت على يدين خائرتين و قدمين مرتجفتين نحو السيارة , وفتحت حنفية في جانبها موصولة في خزان الماء و توضأت ثم صعدت الى السياره و اغلقت الباب و تركت القليل من الزجاج مفتوحا بما يمنع الحيوانات من الدخول , كنت ارتجف بشدة حتى ان السيارة كانت ترتجف معي , صليت بعض الركعات و انا على هذا الوضع , كنت اتساءل ما الذي يحدث معي , طعامي نظيف و طبخته بيدي , لا اشعر بمغص او اعراض تسمم غذائي , سبق و ان عضتني افعى سامة و ايضا لسعتني العقارب عدة مرات , و هناك تشابه في بعض ما احس به الان و ما احسسته سابقا عندما عضتني الافعى و لكني هذه الليلة لم اشعر بأي عضة من اي نوع , هل ما حدث نوع من المس اصابني , ولكني استبعدت هذا الامر فالممسوس لا يعلم انه ممسوس و لا يفكر بذك اصلا , انه الموت ولا شك فهو لا يحتاج الى الاسباب التي فكرت فيها .
بقيت على هذا الحال اكثر من نصف ساعة , اشعر بضعف شديد حتى عن تشغيل السيارة , و لماذا اشغلها و الى اين سأصل قبل ان الفظ انفاسي , و هل ستساعدني عيناي المرتعشتان على التحقق من الطريق ام اني سأتوه في هذه الصحراء المترامية , على الاقل بعض الاصدقاء يعرفون اني احب هذا المكان و سيكون اول وجهة يبحثون فيها عني , بدأت اعزي نفسي بنفسي , سأموت على اية حال حتى لو كان عندي كل خلق الله , و حتى لو كنت في مستشفى محاطا بالاطباء من كل جانب , و في هذه اللحظة تذكرت خطبة للشيخ كشك رحمه الله عن شاه ايران و كيف مات و هو محاط بالاطباء , فاستغفرت الله و رجوت رحمته كنت اضع ابهامي على رقبتي بين الحين و الاخر عسى ان يهدأ النبض و مع مرور الوقت لاحظت ان نبضي بدأ بالهدوء قليلا , و قل شعوري بالبرد و توقف العرق البارد الذي كان على وجهي , فتحت باب السيارة و نزلت , و قدماي لا تقوى على حملي , جلست على فراشي و اشعلت سيجارة و بدأت افكر فيما حصل , لم يطل تفكيري كثيرا , جمعت اثاثي الصحراوي " عزبة البر " و القيت بها في حوض السيارة ليس حبا بها و لكن استجابة لقوانين ثقافة العيب و كي لا اضطر للاجابة على سؤال : ما اللذي جعلك تنسى اغراضك هكذا ؟ هل كنت خائفا من شيء ؟ .
و الحقيقة اني لو سئلت مثل هذه الاسئلة فلن اجيب ليس خجلا من شيء و لكن لان كل لغات الدنيا ستعجز عن وصف ما حدث لي و ما شعرت به هذه الليلة , و لن استطيع ان اعطي من يسألني اجابة مقنعة عن ذلك الا ان يكون الشخص قد عاش نفس التجربة في نفس المكان و نفس الزمان .
عدت الى القرية مع اذان الفجر و صليت في البيت و ليس في المسجد , تعبت من التفكير في ما حدث و لماذا حدث , و هل سيحدث ثانية و متى سيحدث ؟ , لم يطل انتظاري سوى ساعات قلية , كنت اهم بالذهاب الى المسجد لصلاة العصر فعادت نفس الاعراض فذهبت الى المركز الصحي و خجلت ان اشرح للطبيب كل ما حصل , ذكرت فقط الدوخة و ضيق التنفس و بعد فحص طبي بامكانات ضعيفة كان الجواب اني لا اعاني من شيء , و بعد يومين اصابتني النوبة اثناء قيادتي السيارة الى العمل , و توقفت الى ان هدأت قليلا ثم اتجهت الى بلدة مجاورة و بها مستشفى عام , كررت نفس الشكوى و بعد بعض الفحوصات قال لي الطبيب اني اعاني من ارتفاع قليل في الضغط و لا شيء غير ذلك وان على مراقبة ضغطي لثلاثة ايام و بعدها اعطاني علاجا للضغط و لكن بجرعة صغيرة .
و لكم ان تتصوروا اني قضيت سبع سنوات في نفس المعاناة , و لكن اصبح الامر روتينيا , لم اخبر احدا بما يحصل لي , و توصلت من كثرة التفكير و التحليل " بيني و بين نفسي طبعا " الى ان الامر نفسي او ما شابه فاستقريت على هذه الفكرة و لم يكن الذهاب الى طبيب نفسي امرا اقبله و لا يزال ايضا , و لعل اشد ما يزعجني و يؤلمني ان صلاتي في المسجد اصبحت قليلة , , و بقيت على هذا الحال حتى من الله على منطقتنا بالتكنولوجيا و وصلتنا خدمة الانترنت فتصفحت الامراض و كتبت الاعراض و درست تجارب الاخرين و ايقنت ان ما يحدث لي يسمى نوبة هلع فكان ادراكي لذلك رحمة من الله لان الامور اصبحت واضحة تماما و كنت سعيدا اني عرفت السبب و ان كان متأخرا جدا مقارنة بما عانيته خلال جهلي بمشكلتي لعدة سنوات .
حاليا و بعد ما اطلعت عليه من معلومات لم تتوقف نوبات الهلع فهي تصيبني في كل وقت , في البيت و في العمل و في الصحراء و في المسجد و اثناء القيادة و الاستحمام و لكنها قلت من حيث العدد و القوة و اصبحت استجيب لها بالهدوء و الاسترخاء حتى تمر دقائقها , اضرارها علي تتلخص ببعض التغييرات على المستوى الاجتماعي , اتجنب المناسبات الكبيرة ان استطعت , وان شاركت فيها فان لدي القدرة على التحكم في نوبة الهلع – ان حدثت - دون ان يلاحظها احد , الا في حالة المسجد , فكما تعرفون اكتاف المصلين متلاصقة , و الرجفة التي تصيبني تنتقل الى من هم بجواري , و تزداد حركة جسدي خلالها , و هو امر ينافي الخشوع في الصلاة , و كذلك يزداد شعوري بالدوار , فاضطر الى الجلوس , و لكي اتغلب على هذه الاحاسيس صرت اذهب الى المسجد – ان ذهبت من الاصل - بعد الركعة الاولى , لان هذا يضمن لي بقائي في الصف الاخير و هو ما يجعل شعوري بالاحراج اقل .
اما فوائدها فهي ان الله وحده يعلم تماما ما يشعر به العبد فيثيبه ان صبر و شكر حتى على وخزة الشوكة , فما بالكم بنوبة الهلع , فاسأل الله لي و لكم حسن الثواب .
|