عن السادات
عام 1952 كانت ميزانية مصر 200 مليون جنيه .. عام 1957 أفرج عن أرصدتنا في بنوك إنجلترا والتي قدرت بـ 400 مليون جنيه إسترليني كودائع من متخلفات الحرب العالمية الثانية بعد تجميدها نتيجة تأميم قناة السويس . في العام نفسه، كان مجموع أموال المؤسسات والشركات التي مُصرت ألف مليون جنيه.
كل هذه الحقائق تشير إلى شيء واحد، وهو أن مصر كانت ستصبح دولة عظمى، لولا تطبيق مصر للنظام الاشتراكي والذي قضى بدوره على القطاع الخاص أو نشاط الأفراد حيث إن أي عمل حر فيه إبداع كان يعد رأسمالية "بغيضة". ناهيك عن ضياع الاقتصاد ما بين حرب اليمن، والانفصال عن سوريا وهزيمة 67.
وأدرك "السادات" أن خزينة الدولة "أنضف من الصيني بعد غسيله"، وأن اليوم الذي لن تستطيع الدولة فيه أن تدفع مرتبات الجنود على الجبهة، وكذلك موظفي الدولة قد اقترب جدا.
تصفية مراكز القوى
قرر "السادات" أن يضرب مراكز القوى في مقتل، وهم من باب العلم بالشيء "شلة أصدقاء السوء" التي كان لها دور كبير في ترهيب وتخويف الشعب المصري أيام "عبد الناصر".
المهم، بدأ "السادات" بتصفية "علي صبري"، عميد العملاء السوفييت في مصر، مما أوغر صدر أعضاء " نادي الفساد" أو "حلفاء الشيطان" الآخرين، فزادوا من حملاتهم "المسعورة" واجتماعتهم ومناقشاتهم .
"لن أسمح بمراكز القوى ولا بالصراع، وأي واحد حيعمل حاجة ضد مصر أنا حفرمه..."
هكذا تعامل "السادات" مع "السوس الذي كان ينخر في عظام الشعب المسكين"، وطبعا دبر الشياطين كمينا لاغتيال "السادات" في أثناء زيارته لمديرية التحرير، وكمينا آخر أثناء توجهه لمبنى الإذاعة ولكنه بذكائه الشديد لم يذهب لهذا أو ذاك. عندئذ حصل على دليل الإدانة والتآمر فقام بإقالة وزير الداخلية.
وبعد قليل، جاءته استقالات بالجملة من رئيس مجلس الأمة، ووزير الحربية، ووزير الإعلام، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية، وأعضاء من اللجنة المركزية، أملا في حدوث انهيار دستوري ، وبدهاء السياسي المحنك، قبل "السادات" استقالتهم جميعا، وأودعهم "سجون 5نجوم".
شكرا.... لا نريد الخبراء السوفييت في مصر!!!استخدم السوفييت ضدنا أحدث ما توصل إليه العالم من أسلحة المماطلة، من أمثلة قنابل "هنبعتلكم الأسلحة في بحر يومين"، وصواريخ "هبعتلكم 30 طيارة ميج في 32 من شهر(أكفمبر)" وغيرها من الوعود التي لا تنفذ أبدا، مما جعل "السادات" يصرخ قائلا: "يا جماعة أنا أقبل أن تضعونا خلف إسرائيل بخطوة ولكن أن تكون المسافة بيني وبين إسرائيل عشرين خطوة فهذا أمر لا يحتمل".
وكنتيجة لهذه السياسة الغريبة مما ندعوهم حلفاءنا، قرر "السادات" الاستغناء عن 15000من الخبراء السوفييت، ليعرفوا حجمهم الطبيعي كدولة صديقة، لا على أنهم أولياء أمرنا كما يظنون.
السادات فنان الخداع الإستراتيجى
بعدما اجتمع "السادات" بالرئيس السوري "حافظ الأسد"، واتفقا على أن تكون المعركة في عام 1973، قام بعمل تمويه في الصحف أنه سيبدأ المعركة في مايو من هذا العام.
طبعا "أكلت إسرائيل الطعم" وقامت بتعبئة الجيش، بينما كان الجيش المصري في حالة من "النوم في العسل". وفي أغسطس، قام بفعل نفس الشيء، وحشدت إسرائيل الجيش مرة أخرى.
أما في أكتوبر، لم ترفع إسرائيل شعار "التالتة تابتة"، ولم تحشد الجيش ظنا منا أننا غير جادين!!
موقف السوفييت "المشجع جدا"!!!! وكعادتهم دائما في المواقف العصيبة، وقف السوفييت موقف "الجدعان" معنا بعد علمهم بميعاد قيام الحرب. قام السوفييت بإرسال 4 طائرات ضخمة لحمل العائلات السوفييتية من مصر!!!!!
بل وطالبوا أيضا أن ترحل العائلات من مطار عسكري حتى لا يراها الناس في المطار الدولي.
حقيقي.. فأل "حسن جدا" قبل بداية الحرب!!!
ملحمة الرعب وتغيير المفاهيم العسكرية
بعد 20دقيقة فقط من ساعة الصفر، ضربت 222طائرة نفاثة مصرية سرعتها تفوق سرعة الصوت مراكز القيادة الإسرائيلية، ومركز إدارة الطيران، ومركز إدارة الدفاع الجوي، وهى تطير على ارتفاع منخفض يكاد يلمس رؤوسهم .
وانطلق سيل من النيران من فوهة 2000 مدفع، معلنا عن إيقاظ الوحش المصري من سباته، في معركة تعيد إلى الأذهان معركة "العلمين" و.... وانقلبت المفاهيم العسكرية رأسا على عقب، بعدما تصدى الجندي المصري للمدرعات الإسرائيلية بسلاح أمضى ألف مرة من جميع الأسلحة الموجودة على ظهر الأرض..... سلاح الإيمان!!!!!
وبفكرة مصرية 100%، قام الجنود باستخدام خراطيم المياه ذات الضغط العالي لإزالة الساتر الترابي، "والنزول بـ 5 فرق كاملة على خط المواجهة الذي كان طوله 180 كيلو مترا".
القضاء على لواء مدرع في 20 دقيقة.. وأكبر معركة للدبابات يشهدها التاريخ
"لقد خسرت الحرب ويجب أن تعدي نفسك لهذا"انطلقت هذه الكلمات من فم "كيسنجر" كأنها حمم من بركان مستعر يحرق جميع آمال "جولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل ويحطم أسطورة إسرائيل التي لا تقهر.
ولم لا.. وقد استطاعت قواتنا في أن تقضي القضاء المبرم على اللواء 190 الإسرائيلي، وهو من أهم لواءاتهم المدرعة بعدما تلفت قائده "عساف ياجوري" وراءه فلم يجد دبابة واحدة من الـ115 دبابة ، بعد 20 دقيقة فقط من بدء المعركة و....وأصيب بانهيار عصبي حاد.
وشهدت حرب أكتوبر أكبر معركة للدبابات على مر العصور، شارك فيها أكثر من 5 آلاف دبابة في 17 يوم فقط . بل ساد الرعب بين الإسرائيلين لدرجة أنهم أقروا بعجزهم عن زحزحة المصريين بوصة واحدة، وأن الطريق مفتوح أمامهم لغزو تل أبيب.
حقيقة الثغرة "وادى الموت"
"لن أحارب أمريكا!!!!"
لم يستطع "السادات" إلا أن يقر بهذه الحقيقة، وهي أنه لا يستطيع أن يحارب أمريكا التي أمدت إسرائيل بجميع أسلحتها الحديثة، حتى التي لازالت تحت الاختبار. ويعد هذا القرار واحدا من القرارات الذكية جدا لـ"أنور السادات"، لأنه لو "ركب دماغه" منتشيا بزهوة حرب أكتوبر المجيد وأعلن الحرب على إسرائيل وما وراء إسرائيل، لكنا الآن في خبر كان، ولتحول نصر أكتوبر إلى نكسة أخرى .
أما عن موضوع الثغرة التي قال أحد الجنرالات الفرنسيين "إنها ليست سوى معركة تليفزيونية" لحفظ ماء وجه إسرائيل وكرامتها التي تبعثرت في قارات العالم الست . فقد رصدت الأقمار الصناعية الأمريكية "نقل الفرقة 21 المدرعة المصرية من الضفة الغربية للقناة إلى الضفة الشرقية لمحاولة تخفيف الضغط على سوريا" فاستطاعت إسرائيل من فتح ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث حجمها 6.5 كيلو مترات، وذلك بين 5 فرق مصرية كاملة العتاد، وذلك بعد قرار وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر و.... و"سيضربك البنتاجون إذا حاولت تصفية الثغرة" كان هذا موقف أمريكا من الثغرة، بعدما علمت بموقف إسرائيل الضعيف فيها، التي كانت ستفقد 400 دبابة و 10000 آلاف جندي ما بين قتيل وجريح. لذلك كان فض الاشتباك الأول والثاني.
فتح قناة السويس وأول جسور التعاون بين أمريكا ومصر منذ 18 عاما
بالرغم من أن قناة السويس تقع في مدى المدافع الأمريكية التي تملكها إسرائيل، وبالرغم من أن إسرائيل لم تكف عن ترديد عبارات مثل "إعادة فتح القناة أمر مرهون بإرادة إسرائيل فقط"، إلا أن رد "السادات" كان صفعة كبيرة على وجه العنجهية الإسرائيلية، وقرر فتح القناة في 5 يونيو1975، وحذرها من ضرب أي مدينة من مدن القناة وإلا...... وإلا الضرب في عمق إسرائيل.....
ومن هنا، كشفت أمريكا عن وجهها الحقيقي أمام العالم بأجمعه عندما شاركت في تطهير القناة بإمكانيتها الهائلة المتمثلة في حاملة طائرات الهليكوبتر "أيوجيما".
السادات: "إنني مستعد إلى الذهاب إلى آخر العالم.. إلى الكنيست ذاته"
فجر "السادات" مفاجأة أخرى من مفاجأته، عندما قرر الذهاب إلى إسرائيل نفسها في سبيل تدعيم مبادرة السلام.
وكانت استجابة الناس لزيارة "السادات" لإسرائيل رائعة، فقد احتشد الناس لتحية الرئيس الذي مد لهم يد السلام، والذي اتفق معهم على أن تكون حرب أكتوبر آخر الحروب، والجلوس معهم على مائدة المفاوضات، حتى قوات المظلات الإسرائيلية الخاصة المكلفة بحراسته رقصت فرحا لهذا المحارب المغوار، ورجل السلام الفريد من نوعه .
وقد قابلته سيدة من أغنى أغنياء اليهود في أمريكا وبكت قائلة:
"لقد دعوت الله أن يأخذ دقيقة واحدة من عمر كل يهودي ويضيفها إلى عمرك.."
حقيقة البحث عن الذات
وأخيرا، أختم هذا الكتاب بكلمات "السادات" التي تخط بكلمات من نور شخصية رجل صنع تاريخا، الرئيس "أنور السادات":
" لم يستهوني يوما بريق المتع الدنيوية، ولم أحاول قط أن أبني سعادتي على حساب الآخرين. فأنا أصدر في كل قرار أتخذه وكل عمل أقوم به عن الإيمان الراسخ بحق الإنسان في الكرامة والحرية و السلام والمساواة.
لقد وجدت ذاتي في الصداقة.. وفي الحب.. وفي العمل الذي يرقى بحياة من حولي.. وفي انتصار الحق على الباطل.. باختصار في كل ما من شأنه تحقيق صورة كياني الذي هو كيان بلادي...
ومازال أمامي وأمام شعبي طريق طويل لابد أن نقطعه حتى نصنع حياة يسودها الحب والسلام والرخاء والاكتمال