الأمراض النفسية أعراضها نفسية بحتة ، ولا يمكن أن تظهر بأعراض عضوية
الأمراض النفسية أعراضها نفسية بحتة ، ولا يمكن أن تظهر بأعراض عضوية
وهـذا اعتقاد خاطئ بلا شك !!
فالعلاقَـةُ بينَ الأعراضِ النفسية و المرضِ العضوي و بينَ الأمْراضِ النفسيةِ و الأعراضِ العضوية متشابكةٌ إلى حَدٍّ كبير :
فالأعْراضِ النفسية قد تكون من مسببات المرضِ العضوي أو تكون أول ما ينبهنا إلى وجود مرضٍ عضْويٍ حادثٍ بالفعل أو على وَشَكِ الحدوث فهناكَ ارتباطٌ مثلا بين حدوث القلق و الاكتئاب و حدوث قصور في الدورة الدموية أو أمراض القلب و هناك ارتباط بين حدوث اكتئاب في مرضى الشرايين التاجية " الذبحة الصدرية " و حدوث نكسات أو تكرار الحالة !
و قد تكونُ الأعراضُ النفسية وفي مقدمتها الاكتئاب مُصاحبَـةً للمرضِ العضْوِيِّ أو نتيجةً لهُ فمثلا يكثر حدوث الأعراض الاكتئابية بعد الإصابةٍِ بالأنفلونزا أو الأمراض التي تسببها الفيروسات و كذلك تكثر الأعراضُ الاكتئابيةُ و أعراض القلق مع اضطرابات الدورة الشهرية أو في الفترة التالية للولادةِ ! و كثيرا ما يظهر المرض النفسي و خاصةً الاكتئاب بصورةِ أعراضٍ عضوية مثل اضطرابات المعدة والقولون و الصداع المزمن و آلام الظهر والمفاصل و الكثيرُ غيرها !
و الأمراض النفسية في حقيقة الأمرِ يمكن أن تظهر بإحـدى ثلاث صور:
مجموعة من الأعراض النفسية دون أن يصاحبها أية أعراض عضوية .
مجموعة من الأعراض العضوية كالغثيان والقيء وألم الظهر والأطراف ، دون أن يكون هناك أعراض نفسية واضحة مصاحبة ، مما يجعل المريض وذويه يعتقدون أن المرض عضوي لا نفسي ولقد زارت العيادة النفسية امرأة متزوجه تبلغ من العمر ثلاثين عاماُ تشكو فقط بأنها تتقيأ أي شيء تأكله تقريباُ ، دون أن يكون عندها أية أعراض نفسية واضحة . ولقد تم التدخل الجراحي في حالتها عدة مرات ، و أُدْخِـلَـتْ العديد من المستشفيات دون فائدة تذكر . وفي النهاية – كما هي العادة – تم تحويل هذه المريضة إلى العيادة النفسية ، وبفضل الله بعد عدة جلسات من العلاج النفسي – دون الحاجة لاستخدام العقاقير – انقطع القيء عنها ، فلم يكن عند تلك السيدة سوى بعض المعاناة والمشاعر النفسية التي لم تستطع أن تعبر عنها بشكل نفسي فعبرت عنها بشكل عضوي .
وَ يحْـدُثُ نفسُ الأمرِ في الأطفالِ الصغارِ حيث لا تساعِـدُ الطفلُ حصيلتهُ اللغويةُ و نموُّهُ المعرِفِيُّ في القدْرَةِ على التعبيرِ عن شكاواهِ النفسيةِ لما يحتاجُ إليهِ ذلكَ منْ قدْرَةٍ على التجريد فيكون الحل هو ظهور أعراض جسدية كالصداع و آلام البطن و غيرها الكثير .
وكذلك الاكتئاب عند كبار السن في المجتمعات الشرقية – بشكل خاص – فإنه يظهر في أحيان كثيرة بأعراض عضوية . وما تلك النوبات المتكررة من آلام البطن وأوجاع الظهر التي تصيب بعض العجائز – في بعض أنواعها – إلا نوبات متكررة من الاكتئاب ، ولكن العامة يصفونها بأنها أعراض الروماتيزم !! . وكذلك الحال عند بعض الرجال المسنين الذين فقدوا – مع تقدم العمر بهم – دور الآمر الناهي بسبب زواج الأولاد واستقلالهم بآرائهم ، فلم يعد لأولئك المسنين دور مهـم ، وبدأ يتسرب إلى أنفسهم الشعور بأنهم أصبحوا على هامش الحياة . ولذلك فإنهم ما بين الفينة والأخرى يشكون من بعض الأوجاع ، أو يبالغون في الشكوى من بعض ما يعانونه من أمراض سابقة بطريقة لا شعورية ، كل ذلك من أجل جلب اهتمام من حولهم والشعور بأنهم ما زالوا محط احترام وتقدير الآخرين .
وقد يحدث العكس فتظهر الأمراض العضوية بأعراض نفسية ، كما هو الحال في اضطرابات الغدة الدرقية و في سرطان البنكرياس والحمى المالطية وغيرها .
أما في الصورة الثالثة فقد تظهر الأمراض النفسية بمجموعة من الأعراض النفسية والعضوية في آن واحد ، وهو ما يحدث في أغلب الأحول ، كشكوى مريض القلق على سبيل المثال من خفقان القلب والعرق والرعشة في بعض أنحاء الجسم ( كأعراض عضوية ) ، إضافة إلى الخوف والتوجس وعدم الشعور بالاستقرار والطمأنينة ( كأعراض نفسية ) .
وَ أما ما يؤدي إليه هذا المفهوم الخاطئُ من مشكلاتٍ تزيدُ من معاناة المرضى فهو كثيرٌ في الحقيقة فإضافةً لتعريض المريض لفحوصٍ طبية متعددةٍ بحثا عن سبب لأعراضه هناك التأخيرُ في عرضه على الطبيب النفسي و ذلك في كثيرٍ من الحالات يؤدي إلى تأخـرِ الحالة طبيا مما تكون له انعكاسات على المآل المرضيِّ البعيد ، و كذلك في الحالات التي يكون فيها الاضطراب النفسيُّ مصاحبًـا لاضطرابٍ عضوي يؤدي إهمال الأعراض النفسية سواء من جانب الأهل أو الطبيب إلى تدهور المرض العضوي نفسه.
|