عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2005, 08:04 PM   #6
خالــــــــــــــــد
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية خالــــــــــــــــد
خالــــــــــــــــد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1646
 تاريخ التسجيل :  05 2002
 أخر زيارة : 16-09-2014 (01:24 PM)
 المشاركات : 711 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الاعتقاد بأن الاكتئاب والمرض النفسي لا يصيب الأطفال



الاعتقاد بأن الاكتئاب والمرض النفسي لا يصيب الأطفال

يلاحظ في مجتمعنا أن الأهل يسارعون باستشارة طبيب الأطفال في كل صغيرة و كبيرة من الأعراض التي تطرأ على أطفالهم إلا في حالة الأعراض النفسية فنجد أنها لا تلاحظ إلا متأخرا جدًا و حتى بعد أن تلاحظ نجد محاولة مستميتة منهم لإيجاد أي تفسير لهذه الأعراض غير كونها أعراض اضطراب نفسي فإذا في نهاية الأمرِ و جدوا أنفسهم مضطرين إلى الاعترافِ بأنها أعراضُ اضطرابٍ نفسي فضلوا عرضه على الشيخ أو إذا كانوا قد جربوه سابقا و عرفوه !!
فعلى طبيب المخ و الأعصاب لا الطبيب النفسي ! و عندما نتدبر الأمر نجد وراءه على الأقل مفهومين خاطئين ؛

المفهوم الأول : التسليم بأن عقل الطفل أصغر من أن يستوعب وجود مشكلات بالمعنى الذي يستوعبها به الكبار وهذه الفكرة تنطوي على أن مخ الطفل الصغير مازال غير قادر على التذكر، أو التعلم، بكفاءة، بما يكفى لتمرير الخبرات السيئة عليه دون أن تترك أثراً على "عقله الصغير". فكم يتكرر على أسماعنا القول بأن الطفل صغير السن "لا يفهم" أو أن "عقله ما يزال صغيراً" و كم يتكرر كذلك القول بأن الطفل الصغير لا يمكن أن تصيبه الأمراض النفسية لأنها في نظر أصحاب هذه المسلمات إنما تحدث بسبب المشاكل الحياتية التي لا يمكن أن تحدث للطفل الصغير و هو مرعي في كنف أبويه إلى آخر ذلك ؛ وكم يعد الاقتناع بهذه "المسلمات"، أو قبولها، تبريراً لرفع الحرج عن الكبار عند تعريض الأطفال الصغار، ولو سلبياً، لأنواع من السلوك الاجتماعي غير السوية، خاصة تلك المتسمة بالعنف اللفظي أو حتى البدني و كذلك تبريرا للتعامي عما قد يعانيه الطفل من اضطرابات نفسية يمكن أن يساعد الطبيب النفسي في التغلب عليها تماما خصوصا في مراحلها الأولى و يعرف كل طبيب نفسي في مجتمعنا نظرات الاتهام المتبادلة بين كل أب وأم أثناء عرض ابنهما أو بنتهما على الطبيب النفسي وربما تجاوز الأمر مرحلة النظرات إلى التصريح بالقول أحيانًـا .

غير أن الدراسات الحديثة في دراسة تكوين المخ، ونشاطه وقد تسارعت نتائجها، على صورة طفرة واضحة، في عقد التسعينيات، تقطع بأنه ليس أبعد عن الحقيقة من هذه "المسلمات". الأمر الذي 0ينطوي على تبعات جوهرية لفهم عملية تفكير الأطفال الصغار، وعملية التنشئة الاجتماعية بوجه عام؛ فجماع الرأي العلمي الآن أن المخ ليس مجرد جهاز عضوي ككل الأجهزة العضوية الأخرى يولد بها الإنسان ولا يتغير تركيبها بعد ذلك و إنما تزدادُ حجما فقط - كما كان يظن في السابق- وأن الاهتمام بتطوير مخ الطفل قبل الالتحاق بالمدرسة، بل منذ لحظة الولادة، أو حتى قبلها، أمر لا يدانيه أهمية، في تنشئة الطفل العقلية، أي اعتبار آخر. حيث تؤثر الخبرات التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من العمر تأثيراً بالغ الأهمية على معمار المخ، وعلى أدائه طول الحياة.

ومما لا شك فيه أن أي اضطراب نفسي يصيب الطفل إنما يفقده الكثير على مدى عمره كله لأن قدرة مخ الطفل في سنين عمره الأولى على التعلم و التشكل أكبر بكثير من قدرة الكبار أي أن ما يتعلمه طفل خلال شهر وهو في سن الثانية وما يمكن أن يطرأ على معمار دماغه من وصلات عصبية يفوق بمراحل ما يمكن أن يتعلمه الشخص الكبير خلال عام أو أكثر أي أن أي خلل وظيفي في مخ الطفل تنتج عنه خسارة معرفية لا يمكن تعويضها بعد ذلك ! وصدق من قال أن التعليم فقي الصغر كالنقش في الحجر !

المفهوم الثاني: نجد الإنكار (وأعني هنا الإنكار بنوعيه الواعي و غير الواعي)لإمكان حدوث مشكلةٍ نفسية لطفل يعيش في حماية والديه و بالتالي يصبح هذان الوالدان أكثر استعدادا لإنكار وجود مشاكل نفسية لدى أطفالهم نظرا لما يعنيه ذلك من تقصير في دورهما كوالدين ناجحين !!! لأنهما تسببا في إحداث مشاكل لدى طفلهم .

و جماع الرأي العلمي الآن أيضا أن الأمراض النفسية ليست ناتجة عن المشاكل و العقد و التربية الخاطئة إلى آخر ذلك من مفاهيم و إنما تنتج عن خلل كيميائي في عمليات المخ الحيوية أمكن إلى حد كبير قياسه وكذلك تصوير ما يدل عليه من خلال تقنيات التشخيص الحديثة و التي تعطى صورا يمكن من خلالها أخذ فكرة عن حالة مناطق الدماغ المختلفة وظيفيًا أو أن هذا على الأقل واحد من مظاهر الأمراض النفسية في الصغار و الكبار على حد سواء ؛ ثم أن الكثير من المفاهيم التي سادت في فترة الخمسينات من القرن الماضي حول دور أسلوب الأم والأب في التربية في تسبيب مرض كالفصام مثلا أصبحت الآن تحارب في البلاد التي نشأت فيها بعدما تبين أنها أضرت أكثر مما أفادت حيث كانت سببا في تخوف الأهل من اللجوء إلى الطبيب النفسي لما يمكن أن يترتب على ذلك من اتهام لأحدهما أو كليهما كما أن هذه النظريات لم يمكن إثباتها بطرق البحث العلمي الموضوعي !
والذي يعنيني هنا هو أن ظهور أعراض اضطراب نفسي على الطفل لا يعني بالضرورة فشل أبويه في القيام بدورهما ؛
و لنأخذ مثلا الآن من دراسة بينت تأثير - ليس اكتئاب الطفل الصغير نفسه بل - اكتئاب الأم على نمو المخ في الطفل فقد تبين في دراسة لداوسون ( جامعة واشنطون) أن أطفال النساء اللاتي يعانين من الاكتئاب يقاسون من نقص ملحوظ في نشاط النصف الأيسر الأمامي من المخ، وهو مرتبط بمشاعر البهجة والمرح وحب الاستطلاع. وعند بلوغ الثالثة من العمر، يبدى هؤلاء الأطفال مشاكل سلوكية واضحة.

ولكن تبين أيضاً أن الأمهات اللاتي يتغلبن على الاكتئاب قبل بلوغ أطفالهن الثالثة من العمر، أو ينجحن، رغـم الاكتئاب، في إضفاء عناية محبة عادية على أطفالهم، يتغلب الأطفال، بيسر، على المشاكل التي عانوا منها قبلاً. وفى هذا دليل على قدرة المخ الهائلة على التغلب على الصعاب التي تواجه مخ الأطفال الصغار بسبب فقر الاستثارة البيئية، إذا تحسنت الظروف المحيطة بهم.

و لكن الذي يعنيني أكثر في هذا المثال هو تصور مدى التأثير الذي يتركه اكتئاب الطفل نفسه على معمار دماغه حيث يؤدي اكتئاب الطفل إلى فقد الاهتمام بالحياة وبالمشاركة مع الآخرين و يؤثر على قدرة الطفل الاستيعابية أي قدرته على التعلم و إذا كنا قد عرفنا أن فترة الطفولة فترة لا تعوض من ناحية القدرات الاستيعابية للطفل فإن التباطؤ في طلب العلاج للطفل المكتئب يعد جريمة في حقه فمن المؤكد علميا الآن أن فترة السنوات العشر الأولى، وبوجه أخص فترة العامين الأولين، من العمر تلعب الدور المحوري في تشكيل معمار المخ البشرى، وقدرات الإنسان العقلية، طوال الحياة.

أما عن أنواع الاضطرابات النفسية التي تصيب الأطفال فالحقيقة هي أن :

1- كل منظومة الأمراض النفسية المعروفة في البالغين تحدث في الأطفال و إن أخذت في بعض الأحيان شكلاً خاصا بالمرحلة العمرية للطفل .

2- ثم يضاف إلى هذه المنظومة منظومة أخرى من الأمراض النفسية تحدث أصلا للأطفال فقط أي أنها تبدأ أعراضها في الظهور أصلا في سن مبكرة و من ذلك العديد من الأمراض المرتبطة بالمادة الوراثية أو الكروموسومات و كذلك أمراض أخرى كفرط النشاط الحركي مع قلة التركيز و غيرها الكثير .

3- و يضاف بعد ذلك كل ما يصاحب الأمراض العصبية المزمنة المعروفة بأنها تبدأ الظهور في فترة الطفولة من اضطرابات نفسية ثانوية مثل الاكتئاب مصاحبا للصرع و غيره الكثير .

و معنى ذلك أن عدد الاضطرابات النفسية التي قد تحدث للطفل أكبر بكثير من عددها في الكبار و هذا عكس المفهوم الشائع !

أما ما أود التنبيه له فهو اضطراب الاكتئاب واضطراب القلق في الأطفال نظرا لأنهما أكثر انتشارا وأقل احتمالا للعرض على الطبيب النفسي و بالتالي يترك الطفل دون مساعدة تذكر و لا ينتبه أحد إلى مدى الخسارة التي يخسرها الطفل معرفيا و نفسيا و اجتماعيا لأن الأعراض التي تبدو على الطفل نادرا ما يفهمها الأهل أو يهتمون بها ؛ فقد يعتري بعض الأطفال مزاج كئيب أحيانا يدفعهم إلى العزلة والانطواء واظهار الاستياء من بعض الأشياء . وربما يكون هذا شيئاً عابراً ، ولكن إذا استمر الوضع وتطور واصبح هذاالتغير يهدد صحة الطفل وحياته ، فإن الوضع يصبح مقلقاً ولا بد من معالجته .

وكذلك قد تظهر على الطفل أعراض القلق وتأخذ في أحيان كثيرة شكل الخوف من الذهاب إلى المدرسة أو الخوف من النوم وحيدًا على غير عادته سابقًـا إلى آخر ذلك من أعراض .

و من المؤسف أن هذين الاضطرابين تتوفر لعلاجهما الكثير من الخيارات لدى الطبيب النفسي بعكس ما يعرض عليه عادة من اضطرابات نفسية في هذا السن لم يتوفر لها العلاج المثالي حتى الآن كالنقص العقلي و مجموعة ذهانات الطفولة و انحرافاتها لكنها تجبر الأهل على اللجوء إلى الطبيب النفسي نظرا لغرابة أو شدة أعراضها .


 

رد مع اقتباس