عرض مشاركة واحدة
قديم 24-10-2021, 05:57 AM   #3
ابو القلق
عضو نشط


الصورة الرمزية ابو القلق
ابو القلق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 54810
 تاريخ التسجيل :  10 2016
 أخر زيارة : 27-09-2022 (09:00 PM)
 المشاركات : 175 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


مناقشة الجذبة:

لنناقشها أولاً على ضوء القرآن والسنة:
يدعي الصوفية، دون خوف من الله، أن رياضتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، هي الطريق إلى الله سبحانه ومعراجهم إليه؛ لأنها توصلهم إلى الجذبة‍‍ ويعتقدون أن الله سبحانه يجذب بها العبد إليه، ولذلك سموها الجذبة، ومفهوم لفظ الجلالة «الله» عندهم يعني- كما أصبح واضحًا الآن – كل الموجودات بما في ذلك ذواتهم، ومعنى «يجذبهم إليه»، أي: يزيل عنهم الحجاب، الذي هو الوهم بأنهم غير الله، ويبعدهم عنه، ويجذبهم إلى استشعار الألوهية في أنفسهم، أي: يشعرون أنهم الله «سبحان الله»، ويشاهدون أن كل شيء هو الله، وهذا هو ما يسمونه الوصول إلى الله، والجذبة هي الولاية والصديقية ... الخ، وهي عندهم حال يتدرج ويمر بأطوار من الرؤى والمشاهدات المختلفة والاستشعارات حتى تصبح مقامًا.
ففي باديء الأمر، قد يصل السالك إلى الجذبة بعد رياضة، طويلة أو قصيرة، لكن الجذبة تزول بسرعة ثم لا تعود إلا برياضة مثل الأولى، أو أكثر أو أقل، فالولاية هكذا هي حال.
ومع المثابرة يصل إلى درجة يقع فيها في الجذبة بشيء من الذكر، وتطول مدتها، فتكون ولايته هنا مقامًا، ويصير وليًّا صديقًا مقربًا.. مقيمًا إذا صارت الجذبة دائمة.
فهل في هذا التصور شيء من الصحة؟

الجواب : لا ‍ للأسباب التالية:
1- إن كون الجذبة ولاية وصديقية وقربًا و.. هو، في أحسن الحالات، أمر غيبي لا يعرف إلا بنص من الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، أي بنص من القرآن والسنة الصحيحة، ولا وجود لمثل هذا النص، إلا ما كان من تأويلاتهم الباطلة وافتراءاتهم الظالمة. { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ }.
2- إن ادعاء الولاية والصديقية هو هو تزكية النفس على الله، وهو من كبائر الإثم: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاًً. انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينً } و{ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }.
وكذلك اتهام الآخرين بالولاية والصديقية هو من كبائر الإثم؛ لقوله سبحانه مخاطبًا رسوله { {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إِلَي } ولغضب رسوله عندما سمع صحابية جليلة تزكي صحابيًا جليلاً، فقال لها: «والله ما أدري ما يفعل بي وأنا رسول الله» ثم أقرها عندما قالت: «فلن أزكي بعدها على الله أحدًا»، أي إنه صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن لا نزكي على الله أحدًا.
وهكذا كان فهم الصحابة الكرام، فهذا علي بن أبي طالب يثني على عبد الله بن مسعود فيقول: «إنه لخيرنا، ولا أزكي على الله أحدًا» ! إن عليًا بن أبي طالب لم يزك عبد الله بن مسعود على الله !.
إذن، فتزكية النفس وتزكية الغير هما من كبائر الإثم، والإصرار على ذلك هو كفر بالقرآن والسنة.
وبذلك يكون الادعاء بأن الجذبة صديقية وقرب وولاية هو كفر بنصوص القرآن والسنة.
3- رأينا في الفصول السابقة أن السالك يدخل في الشرك الأكبر منذ الخطوة الأولى في طريق الصوفية، ثم يسير في طريق كلها بدع وضلالات وطقوس طاغوتية وتشبه بالكفرة ومخالفة للقرآن والسنة وتزوير لنصوصهما وافتراء على الله سبحانه، وخداع لعباده (بل ولنفسه أيضًا) بادعائه اتباع القرآن والسنة، وكذب على الله وعلى ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذب على الحقائق، وكذب على التاريخ والجغرافيا، واحتقار للعقل والعلم اللذين كرم الله بهما بني آدم، وتقديس للجهل والعته والجنون! ثم لم يكتفوا بهذا حتى مزجوه بالإسلام! فشوهوا الإسلام وحرفوه! وهنا الطامة الكبرى، وقد رأينا كل هذا في ما مضى من فصول الكتاب من نصوصهم وأقوال أقطابهم وعارفيهم وعلمائهم.
فهل يمكن لمسلم في قلبه إيمان بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر أن يعتقد أو يظن أن هذه الطريق هي الطريق إلى الله؟ أو أنها تقود إلى حق أو حقيقة؟
بل هل يمكن لذي عقل سليم كائنًا من كان، أن يعتقد أو يظن أن طريق إبليس هذه هي طريق السير إلى الله والعروج إليه؟ سبحان الله عما يصفون.
إن طريق الشيطان لا تقود إلا إلى مسارح الشياطين ومتاهاتهم.
والجذبة مسرح شيطاني ومتاهة إبليسية، وليست صديقية‍
4- إن الجذبة الإشراقية تشبه الجذبة التحشيشية الأفيونية تمامًا مظهرًا ومخبرًا وجملة وتفصيلاً، فإن كانت جذبة الصوفية ولاية وصديقية فجذبة التحشيش مثلها، ويكون الحشاشون والأفيونيون أولياء صدجيقين، ويكون الهيبيون هم الأبدال والأقطاب والأغواث.
* الخلاصة:
ليست الجذبة ولاية ولا صديقية، وإنما هي مسرح شيطاني، وكذب وباطل ما يدّعون.
وفي الجذبة تكشف لهم الكشوف ويتلقون العلوم اللدنية ويرون المناظر الغيبية والمشاهدات الإلهية، إلى آخر الهلوسات الجذبية.
فإلى مناقشتها وعرضها على الكتاب والسنة.

مناقشة أحلام الجذبة:

التي يسمونها: الكشف، أو العلوم اللدنية، أو المناظر الإلهية، أو المشاهدات (قبل البدء، أرجو من القاريء الكريم أن يعيد قراءة مفعول المخدرات، ويكرر قراءتها).
نستطيع أن نقسمها، من حيث مصدرها، إلى قسمين:
1- هلوسات فيزيولوجية: وهي تسربات من الأماني والمعلومات (الصحيحة أو المتوهمة) المختزنة في اللاشعور، تتسرب من مخازنها، لتنزلق مباشرة إلى مراكز التفسير الحسي في الدماغ، فما كانت منها صورًا بصرية، انطبعت في مركز التفسير البصري، فيراها المجذوب وكأنها ماثلة أمامه، سواء فتح عينيه أم أغمضها؛ ‍ لأنها لم تصله عن طريق العين. وما كانت منها صورًا سمعية، انطبعت في مركز التفسير السمعي، فيسمعها أصواتًا لا يعرف مصدرها بالضبط؛‍ لأنها لم تصله عن طريق الأذن. ومثلها ما كان صورًا شمسية أو ذوقية أو لمسية.
2- هلوسات شيطانية: يتراءى بها شيطان المجذوب أمامه، مستفيدًا من خاصة الجذبة في تضخيم الأطوال، أو ينفثها في لا شعوره، وهو الميدان الذي يستطيع الشيطان أن ينفث فيه وسوساته، لتتسرب منه إلى مراكز الحس في الدماغ، مثل بقية الهلوسات الفيزيولوجية.

لا يكون هذان القسمان منفصلين عن بعضهما، بل ممتزجين، إلا فيما ندر، وفي حالات كثيرة يمكن التمييز بينهما.
وإن تسميتهم لها المناظر الإلهية، أو الكشف، أو نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، أو غيرها مما مر في هذا الكتاب ومما لم يمر، ما هي إلا جهل مغرور، وافتراءات على الله الكذب، وضلالات موغلة في الجرأة عليه سبحانه وجل عما يفترون. والبراهين ما سبق وما يلي:-
1- أن الله سبحانه كرم الإنسان: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } عندما خلق فيه مراكز الوعي، ووهبه بها العقل وتوابعه، كالإدراك والفهم والعلم، ومنها التكاليف.
فالله سبحانه، عندما يخاطب الإنسان، فإنما يخاطب فيه العقل والوعي والشعور، وعندما أرسل الرسل بالدين والتكاليف، فإنما أرسلهم يخاطبون العقل والوعي والشعور. والآيات المبينة الدالة على ذلك كثيرة، منها:
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ }.{ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ }. { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }. { لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }. { {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }. { وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.{ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }.{ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا }. { انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }. { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون }. { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُون }. َ{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }...
والآيات كثيرة، كلها تبين أن الوعي في الإنسان هو الذي أعده الله تعالى لتلقي كلماته، وهو الذي أعده لفهم الحقائق وأدراكها، وخاطبه بالوحي، ليكون الوحي المرتكز الأساسي الذي ينطلق منه العقل الواعي في جميع ميادينه.
وعندما يكون الخطاب الإلهي موجهًا إلى الوعي والشعور، فهذا يعني أن الطريق إلى رضوان الله لا يمكن أن تكون إلا عن طريق الوعي والشعور التامين.
أما الشيطان، فاللاشعور في الإنسان هو ميدانه الذي يصول فيه ويجول، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، منها:
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ... مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ.مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }. { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا }. { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ }. { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ }. { وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ }...
وعلى ذلك لا تكون الجذبة فتحًا إلهيًا، بل استحواذًا شيطانيًا، ولا تكون هلوساتها نور اليقين ولا عين اليقين ولا حق اليقين، وإنما وحي إبليس وجنوده، ولا تكون مناظرها إلا مسارح الشياطين وهلوسات الحشاشين.
2- مر في بحث سابق الآيات التي تبين أن طريق الضلال لا تقود إلا إلى ضلال، وأن سبيل الشيطان لا تؤدي إلا إلى غرور { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورً }.
ورأينا ما هي الطريق إلى رؤية هذه المناظر وتلك الكشوف، إذن فهي كلها باطلة، وهي كلها شيطانية.
3- إذا كانت هلوسات جذبة الإشراق كشوفًا إلهية، فهلوسات جذبة المخدرات مثلها تمامًا؛ لأن الجذبتين شيء واحد، وكل ما بينهما من فرق أن المخدر في جذبة التحشيش يأتي من خارج الجسم بينما يأتي المخدر في جذبة الإشراق من داخل الجسم، والنتيجة واحدة في الحالتين.
وإذا كانوا يصرون على أن هلوساتهم هي فتوحات إلهية وعلوم لدنية‍ فلم لا يختصرون الطريق ويوفرون الوقت والجهد؟ إذ بدراهم معدودة شراء شيء من الحشيش أو الأفيون أو عقار التهليس أو الايتير أو غيرها، وبثواني معدودة تشرق عليهم الأنوار، وتنكشف أمامهم الأسرار، ويعرجون في السماوات العلى ويتمتعون بالمحاضرة والمكاشفة والمشاهدة، ويذوقون معاني الأسماء كلها، ويتنقلون في الفناءات.. إلى آخر الهلوسات .
مادام كلا الطريقين إلى جهنم، فلم لا يتبعون الأقل مشقة ؟‍
4- بالرغم من أن كل الصفحات السابقة هي براهين ساطعة واضحة على أن رؤاهم هي هلوسات شيطانية، وأن فيها الكفاية وأكثر من الكفاية. ومع ذلك فهناك الكثير من الأدلة غيرها من كشوفهم وعلومهم اللدنية ومشاهداتهم... فإلى كشوفهم وعلومهم اللدنية ومشاهداتهم:
ولنبدأ بجبل قاف. ولنستعد قبل ذلك بعض خواص الجذبة:
- تضخم الأطوال (الجفون تطول إلى ما لا نهاية، والأطراف تطول والمسافات حتى يرى الأمتار طول ما بين المشرق إلى المغرب).
- رؤية أشكال وسمع أصوات ليس لها وجود.. وأحيانًا رؤيتها بمجرد تمنيها أو مرورها بالفكر..

- رؤية الحبل أفعى والكلب أسدًا.. وما شابهها.

ولا بأس من الرجوع إلى أول هذا الفصل لمراجعة المخدرات ومفعولها.

* جبل قاف :-
كان كثير من الأقطاب العارفين الأبدال يرونه (أثناء الجذبة طبعًا)، ويصعدون عليه، ويذهبون إلى ما وراءه، ويرونه محيطًا بالأرض، يبلغ ارتفاعه ثلاثمائة سنة (أي ما يزيد عن بعد القمر بأكثر من تسع مرات) ويرى بعضهم الحية المحيطة به (وبالتالي بالأرض) وذيلها عند رأسها...
كانوا يرون هذه الأمور بالكشف! بينما الآن، صار من البدهيات عند الجميع، حتى الصوفية، أن الأرض كروية، وقد دُرس سطحها كله إلى أعماق محترمة دراسة دقيقة؛ فقد دُرس سطح اليابسة بدقة بالغة، جبالاً ووديانًا وسهولاً وصحاري وبحيرات وأنهارًا، ودرست تربتها إلى أعماق تقاس بالكيلو مترات بدقة أيضًا. ودرست طبقات الأرض دراسة إجمالية، لكنها صحيحة، إلى أعماق تقاس بألوف الكيلو مترات، كما درست البحار كلها سطحًا وأمواجًا ومدًا جزرًا، وعرفت أعماقها بدقة، ووضع لقيعانها الخرائط الصحيحة، ووضعت الأسماء لما فيها من جبال ووديان ومنبسطات، أي إن سطح الأرض كله درس دراسة دقيقة إن لم يكن بالمتر المربع فبالكيلو متر المربع.
ويعرف الجميع أن جبل قاف محض خرافة لا وجود له، وأن الأبعاد التي قدروها له وللأرض، لا تدل إلا على جهل كامل بجغرافية الأرض، وجهل مخز بحساب المسافات، فكشوفهم لم تفدهم شيئًا، بل هي التي دفعتهم إلى وهدة الجهل الذي يتخبطون فيه.
ومادام جبل قاف لا وجود له! فماذا كانوا يرون إذن؟
الواقع، إنهم كانوا يرون بالكشف جبل قاف، والذين كانوا يرونه هم من الأقطاب الأبدال الأولياء العارفين! ورؤيتهم له بالكشف هي برهان ساطع قاطع جديد على صحة كل ما ورد في الفصول السابقة من أن الجذبة ليست إلهية وإنما تحشيشية، وأن كشوفهم ما هي إلا هلوسات الحشاشين وتمثيليات الشياطين!.
رأينا أن الخلوة عنصر أساسي في المجاهدة، وقد كانوا كلهم – أو أكثرهم – يعتزلون الناس في البراري أحيانًا وفي الخرائب أحيانًا، خوفًا من سيف الحلاج.
والخرائب ، كما هو معروف، هي بيوت خربة هدمت جدرانها، لكن بعضها، كما هو معروف أيضًا، يبقى حولها شيء من جدرانها المهدومة، بارتفاعات مختلفة (قامة أو نصف قامة أو أكثر أو أقل).
من البدهي، أن المرتاض الذي كان يرتاد الخرابات، كان ينتفي إحدى تلك الغرف الخربة المحاطة ببقايا جدرانها؛ لأن هذه البقايا تعزله عن رؤية الناس.
ومن البدهي أنه كان يسوي أرضها، أو جزءًا من أرضها، إلى حد يستطيع معه الإقامة عليه أثناء خلوته فيها.
ومن البدهي أيضًا أن كثيرًا منهم – إن لم يكن كلهم – وصلوا إلى الجذبة أثناء إقامتهم في تلك الخرائب، وأن بعض تلك الجذبات كان من النوع المضخم للأبعاد، فماذا كان يرى المجذوب في مثل تلك الحالة؟
- كأن يرى البقعة التي يقيم عليها أرضًا شاسعة واسعة، يقدر بوهم جذبته، أو بإيهام شيطانه له، أن طولها من الشرق إلى الغرب مئات السنين، ومن الشمال إلى الجنوب كذلك. ويرى بقايا الجدران التي تحيط بها، جبلاً شاهقًا ذاهبًا في السماء، يحيط بالأرض من جميع جهاتها.
وطبعًا كانوا يقصّون مشاهداتهم على بعضهم، وكانت قصة الجبل الشاهق المحيط بالأرض تتردد كثيرًا في مشاهداتهم وقصصهم، لكثرة خلواتهم في الخرائب.
وربما كان يخطر لأحدهم، على بال جذبته، أن يصعد فوق جبل قاف، فينهض، ويقترب من الجدار المتهدم، ويعتلي فوقه، فيرى نفسه قد قطع الدنيا بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، ويرى نفسه قد صعد فوق جبل قاف، بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، حسب المكان الذي صعد عليه.
وقد يهبط خلف الجدار المتهدم فيرى نفسه وراء جبل قاف، وقد يتراءى له شيطانه، وقد يكون معه رفقة شياطين آخرون، فيتسلون بالتلاعب بعقله والضحك على ذقنه، ويفهمونه أنهم أولياء مثله يقيمون وراء جبل قاف، أو يزورونه من حين إلى آخر، كما قد يكون هؤلاء الأولياء مرتاضين مثله يختلون في الخرائب المجاورة لخرابته، وقد يكونون مجرد صور هلوسية.
وقد يحدث لجذبة الفقير (على وزن حضرة الفقير) أن يرى خلف جبل قاف حية، أو حبلاً يتوهمه حية، فيراها طويلة طول ما بين المشرق والمغرب، وقد تكون هذه الحية وسوسة من شيطانه ينفثها في روع جذبته فيراها مجسمة أمامه.
وبما أنهم كانوا، لجهلهم، والجاهل عدو نفسه، وعدو دينه، يؤمنون أن كشوفهم هي نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، لذلك آمنوا أن الأرض محاطة من جميع جهاتها بجبل شاهق جدًا ! وعرف بعضهم بالكشف أن اسمه قاف، وانتشرت الأسطورة، وأخذت حيزًا هامًا من الثقافة العامة في المجتمعات الإسلامية حتى زمن قريب ! بل لا يزال كثير من الأبدال العارفين وعابديهم (المريدين) والمخدوعين بهم يؤمنون حتى الآن بجبل قاف.
وقد كانت الخرابات ضرورية لرؤية جبل قاف قبل أن يعرف، أما بعد ما شاع اسمه واشتهر واحتل مكانه من الثقافة العامة، فقد صار بإمكان الفقير أن يراه في أي مكان تأتيه فيه الجذبة، كما يرى بقية التخيلات والصور المختزنة في اللاشعور، (وسنرى توضيح هذا بعد صفحات).
إن رؤية جبل قاف وغيره من الخرافات، بالكشف، هي برهان واضح جدًا وساطع جدًا على أن كشوفهم هلوسات تحشيشية شيطانية، وليست فتوحات إلهية كما يفترون.
5- بقية كشوفهم الجاهلة: رأينا، فيما سبق من فصول ؛ نماذج كثيرة من كشوفهم التي سموها علومًا لدنية، وما فيها من جهل، ولا بأس من إضافة الملاحظات التالية:
‌أ- من كشوف الأقطاب الأغواث العارفين أن الأرض محمولة على حوت اسمه «نون»، والحوت على الماء المحيط.. إلى آخر الهذيان، ولم يستطع واحد من أولئك العارفين الذين عرفوا الأمور بنور اليقين – كما يقول حجتهم – أن يعرف أن ذلك هراء، وأن الأرض كروية مدحوة في الفضاء وأنها تدور حول الشمس، وأن ماءها خرج منها { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَ }، وهذا يعني أن الماء محمول عليها، وليست هي محمولة عليه، وهذا دليل على أن كشوفهم ليست إلهية، بل هي هذيانات هلوسية؛ لأنها لم تستطع معرفة الحقيقة ولا فهم الآية الكريمة.
‌ب- رأى قطب منهم الشمس في عجلة يجرها ملكان لهما مخالب... وهذا يذكرنا بالحيوان الأسطوري الذي يجر عجلة ملكية والذي رآه حشاش فطر المكسيك، ولم يستطع الكشف الجاهل ولا كل كشوفهم أن تعرفهم أن الشمس كتلة ملتهبة مضطربة تكاد تميز من الغيظ أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وأنها ليست محمولة على عجلة بل مدحوة في الفضاء. إذن فكشفهم ليس إلهيًا وإنما هو هلوسة هذيانية.
‌ج- لم يعرف أي قطب منهم أو غوث من الذين يتصرفون في الكون أن القمر مثل الأرض فيه صخور وأتربة، وأنه كروي خال من الهواء والماء! ولم يعرف عارف منهم أن المريخ والزهرة والكاتب وغيرها كلها مثل الأرض تتألف من صخور وأتربة وفيها أجواء غازية وفي بعضها ماء.. لأن كشفهم ليس إلهيًا بل هلوسات تحشيشية.
‌د- لم يستطع أي غوث منهم من الذين يتصرفون في الكون أو من الذين تحققوا بأسماء الله الحسنى، ومنها الاسم «العليم» ومنها «علام الغيوب»، أن يعلموا شيئًا عن الذرات والجواهر والنوى وكهاربها وحركاتها..؛ لأن كشفهم ليس إلهيًا بل هلوسة أفيونية يرون فيها ما كانوا يتوهمونه عن الكون من خرافات وأساطير.
6- لم يستطع كشفهم الجاهل أن يميز الحديث الموضوع من الصحيح، حتى كانوا وراء تزوير الأحاديث ووضع أكثر الموضوع منها والمكذوب، فكانوا من الأدوات التي هدمت الإسلام في نفوس المسلمين، إذن فكشفهم ليس إلهيًّا وعلومهم اللدنية هي جهالات لدنية.
ولا نريد أن نزيد، فما على القارئ الكريم إلا الرجوع إلى فصل «نماذج من حكايات الصوفية وكراماتهم...»، أو إلى كتبهم، ليرى ما يكشف عن الجهل والغباء والخرافة والاستحواذ الشيطاني، فحكاياتهم وكراماتهم أبلغ من أي حديث آخر.
ونذكر أن العروج في السماء، والفناء في الله (تعالى الله) وتوابعها، لا يستطيع شياطين الجن تمثيلها أمام السالك، أو العارف، أثناء اليقظة؛ لأن أجسامهم أصغر من أن تستطيع التمثل بتلك الأشياء الضخمة جدًا.
لذلك كانوا بحاجة إلى الجذبة وخواصها، وأحيانًا إلى الخاصة المضخمة لصغائر الأشياء تضخيمًا كبيرا؛ ليستطيعوا أن يوهموا الفقير بتلك الأمور ثم يوهموه أنه صار «عارفًا بالله» بينما هو في الحقيقة، صار من أجهل خلق الله وأضلهم، وصارت نفسه مركبًا ومسرحًا وملهاة للشياطين يعبثون فيها كما يريدون! .


 

رد مع اقتباس