عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-2004, 11:30 AM   #45
ابن الرياض
( عضو دائم ولديه حصانه )


الصورة الرمزية ابن الرياض
ابن الرياض غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1720
 تاريخ التسجيل :  06 2002
 أخر زيارة : 21-08-2011 (01:36 PM)
 المشاركات : 2,730 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


لطالما إنتقدَ غير المسلمين من النصارى و اليهود إباحة التعدد في الإسلام و أعتبروا ذلِك ظُلماً كبيراً و أمراً جلل. كما عابوا على نبينا عليه أفضل الصلاة و التسليم زواجهُ بأكثر من واحِدة و جعلوا من ذلك مدخلاً للتشكيك بِه و بِعدالة و شرعية الدين الذي حمله. كما حاربت بعض الدول الإسلامية التعدد - حتى أن أحدها سنّت قوانينا تمنعه و تُعاقب مُرتكبه - و إنتقد بعض المُشككين و العِلمانيين التعدّد مُعتمدين في إنتقاداتهم على بعض القناعات و المُمارسات السطحية - إن صحَّ القول - في تطبيق التعدد.



و بدلاً مِن تعيير القومِ بِما هو سائدٌ في مجتمعاتهم من علاقاتٍ غير شرعية عِند سردِ محاسن التعدد، رأيتُ أن أبحث في إدِعاءات القوم، و أن أرجِع إلى أصولِ التعدد، و من ثمّ الإجابة على الأسئلة التالية بقدرِ ما يُيسِره الله لي:

هل كان الإسلام فعلاً هو أول الديانات التي شرّعت التعدد؟!

و هل كان التعدد أمراً دخيلاً على المسلمين الأوائل؟!

و هل جاء الإسلام مُرغِّباً أم مُنظِماً للتعدد؟!

و هل الأصلُ في الإسلام هو التعدد أم هل جاء ذلِك من باب الإباحة؟!

كيفَ نُمارِس التعدد بحيث يكون حلّاً لا هاجِساً إجتماعياً؟!



سأحاولِ بعونِ الله أن أطرح الأجابة على هذِه الأسئلة، و أدعوكم للمُشاركة معي في إجابتها أو التعليق سواء كان ذلك تأييداً، مُعارضةً، تصحيحاً أو توجيها..



هل كان الإسلام فعلاً هو أول الديانات التي شرّعت التعدد؟

الحقيقة أن التعدد كان موجوداً في الأديان السماوية السابقة و مُباحاً فيها، و قد أشارت كُتبهم إليه في مواضِع عِدة سأذكُر منها نصين فقط، للإختِصار:

ذُكِرَ في سفر إيسايا أن سبعة نِساء عرضن أنفسهن للزواج من رجلٍ واحد، بطريقةٍ تشبه ما يُعرف الآن بزواج المِسيار، حيثُ يتكفلن هُنّ بمطعمهِن و ملبسهن.

"And in that day seven women shall take hold of one man, saying we will eat our own bread, and wear our own apparel: only let us be called by thy name, to take away our reproach." Isaiah 1:4

و في سفر جوب، ذُكِر أن "أرامله" (لاحظ أرامله و ليس أرملته) لن يبكوه

"Those that remain of him shall be buried in death: and his widows shall not weep." job 27:15

كما يقول النصارى عموماً بأن إبراهيم و إسحاق و يعقوب و داوود و سُليمان - و كثير من الأنبياء الذين يعترِفون بهم - تزوجوا بأكثر من واحِدة. و قد و ردت في كتبهم نصوص عِدة تذكر ذلك، تجِد بعضاً منها على هذا الرابط إن شئتَ المُراجعة بنفسِك: Polygamy

أما تحريم التعدد في النصرانية و اليهودية فقد كان بإجماع أحبارهم و رهبانهم و لم يكن بأمرٍ إلهي؛ ولا زالت احدى الفِرق النصرانية المعروفة بالـ "مورمن" تُمارس التعدد.



هذا ما جاء في كُتِبهم، أما في كُتِبِنا، فقد أشار الحديث إلى أن سيدنا سُليمان تزوج بستين - و قيل سبعين أو تسعين و قيل مائة - إمرأة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "قال سليمان بن داوود عليهُما السلام لأطوفنَّ الليلة بِمائة إمرأة تلد كل إمرأة غلاما يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك قل إن شاء الله فلم يقل و نسى فأطاف بهن و لم تلد منهن إلا إمرأة نصف إنسان، قال النبي لو قال إن شاء الله لم يحنث و كان أرجى لِحاجته"

و في كُتب التاريخ، ذُكِر أن الفراعِنة و غيرهم من الشعوب مارسوا التعدُد.

إذاً، جواب التساؤل الأول هو: لا، لم يكن الإسلام أول الديانات المُشرِّعة للتعدد...



هل كان التعدد أمراً دخيلاً على المسلمين الأوائل؟!

لا! بل كان التعدد أمراً شائعاً قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام ضبطه و حددهُ بأربع زوجات. و قد شاورَ بعض الصحابة ممن لهم أكثر من أربعة زوجات (عميرة الأسدي و نوفل بن معاوية الديلمي) الرسول فيما يفعلون في نِسائهم، فأشار عليهم بِقولِه: "اختر أربعاً أيتهن شئت، و فارِق الأخرى".

إذاً، جواب التساؤل الثاني هو: لا، لم يكن التعدد أمراً دخيلاً على المسلمين الأوائل.



هل جاء الإسلام مُرغِّباً أم مُنظِماً للتعدد؟!

و هل الأصلُ في الإسلام هو التعدد أم هل جاء ذلِك من باب الإباحة؟!

سأتناول الإجابةِ على هذين السؤالين معاً، حيثُ أن الحديث فيهما يتداخل.

لقد كان تعدد الزوجات مُنتشراً قبل الإسلام و مُطلقاً بِلا ضوابط أو حد أقصى لعدد الزوجات اللاتي يمكن الجمع بينهن، فلما جاء الإسلام نظّم التعدد، فحدد سقفَ الجمعِ بأربعةِ نساء، و جعلَ من مِن العدلِ ضابِطاً و شرطاً أساسياً للتعدد.

يقول الله تعالى في كِتابه الكريم: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ"

و ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية قول الْبُخَارِيّ: "حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَة بْن الزُّبَيْر أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى " قَالَتْ : يَا اِبْن أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَة تَكُون فِي حِجْر وَلِيّهَا تُشْرِكهُ فِي مَاله وَيُعْجِبهُ مَالهَا وَجَمَالهَا فَيُرِيد وَلِيّهَا أَنْ يَتَزَوَّجهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِط فِي صَدَاقهَا فَيُعْطِيهَا مِثْل مَا يُعْطِيهَا غَيْره فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا إِلَيْهِنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتهنَّ فِي الصَّدَاق وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاء سِوَاهُنَّ"

و لا بُد من الإشارة هنا إلى أنّ قوله تعالى "فَانكِحُواْ" لم يأتِ أمراً، بل جواباً لِجُملة شرطية جرى فيها التخيير بين "مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ". يقول إبن كثير في َقَوْله تعالى "مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع": "أَيْ اِنْكِحُوا مَنْ شِئْتُمْ مِنْ النِّسَاء سِوَاهُنَّ إِنْ شَاءَ أَحَدكُمْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا". كما ذكر إبن عبّاس و جمهور العُلماء أن المقام "مقام إمتنان و إباحة..."

و قبل أن أمضي في إيضاح وجهة نظري فيما إذا كان الأصل في الإسلام هو التعدد أم إن كان ذلك من باب الإباحة، أحببتُ أن أعرُج أولاً، و بإختصار، على الأحكام التكليفية التي تُصنِف ما أمرنا الإسلام به أو نهانا عنه، و هي:

الفرض و الواجِب: يُثاب فاعله و يُعاقب تارِكه (كالصلاة و الصوم)

السنّة و المُستحب: يُثاب فاعِله ولا يُعاقَب تارِكه (مثل صلاة الوتر و السواك)

المكروه: و يُثاب على تركه، ولا يُعاقب على فعله (كتقديم الرجل اليسرى عند دخول المسجد و اليمنى عند الخروج)

المحظور: يثاب تاركه و يُعاقب فاعله (كالغش و شرب الخمر)

الأحكام أعلاهُ لا تنطبِق على التعدد، فهو ليس فرض ولا سُنة و لا مكروه ولا محظور بحد ذاته، لكنه إذا ما أرتبط بهدفٍ سامي، فقد يُثاب المرأُ عليه. سأعاود الإشارة و التوضيح في ذلك عِند الإجابة على السؤال القادم و الأخير. و سأخلص هُنا إلى أن إجابة السؤالين المطروحين هي:

إن التعدد ليس أصلاً في الإسلام و لم نؤمرْ بِه، بل جُعِل لنا فُسحة و حلّ للمتاعب النفسيه و الإجتماعية، أباحه الله لنا من رحمتهِ بِنا.

لقد جاء الإسلام مُنظِماً للتعدد و حاصِراً إياه في حدود العدلِ و المُساواة. (لعل الإجابة على السؤال التالي تُفصِّل أكثر في هذا..)



كيفَ نُمارِس التعدد بحيث يكون حلّاً لا هاجِساً إجتماعياً؟!

لقد أرسى الإسلام الأساس الأول لتفعيل التعدد كحل إجتماعي، و ذلك بأن إشترط على الزوج أن يعدل بين زوجاته، حيثُ أن الجملة الشرطية في الآيةِ المذكورةِ أعلاه تقول "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ، فَوَاحِدَةً"....

( منقول )


 

رد مع اقتباس