عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2005, 08:43 PM   #10
خالــــــــــــــــد
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية خالــــــــــــــــد
خالــــــــــــــــد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1646
 تاريخ التسجيل :  05 2002
 أخر زيارة : 16-09-2014 (01:24 PM)
 المشاركات : 711 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الأمراض النفسية و العقلية كلها بسبب المس والتلبس بالجن



الأمراض النفسية و العقلية كلها بسبب المس والتلبس بالجن

يشيعُ في المجتمعات العربية الاعتقادُ بأن الجن إذا ما لمس أو تلبس الإنسان فإنه يسبب الأمراض خاصة الأمراض النفسية و العقلية أو العصبية ، و الحقيقة أن الأمراض كلها في قديم الزمان كانت تعزى لمثل هذه الأمور الغيبية لكن انتصارات الطب المتوالية و اكتشاف الجراثيم ثم المضادات الحيوية و التي كان اكتشافها مشتملا على طريقة عملها أدَّت إلى سهولة الفهم على الناس فلم نعد نسمع بمن يتردد على الشيخ لكي يعالجه من التهاب في شعب صدره الهوائية يسبب له السعال و لم نعد نسمع بمن يزور الشيخ ليعالجه من الشعور بالحموضة الزائدة بعد تناول الطعام أو من الإسهال أو الإمساك مثلاً إلى آخره.

فقد أصبحت أسباب هذه الأمراض و مثيلاتها معروفة مشهورة لدى كل الناس و لديهم فكرة لا بأس بها عن أسبابها و طرق علاجها فلا تكاد اليوم تجد من يصدق إن التهاب الحلق مثلاً هو من فعل الجان !!! مع أن ذلك كان هو الحادث قبل فهم هذه الأمراض و معرفة أسبابها. لكن الأمر ليس كذلك في حالة الأمراض النفسية والعصبية و السبب أنه في حالة الأمراض النفسية كان التقدم الذي حدثَ متأخِّـرًا بعض الشيء عن الفروع الأخرى من الطب و تمثل أولا في اكتشاف الأدوية بالصدفة في أغلب الأحيان ثم استنتاج أسباب المرض بعد ذلك و إجراء التجارب التي تثبتها أو تنفيها ، و أما في حالة الأمراض العصبية فإن الكثير منها رغم معرفة أسباب حدوثه الباثولوجية فإنـهُ لم يكتشف له علاج مناسب حتى الآن و لا يتحسن الكثيرون من المرضى إلا قليلاً و أن كانت السنوات الأخيرة تشير بوضوحٍ إلى قفزات علمية هائلة في هذا المجال.

المهم هنا أن التقدم البطء في هذين الفرعين من الطب من حيث اكتشاف الأدوية و الاتفاق على الأسباب المرضية إضافة إلى طبيعة أعراض الاضطرابات النفسية و العصبية حيث تبدو غريبة في منظور عامة الناس فالبر غم من السلامة الظاهرة في شكل جسم المريض فلا هو بالذي ترتفع حرارته و لا هو الذي يحمر جسده إلى آخره إلا أنه يأتي بتصرفات أو يقول أقوالاً غريبة أحيانا تخالف شخصيته المألوفة أو يفقد جزء من جسده وظيفته كأن يتعطل الذراع أو القدمين أو أن المريض يرتمي مصروعا متشنجا على الأرض من تلقاء نفسه ؛ أو أن البنت الصغيرة تعجز عن و قف حركات متتالية لا إرادية في ذراعيها مثلا أو تبدو كمن لا تستطيع منع جسدها من التلوي !!!

هذه الطبيعة المحيرة بل و الموحية بعدم قدرة الإنسان على السيطرة عليها في أعراض الكثير من الأمراض النفسية والعصبية كان لها ولا شك دور في استعداد الناس لقبول تفسير غير مادي لها ، ثم في عدم استعدادهم لقبول التفسير المادي إذا سمعوا عنه بطريقة أو بأخْرَى، المهم أن الاعتقاد بأن الجن هم سبب منظومة الأعراض النفسية والعصبية أو أن دخولهم في جسد الإنسان يسبب هذه الأعراض لا يستند إلى أيِّ دليل في القرآن ولا في السنة المؤكدة و إذا دخلت في نقاش مع واحد من مؤيدي ذلك الاعتقاد فإن كل ما لديهم من أدلة من القرآن هو : قوله تعالى " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطانُ من المسِّ ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحَـرَّمَ الـربا فمن جاءَهُ موعظةٌ من ربِّـهِ فانتـهى فـلهُ ما سلفَ و أمْــرُهُ إلى الله ومن عادَ فأولئكَ أصحابُ النارِ هم فيها خالدون "
صدق الله العظيم"275 البقرة".

و الشاهد هنا كما يقولون هو الذي يتخبطه الشيطان من المس فهذا دليلٌ في رأيهم على وجود المس مع أن أي طبيب نفسي مسلم لا ينكر أن هنالك مس و هو عندهم دليل كذلك على أن مس الشيطان يؤدى إلى التخبط و هنا تكمن المشكلة فالتخبط هنا قد يكون تخبطا بالمعنى الفيزيقي أي تخبط الجسد بالأرض مثلا فيكون المقصود أن آكل الربا لا يقوم يوم القيامة من قبره إلا كالمصاب بنوبة الصرع و هذا تفسير ابن كثير وقد يكون التخبط تخبطا بالمعنى النفسي و يقصد به المعاناة و التيه و قد لا يكون المقصود أكثر من تشبيهٍ أراد به المولى عز و جلَّ أن ينفر العباد من أكل الربا و التعامل به و هذا رأي المتواضع. لكن الواضح على كل حال إن هذه الآية لا يمكنُ أن تكون دليلاً على أن ما نقابله كأطباء نفسيين خلال ممارسة مهنتنا من حالات مرضية هو بسبب المس خصوصا عندما يكون لدينا التفسير العلمي و العلاج فكم تدمى قلوبنا عندما يقنع الشيخ الهمام أهل المريض و المريضَ نفسه بأن استمراره على عقار مثل عقَّـار الكاربامازيبين مثلا سوف يمنع خروج الجن الذي يصرعه من جسده و أنه لابد لكي يعمل القرآن أن يوقف المريض علاجه لأن الصرع مس و الدليل قوله تعالى " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " و لا تكون النتيجة بالطبع إلا حدوث التشنجات بصورة متكررة قد تودى بحياة المريض في حين يؤكد الشيخ الجهبز أن الجان يعاند و يراوغ و يساوم على الخروج !!! .

و أما الدليل الثاني فهو قوله تعالى " وَ من يَـعْـشُ عن ذكر الرحمنِ نقيضْ له شيطانًـا فهو له قرين* و إنهم ليصُـدُّنَـهُم عن السبيل و يحسبون أنهم مُـهْـتَـدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني و بينكَ بُـعْـدَ المشرِقينِ فبئسَ القرين "
صدق الله العظيم " 36 - 38 سورة الزخرف "
و أظنه و اضحًـا كل الوضوح هنا أن الحديث القرآني في وادٍ و شيوخنا في وادٍ آخر فالقرآن الكريم يتحدث عن موضوع غواية الشيطان لمن يتغافل عن ذكر الله عز وجل و ليس عن أعراض نفسية أو عصبية تحدث بسبب اقتران الشيطان بالإنسان ! و من شاء فليرجع إلى أيٍّ من تفاسير القرآن.

و أما الثالثُ فقوله عز وجل " و اذكرْ عبْـدَنا أيوبَ إذْ نادى ربه أني مسَّنِيَ الشيطانُ بِـنُصْبٍ وَ عذاب " صدق الله العظيم " 41 سورة ص " ,و حسب تفسير ابن كثير فإن النصب في البدن و العذاب في المال و الولد ولم يأتِ ذكرٌ للأمراض النفسية هنا و إن كان مشهوراً أن مرض سيدنا أيوب كان مرضا جلديًّـا فهل كان المرض الجلديُّ أيضًـا من صنع الشيطان؟ بالطبع ليس هنالك من يقول بذلك ثم أن النص القرآني في قصة سيدنا أيوب عليه السلام في موضع آخرَ كانَ " و أيوبَ إذ نادى ربه أني مَسَّـنِيَ الضُّـرُّ وأنتَ أرحم الراحمين" صدق الله العظيم" 83 سورة الأنبياء". فهنا كان المس من الضر و ليس من الشيطان.

و أما الرابع فقوله تعالى " إن الذين اتقوا إذا مَسَّهُمْ طائفٌ من الشيطانِ تَـذَكَّرُوا فإذا هم مبصرون" صدق الله العظيم" 201 سورة الأعراف" ,يقول ابن كثير "في تفسير " إذا مسهم " أي أصابهم منهم من فسره بالغضب ، و منهم من فسره بمس الشيطان بالصرع و نحوه و منهم من فسره بالَهمِّ بالذنب و منهم من فسره بإصابة الذنب ثم في " تذكروا " أي تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيدِهِ فتابوا و استعاذوا بالله وَ رَجَعُوا إليه من قريب ثم في " فإذا هم مبصرون " أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه".

و الواضح أن الأمر كله بعيد عن الأمراض النفسية و إن اشتبهَ الأمر في حالة الصرع لكنه في جميع الأحوال واضح من جو الآية الكريمة و من الآية التي تسبقها "و إما ينزغنـكَ من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميع عليم" صدق الله العظيم" 200 سورة الأعراف" واضح أن الأمر يتعلق بغواية الشيطان للمؤمن حتى يقع في الذنوب و ما زاد على ذلك فهو تأويل لا يحتمله المعنى في حقيقة الأمر و هذا تعليقي المتواضع.

و فيما يتعلق بأدلَّـتهم من السنة النبوية المطهرة فسوف أكتفي بذكر الأحاديث الواردة في أحد الصحيحين أو كلاهما و التي تؤكد معنى تحفـز الشيطان للتأثير في بني آدم لأن الأحاديث الأخرى إنما تساقُ للتدليل على وجود الجن و هذه قضية لا يختلف فيها المسلمون من الأطباء كلهم؛ فعن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "إن الشيطان يجرى من ابنِ آدمَ مجرى الدم " "صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم " رواه البخاريُّ و مسلم.

و عن أبي سعيدٍ الخدريِّّ رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إذا تثاءَبَ أحدُكم فَـلْيُـمْسِكْ بيـدِهِ على فِـيـهِ فإنَّ الشيطانَ يدخل " صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم " رواه مسلم و الدرامي.
و ما أرى في هذين الحديثين أي إشارة إلى أن الفصام أو الاكتئاب أو الصرع أو أي من منظومة الأمراض النفسية و العصبية هي تأثيرات الشيطان.

وَ أما ما زاد الطينَ بـلَلاً في هذا الموضوع و ما يرد به المتحمسون لقضية أن الأعراض النفسية و العصبية إنما هي من أثر الجن فهو ما يحكيه الكثيرون و كأنه الدليل القاطع المانع على المس أو التلبس في المرضى النفسيين من أن الشيخ أنطق الجان و سمعه الحاضرون متكلما على لسان المريض و يقسم لك بعضهم أنها كانت امرأة تحدثت بصوت رجل أو العكس ويرون في ذلك ما يقنعهم لأنه لا تفسير له بالطبع عندهم إلا ما يقوله أو يظنه الشيخ من أن الذي ينطق هو الجنيُّ الذي يسكن جسد المريض ! مع أن الأمر غير ذلك في كل الأحوال للأسف الشديد!!!
و لكي أوضح هذا الأمر للقارئ فأنا مضطَـرٌ إلى شرح ظاهرة نفسية هي ظاهرة الإيحاء و القابلية للإيحاء و ما يتعلق بهما من أمور كالتنويم المغناطيسي و تأثير المُنـَوِّم على المُـنَـوَّمْ و مضطر إلى ذكْر ممارسات السواد الأعظم من الشيوخ في تعاملهم مع المرضى ؛ فأما الظاهرة الأولى فلأنها سببٌ في أغلب الأحوال لأن يفعل المريض و يقولَ ما يريدُه الشيخُ دون وعي أو إدراك منه وأما الثانية فلأن بعض المريضات بالذات يحكون لنا ما حدث لهن و اضطررن بسببه إلى فعل وقول ما يريده الشيخ وهن واعيات تمامَ الوعي.

معنى الإيحاء معروف وهو أن يُـقْـنِـعَ شخص أو حدثٌ ما شخصا آخرَ بمفهوم ما دون اشتراطٍ لوجود المنطق في هذه العملية أو بمعنى آخر أن تصدق أمرا ما و بسرعة دون دليل منطقي عليه. أما القابلية للإيحاءِ فهي أن يتصف شخص ما بهذه الصفة و الحقيقة أن كل الناس لديهم قابلية للإيحاء ولكن بدرجات متفاوتة جدا و بالتالي فهناك من تكون القابلية للإيحاء عالية لديهم سواءً من المرضى النفسيين أو من الأشخاص العاديين و يتميز أصحاب القابلية العالية للإيحاء بسرعة تأثرهم بالأحداث اليومية و الأخبار المثيرة و تفاعلهم القوي مع هذه المؤثرات،واهتمامهم بما قيل و ما يقال وأخذ ذلك في الاعتبار عند اتخاذ قراراتهم و مواقفهم في الحياة.

و يتميز هؤلاء الناس أيضًـا بقدرتهم على إحداث ما نسميه في علم النفس بالانشقاق أو الانفصال في الشخصية أو الوعي و ذلك عند الحاجة و دون إرادة بالطبع ؛ فالواحدُ منهم يمتلك القدرة على الهروب من مواقف معينة بالتحلل من شخصيته أو كينونته الأصلية أو من وعيه الحاضر و اكتساب كينونة أخرى أو وعيا آخر يناسب الظروف الجديدة ويحدث ذلك دون أن يقصده الشخص أي دون إرادة مسبقة منهُ و تذكر الدراسات الأمريكية أن حوالي 5% من الناس تكون قابليتهم للإيحاء عالية جدا لدرجة أن مجرد تركيزهم مع أي منبه منتظم كدقات الساعة مثلا أو صوت تنفسهم يمكن أن يدخلهم فيما يشبه النوم المغناطيسي من تلقاء أنفسهم !!
و التنويم المغناطيسي يعتمد على هذه الظاهرة الإنسانية و بالتالي فإنه كلما زادت قابلية المرءِ للإيحاء زادت قابليته للدخول في النوم المغناطيسي و زاد عمق هذا النوم أيضا ، و عندما يكون هناك منوِّمٌ و مُـنَـوَّم فإن واحدة من أهم الظواهر المشهورة في التنويم المغناطيسي هي وجود ارتباط نفسي شديد بين المنوَّم و المنوِّم خلال فترة النوم هذه و وجود رغبة شديدةٍ لدى المنوَّم في إرضاء و إسعاد المنوِّم !!!


 

رد مع اقتباس