عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2005, 02:32 PM   #4
بحر الغموض
( عضو دائم ولديه حصانه )


الصورة الرمزية بحر الغموض
بحر الغموض غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5782
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 02-01-2006 (09:55 AM)
 المشاركات : 2,095 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


أبا فيصل ! وداعاً !

أهرب من الناس جميعاً ..

أخلو إلى غرفتي ..

أغلق باب الغرفة ..

مالي وللناس ؟

هم يعرفون الملك ..

رجل الدولة المحنك ..

مهندس التنمية الفذ ..

يعرفون مواقفه .. وسياساته ..

يعرفون منجزاته .. ومآثره ..

وأعرف هذا كله ..

ولكني أعرف فوقه .. ما قد لا يعرفون ..

أعرف الانسان المختفي وراء الملك ..

الطيبة التي تسكن رجل الدولة المحنك ..

الرقه في مهندس التنمية الفذ ..

أعرف مئات المرضى الذين حملهم الى العلاج ..

أعرف عشرات الأرامل اللواتي حمل إليهن الأمل .. والمأوى ..

أعرف الأطفال الذين أعطاهم جزءً من قلبه ..

أعرف الرجل الذي كان يبتسم ..

وقلبه يدمي من الداخل ..

الذي كان يضحك للناس ..

والهموم تمزق روحه ..

وأذكر عبر السنين .. حياتي معه ..

اواه ! كم أذكر من حياتي معه !

أذكر كيف كان وجهه يضيء ..

عندما أخبره أن قرية اضيئت بالكهرباء ..

وكيف كان وجهه يتهلل ..

عندما أقول له أن مصنعاً قد افتتح ..

أذكر زيارته للمستشفيات ..

وحديثه العذب الضاحك ..

الذي ينسي ساكني الأسرّة البيضاء .. أسرّتهم ..

أذكر النقود والثياب ..

يرسلها في ظلام الليل ..

إلى ذلك المستشفى في الطائف ..

ويقول .. لا تخبروا وزير الصحة !

أذكر كم كان كريماً معي !

اواه ! كم كان كريماً معي !

اذكر كيف استبقاني حتى الصباح ..

ذات ليلة في فاس ..

لينسيني قلقي على طفلي الصغير .. فارس ..

الذي كان وقتها بعيداً عني ..

تحت مبضع الجراح ..

أذكر كيف ضحك من الأعماق ..

مع ابني سهيل ..

حين كان طفلا طويل اللسان ..

قال له .. أن شاء الله تكون أطيب من أبيك ..

ورد سهيل بثقة إن شاء الله ..

وضحك .. وضحك ..

وقال : أنت صريح على الاقل !..

أذكر نصيحته التي يمتزج فيها الجدّ بالمزح ..

« هوّن على نفسك !

هل تريد أن تموت على المكتب ؟! »

أذكر كلمته الرقيقة كلما لاحظني أتململ ..

وكثيراً ما كنت أتململ :

« تذكرّ ! نحن في الخدمة معا !

ولا نخرج إلا معاً !.. »

لا !

لن أقول الآن كل شيء ..

سأطوي أضلعي على الذكريات ..

وأعرف أنها ستبقى معي حتى أموت ..

« نخرج من الخدمة معاً » ؟!

ها أنت ذا .. ذهبت وتركتني !..

بعد معاناة ملحمية مع المرض ..

وكنت تحتمل ما لا يحتمل ..

وتصبر على ما لا يُصبر عليه ..

حتى خفق السراج خفقته الأخيرة ..

ونبض الفؤاد نبضته الأخيرة ..

وأنا وحدي في وحشة الغرفة ..

أذرف الدموع التي حبستها طويلاً ..

وانا أراك تصارع المرض ..

أطلق لها العنان ..

وأتمتم :

أيها الرجل النادر !

أبا فيصل !

وداعاً ..

وإلى الملتقى في الجنة ..

إن شاء الله ..

بقلم : غازي القصيبي


 

رد مع اقتباس