(2)
كيف نضاعف حياتنا
عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!...
أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!...
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهماً، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا. فليست الحياة بِعَدِّ السنين، ولكنها بعدادِ المشاعر، وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهماً "! هو في " الواقع " حقيقة "، أصحّ من كل حقائقهم!... لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة. جَرِّدْ أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً...
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال!...
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!.
(6)
طريق العظمة الحقيقية
حين نعتزل الناس، لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو أرحب منهم نفساً، أو أذكى منهم عقلاً، لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً... لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل، وأقلها مؤونة!.
إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس، مُشْبَعين بروح السماحة، والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم، ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!.
إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا، ومثلنا السامية، أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم، أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقاً.. إن التوفيق بين هذه المتناقضات، وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد: هو العظمة الحقيقية!.
قلت: يا ليت يقرأ ويدرك هذا من أتخذ -زعماً- كلمات وأفكار الشهيد الآخرى قارب لمملكة تكفير المسلمين.
(8)
الفرح بانتشار الأفكار
إننا نحن حين " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا، كما لو كانت بغير إرادة منا، حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا!.
إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للآخرين، ونحن بعد أحياء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح - ولو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض - زاداً للآخرين وريّاً، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضا والسعادة والاطمئنان!.
" التجار " وحدهم هم الذين يحرصون على " العلاقات التجارية " لبضائعهم، كي لا يستغلها الآخرون، ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد، فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم، ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم، لا إلى أصحابها الأولين!.
إنهم لا يعتقدون أنهم " أصحاب " هذه الأفكار والعقائد، وإنما هم مجرد " وسطاء " في نقلها وترجمتها... إنهم يحسُّون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خَلْقِهم، ولا من صنع أيديهم. وكل فرحهم المقدّس، إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع الأصيل!...