عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-2005, 05:13 PM   #1
خالــــــــــــــــد
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية خالــــــــــــــــد
خالــــــــــــــــد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1646
 تاريخ التسجيل :  05 2002
 أخر زيارة : 16-09-2014 (01:24 PM)
 المشاركات : 711 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
السر الذى حير الالباب واذهل العقول



السر الذى حير الالباب واذهل العقول


ليلتانِ اثنتانِ يجعلهما كل مسلمٍ في ذاكرته ، ليلةٌ في بيته مع أهله وأطفاله منعماً سعيداً

، في عيش رغيد وفي صحة وعافية ، يضاحك أولاده ويضاحكونه ، يلاعبهم

ويلاعبونه ، والليلة التي تليها وبينما الإنسانُ يجر ثياب صحته منتفعاً بنعمةِ العافية

فرِحاً بقوته وشبابه ، لا يخطر له الضعف على قلب ، ولا الموت على بال ، إذ هجم

عليه المرض ، وجاءه الضعف بعد القوة ، وحلّ الهمُ من نفسه محلَّ الفرح ، والكدرُ

مكان الصفاء ، ولم يعد يؤنسه جليس ، ولا يريحه حديث ، قد سئم ما كان يرغبه في

أيام صحته ، على بقاءٍ في لبه ، وصحةٍ في عقله ، يفكر في عمرٍ أفناه ، وشبابٍ

أضاعه ، ويتذكرُ أموالاً جمعها ، ودوراً بناها ، وقصوراً شيدها ، وضياعاً جدّ وكدّ

في حيازتها ، ويتألم لدنيا يفارقها ، ويترك ذريةً ضعافاً يخشى عليهم الضَياع من

بعده ، مع اشتغال نفسه بمرضه وآلامه ، ولكن ما الحيلة إذا استفحل الداء ، ولم

يُجدي الدواء ، وحار الطبيب ، ويئس الحبيب ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما

كنت منه تحيد )

عند ذلك ، تغير لونه ، وغارت عيناه ومال عنقه وأنفه ، وذهب

حُسْنه وجماله ، وخَرُس لسانه ، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل ، ويسمع

ولا ينطُق ، يقلب بصره فيمن حوله ، من أهله وأولاده ، وأحبابه وجيرانه ، ينظرون

ما يقاسيه من كرب وشدة ، ولكنهم عن إنقاذه عاجزون ، وعلى منعه لا يقدرون

( فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا

تبصرون )

ثم لا يزال يعالج سكراتِ الموت ، ويشتد به النزع ، وقد تتابع نفسه ،

واختل نبضه وتعطل سمعه وبصره ، حتى إذا جاء الأجل ، وفاضت روحه إلى

السماء ، صار جثةً هامدة وجيفةً بين أهله وعشيرته ، قد استوحشوا مَن جانبه ،

وتباعدوا من قُربه ، ومات اسمه الذين كانوا يعرفون ، كما مات شخصه الذي كانوا

به يأنسون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، نعم .. إن أكبر واعظ للإنسان هو الموت ،

الذي قدره الله على خلقه ، وكتبه على عباده ، وانفرد جل شأنه بالبقاء والدوام ، فما

من مخلوق – مهما امتد أجله – وطال عمره ، إلا وهو نازل به ، وخاضع لسلطانه

( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون )



ولو جعل الله الخلود لأحد من خلقه لكان

ذلك لأنبيائه المطهرين ، ورسله المقربين ، وكان أولاهم بذلك صفوةُ أصفيائه صلى

الله عليه وسلم كيف لا ، وقد نعاه إلى نفسه بقوله ( إنك ميت وإنهم ميتون ) فالموت

، حتْم لا محيصَ عنه ، ولا مفرَ منه ، يصلُ إلينا في بطون الأودية ، وعلى رؤوس

الجبال ، وفوق الهواء ، وتحت الماء ، فلا ينجو منه ملائكة السماء ، ولا ملوك

الأرض ، ولا أحد من أنسٍ أو جن أو حيوان ، ولو كانوا في بطون البروج ،

وغياهِب الحصون

( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) ولو نجا

أحد من الموت لبسْطةٍ في جسمه ، وقوةٍ في بدنه ، أو وفرةٍ في ماله ، وسعةٍ في

سلطانه وملكه ، لنجا من الموت كثير من الناس ، وإلا فأين عاد وثمود ؟ وفرعون ذو

الأوتاد ؟ أين الأكاسرة ؟ وأين القياصرة ؟ أين الجبابرة والصناديد الأبطال ؟ فالموت

لا يخشى أحداً ، ولا يُبقي على أحد ، ينتزع الطفل من حضن أمه ، ويهجم على

الشاب الفتي ، والفارسِ القوي ، الموت على وضوحِ شأنه ، وظهورِ آثاره ، سرٌّ من

الأسرار ، التي حيرت الألباب ، وأذهلت العقول ، وتركت الفلاسفةَ مبهوتين ،

والأطباءَ مدهوشين ،

الموت !! كلمةٌ ترتجُ لها القلوب ، وتقشعر منها الجلود ، ما

ذُكر في قوم إلا ملكتهم الخشية ، وأخذتهم العَبرة ، وأحسوا بالتفريط وشعروا

بالتقصير فندموا على ما مضى ، وأنابوا إلى ربهم " ألهكم التكاثر * حتى زرتم

المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون "
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس