عرض مشاركة واحدة
قديم 20-05-2005, 05:16 PM   #2
خالــــــــــــــــد
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية خالــــــــــــــــد
خالــــــــــــــــد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1646
 تاريخ التسجيل :  05 2002
 أخر زيارة : 16-09-2014 (01:24 PM)
 المشاركات : 711 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
يتبع



قيام الدولة العثمانية

مر بنا كيفية دخول واستقرار القبيلة التركمانية بقيادة 'أرطغرل بن سليمان' في غرب الأناضول بعدما سمح لهم أمير إمارة القرمان علاء الدين السلجوقي بالاستيطان بإمارته وعقد حلفاً مع 'أرطغرل' للدفاع المشترك ضد العدو البيزنطي، ولما توفي أرطغرل سنة 687 هجرية تولى مكانه ولده عثمان، فبدأ يوسع أملاك القبيلة ناحية الغرب بموافقة علاء الدين أمير القرمان، وأصدر عثمان عمله باسمه كناية عن المكانة والسيادة .

في سنة 699 هجرية أغار المغول على إمارة القرمان ففر من وجههم 'علاء الدين' ودخل بلاد الروم وما لبث أن مات بها في نفس العام وتولى من بعده ولده 'غياث الدين' الذي حارب المغول ولكنه قتل في حربه ضدهم فأفسح المجال لعثمان أن يستقل بما تحت يديه من أراضي خاصة بعدما انفرط العقد بتلك البلاد الهامة والتي تعتبر ثغر المسلمين قبالة عدوهم العتيد؛ الدولة البيزنطية، وأعلن 'عثمان' قيام الدولة الإسلامية الجديدة في هذه البقعة الملتهبة من العالم، ولم يكن هذا التأسيس من باب حب السلطة والتملك، إنما كان حباً في نشر الإسلام.



عقبات فى الطريق

عندما قامت الدولة العثمانية وظهرت للوجود سنة 699 هجرية، كانت البقعة الملتهبة التي قامت بها مليئة بالعقبات والمشاكل التي ستصطدم حتماً ولابد بهذه الدولة الوليدة، هذه العقبات كانت كالآتي:

· عقبات داخلية وتتمثل في الإمارات المجاورة للدولة العثمانية مثل إمارات القرمان ومنتشا وصاروخان وغيرهم كثير، وكان أمراء تلك البلاد ضعفاء متفرقون يؤثرون الدنيا ومتاعها الزائل لذا قعدوا عن الجهاد واشتغلوا بخلافاتهم الداخلية ومطامعهم الشخصية عن نصرة الإسلام ومقارعة الأعداء مما أطمع فيهم المغول والصليبيون وغيرهم، وهؤلاء المتسلطون على إماراتهم رفضوا أية محاولة للاتحاد مع الأمير عثمان ووقفوا حجر عثرة في سبيل إعادة مملكة سلاجقة الروم المتحدة القوية بل وقفوا أمام أي اتحاد، وبالتالي كانوا عبئاً ثقيلاً على حركة الفتح الإسلامي.

· عقبات خارجية وتتمثل في الإمارات الصليبية المتناثرة في منطقة الأناضول الواسعة والذين يحكمون هذه المناطق على شكل الحكم الذاتي مع الارتباط الديني والقومي مع الدولة الأم 'بيزنطة'، مثل إمارة بورصة ومادانوس وأدره نوس وكستله وغيرهم، وهؤلاء عداوتهم أصلية وقديمة، لذلك قرر الأمير عثمان أن يبدأ رحلته الجهادية بمواجهة الصليبيين في منطقة الأناضول، خاصة وأن أمراء الصليبيين قد تنادوا سنة 700 هجرية بتكوين حلف صليبي لتصفية الوجود الإسلامي الجديد بالأناضول بعدما سقطت سلطنة سلاجقة الروم.



رحلة الجهاد المقدس

بدأ الأمير عثمان الأول رحلته الجهادية المقدسة واضعاً نصب عينيه هدفاً أسمى هو إعلاء كلمة الله عز وجل في فترة زمنية حرجة بالنسبة للأمة الإسلامية التي تعانى من ضربات التتار من ناحية الشرق وضربات الصليبيين الأسبان بالأندلس ناحية الغرب، وكانت صفات عثمان الأول الإيمانية وعميق حبه للدين غالبة وحاكمة على تحركاته وحملاته ، فكان لا يبدأ القتال مع أعداء الإسلام إلا بعد ما يعرض عليهم الخصال الثلاثة الإسلام أو الجزية أو القتال.



شعر سكان الأراضي القريبة من الدولة العثمانية الوليدة صدق إخلاص عثمان ونيته الجادة في نشر الإسلام فتحركوا وانضموا للأمير عثمان في رحلته الجهادية المقدسة، من هؤلاء جماعة 'غزياروم' أي غزاة الروم وهى جماعة إسلامية كانت ترابط على حدود الروم بنية الرباط وصد غارات الروم على المسلمين وذلك منذ عهد الخليفة العباسي المهدى بالله، أي أنهم كانوا أصحاب خبرة طويلة في قتال الروم، ومن هؤلاء أيضا جماعة 'الإخيان' أي الإخوان وهى جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويقومون بخدمة المسافرين والجيوش المجاهدة وهى جماعة تتألف من كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين سخروا أموالهم لنصرة الدين وأيضا جماعة 'حاجيات روم' أي حجاج أرض الروم وهى جماعة معنية بالعلم الشرعي وتفقيه المسلمين بأمور الدين، وكان لانضمام أمثال هذه الجماعات أثر قوى وزخر كبير للحملة الجهادية.



ظهرت شجاعة الأمير عثمان الأول وحزمه في المائة يوم الأولى من قيام الدولة العثمانية حيث شن أمراء النصارى بالأناضول حملة صليبية على الدولة الوليدة سنة 700 هجرية، فقاد عثمان الجيوش بنفسه وباشر القتال بسيفه ورمحه واستطاع بفضل الله عز وجل ثم قوة عزمه وشجاعته الفائقة في القتال أن يشتت هذه الحملة الغادرة ثم شرع بعد ذلك في فتح الحصون الصليبية ففتح حصون 'كته' و'لفكه' و'آق حصار' و'قوج حصار' وذلك سنة 707 هجرية، ثم فتح حصون 'كبوة' و'يكيجه' و'تكرربيكارى' سنة712 هجرية، ثم توج فتوحاته بفتح مدينة بورصة أو بورسة وذلك بعد مجاهدة ومحاصرة ومرابطة عدة سنوات قضاها الأمير عثمان في مواجهة عدوه حتى تم له الفتح سنة 717 هجرية، وأظهر فتح بورصة مدى صبر وثبات الأمير عثمان في جهاد أعداء الإسلام.

حاول أمراء النصارى في الأناضول إعادة الكرة مرة أخرى وتحالفوا هذه المرة مع 'المغول' الذين كانت تربطهم بالنصارى علاقة وثيقة قائمة في الأساس على كره الإسلام ومحاربة المسلمين وإلا فهؤلاء كفار مشركون والآخرون وثنيون يعبدون الشمس والكواكب، فجهز الأمير عثمان الأول جيشاً بقيادة ابنه الثاني 'أورخان' وسيره لقتال المغول قبل تحالفهم مع النصارى فأوقع بهم هزيمة كبيرة شتت بها شملهم وصرفهم عن فكرة الاتحاد مع البيزنطيين.



الشخصية الآسرة

كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة وآثرة في نفس الوقت، فشدة إيمانه بالله عز وجل، وحماسته العالية في نشر الإسلام بأوروبا، جعلت منه شخصية شديدة الجاذبية للجميع مسلمين وكافرين على حد سواء، فلم تطغ قوته على عدالته ولا سلطته على رحمته، وكان إذا وعد وفى، فعندما اشترط أمير قلعة 'أولوباد' البيزنطية حين استسلم للجيش العثماني، ألا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل القلعة التزم بذلك الأمير عثمان وكذلك كل من جاء بعده.



هذه الشخصية الجاذبة جعلت حتى أعداءه الكافرين ينبهرون بتلك الشخصية الباهرة فيدخلون في الإسلام، وأوضح مثال على ذلك القائد البيزنطي 'إقرنيوس' الذي كان والياً على مدينة بورصه والذي استمات في الدفاع عنها ودخل في صراع طويل مع الأمير عثمان حتى سقطت المدينة في النهاية بعد خمس سنوات من الحصار وخلال تلك الفترة احتك 'إقرينوس' بالأمير عثمان وانبهر بخصاله وأخلاقه النبيلة وشخصيته الآسرة وفى النهاية أعلن 'إقرينوس' إسلامه عن صدق ويقين، بل صار من كبار قادة الجيش العثماني الذي يحارب دولته الأصلية 'بيزنطة' وما أشبه هذه القصة بقصة إسلام القائد الرومي 'جريجورى بن تيودور' الذي تسميه المراجع العربية 'جرجة' والذي أسلم على يد الصحابي العظيم 'خالد بن الوليد' أثناء معركة 'اليرموك' الخالدة ودخل القتال مع المسلمين ضد بنى جنسه حتى استشهد آخر المعركة وهكذا أثر الشخصية الإيمانية وعملها في النفوس.



وصية رجل عظيم

ظل الأمير عثمان يعمل على تثبيت دعائم الدولة الإسلامية الوليدة في هذه البقعة الحساسة والملتهبة من العالم القديم ويؤسس الدولة على القيم الإيمانية والأخلاقية المتينة ليضمن لها بإذن الله الاستمرار والنهوض والبقاء، ظل هذا الرجل الصالح ناصحاً لأمته ولدينه حتى وهو على فراش موته وقد حفظ لنا التاريخ وصية الأمير عثمان لابنه وخليفته من بعده 'أورخان الأول' وهى تعتبر دستور الدولة العثمانية التي سارت عليه أيام قوتها وأوج مجدها إذ قال له:

{ يا بنى: إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلا} .

{ يا بنى: أحط من أطاعك بالإعزاز وأنعم على جنودك ولا يغرنك الشيطان بجندك ومالك وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة} .

{ يا بنى: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الأفاق فتحدث مرضاة الله جل جلاله} .

{ يا بنى: لسنا هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت وهذا يا ولدى ما أنت أهله} .



وهكذا يتضح لنا الأسس التي وضعها الأمير عثمان لمن بعده ومنها:

1. الإيمان العميق بالله عز وجل والعمل على اتباع أوامره وشريعته في شتى أمور الدولة.

2. مشورة العلماء وأهل الفقه والشرع في مجريات وأمور الحكم والنزول على رأى الشورى.

3. تحديد الهدف الذي قامت من أجله دولة بنى عثمان وهو إعلان كلمة الله ونشر دين الإسلام.

4. تحديد الوسيلة لتحقيق هذا الهدف وهو الجهاد في سبيل الله.



وفي سنة 726 هجرية توفي الأمير العظيم بعدما أسس دولة صغيرة مساحتها ستة عشر ألف كيلو متر مربع من الأرض ولكنها على تقوى من الله ورضوان وغاية جهادية جعلت هذه الدولة تمتد في ظرف قرن واحد من الزمان لتشمل آسيا الصغرى والبلقان ومعظم أوروبا الشرقية، ودحرت الدولة البيزنطية وفتحت القسطنطينية وأعادت الخلافة الإسلامية من جديد وتنشر الإسلام في قلب أوروبا، فجزاه الله عز وجل عن الإسلام كل خير


 

رد مع اقتباس