القول المفيد في إبن معاوية ( يزيد )
أغلب علماء السنة يمتنعون من لعن المعين، تنزيها للسان عن فحشاء القول..
قال ابن تيمية رحمه الله : وقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة ???????? الذي تكرر منه شرب الخمر وجلده لما لعنه بعض الصحابة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه، فإنه يحب اللّه ورسوله) وقال: (لَعْنُ المؤمِن كقتله). متفق عليه.
هذا مع أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الخمر وشاربها، فقد ثبت أن النبي لعن عمومًا شارب الخمر، ونهى في الحديث الصحيح عن لعن هذا المعين.
وهذا كما أن نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى، والزاني، والسارق، فلا نشهد بها عامة على معين بأنه من أصحاب النار؛ لجواز تخلف المقتضَى عن المقتضِي لمعارض راجح؛ إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة، وإما شفاعة مقبولة، وإما غير ذلك كما قررناه في غير هذا الموضع، فهذه ثلاثة مآخذ.
وقد يقولون بلعن صاحب المعصية وإن لم يحكم بفسقه، كما لعن أهل صفين بعضهم بعضًا في القنوت، فلعن علي وأصحابه في قنوت الصلاة رجالًا معينين من أهل الشام؛ وكذلك أهل الشام لعنوا، مع أن المقتتلين من أهل التأويل السائغ العادلين، والباغين لا يفسق واحد منهم، وقد يلعن لخصوص ذنوبه الكبار، وإن كان لا يعلن سائر الفساق، كما لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنواعًا من أهل المعاصي، وأشخاصًا من العصاة، وإن لم يلعن جميعهم، فهذه ثلاثة مآخذ للعنته"
وقد ثبت في صحيح الباخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم). وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد، والجيش عدد معين لا مطلق، وشمول المغفرة لآحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحد من الظالمين، فإن هذا أخصّ، والجيش معيّنون.
ويقال: إن يزيد غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث.
ونحن نعلم أم أكثر المسلمين لا بد لهم من ظلم، فإن فتح هذا الباب ساغ أن يُلعن أكثر موتى المسلمين. والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين، ولم يأمر بلعنتهم"
وقوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكمم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم). وعيد عام في حق كل من فعل ذلك، وقد فعل بنو هاشم بعضهم ببعض أعظم مما فعل يزيد.
فإن قيل: بموجب هذا لعن ما شاء الله من بني هاشم: العلويين والعباسيين وغيرهم من المؤمنين"
يقول ابن تيمية من مجموع الفتاوى في ( يزيد): "
أنه كان ملكًا من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرا، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين، وفعل ما فعل بأهل الحرة، ولم يكن صاحبًا ولا من أولياء اللّه الصالحين، وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.
يقول ابن تيمية: " قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: إن قومًا يقولون: إنهم يحبون يزيد، فقال: يا بني، وهل يحب يزيد أحد يؤمن باللّه واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنه؟ فقال: يا بني، ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا.
وقال أبو محمد المقدسي لما سئل عن يزيد: فيما بلغني لا يُسَبّ ولا يُحَبّ.
وبلغني أيضًا أن جدنا أبا عبد اللّه بن تيمية سئل عن يزيد. فقال: لا تنقص ولا تزيد. وهذا أعدل الأقوال فيه وفي أمثاله وأحسنها"
ويقول ابن تيمية: " أما ترك سبه ولعنته، فبناء على أنه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه، أو بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه، إما تحريمًا، وإما تنزيهًا.
ومن اللاعنين من يرى أن ترك لعنته مثل ترك سائر المباحات من فضول القول، لا لكراهة في اللعنة. وأما ترك محبته، فلأن المحبة الخاصة إنما تكون للنبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وليس واحدًا منهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب).. ومن آمن باللّه واليوم الآخر، لا يختار أن يكون مع يزيد، ولا مع أمثاله من الملوك، الذين ليسوا بعادلين.
ولترك المحبة مأخذان: أحدهما: أنه لم يصدر عنه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته، فبقى واحدًا من الملوك المسلطين، ومحبة أشخاص هذا النوع ليست مشروعة، وهذا المأخذ، ومأخذ من لم يثبت عنده فسقه اعتقد تأويلًا.
والثاني: أنه صدر عنه ما يقتضى ظلمه وفسقه في سيرته، وأمر الحسين وأمر أهل الحرة.
وأما الذين لعنوه من العلماء كأبي الفرج ابن الجوزي، والكياالهراس وغيرهما، فلما صدر عنه من الأفعال التي تبيح لعنته، ثم قد يقولون: هو فاسق، وكل فاسق يلعن.
وبعد هذا التنبيه نرجع إلى ما قاله ابن تيمية في منهاج السنة:
القول في لعن يزيد بن معاوية:
"القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء وغيرهم، ويزيد خيرٌ من غيره: خيرٌ من المختار بن أبي عبيد الثقفي أمير العراق، الذي أظهر الإنتقام من قتلة الحسين؛ فإن هذا ادعى أن جبريل يأتيه. وخير من الحجاج بن يوسف؛ فإنه أظلم من يزيد باتفاق الناس.
ومع هذا فيُقال: غاية يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فساقاً، فلعنة الفاسق المعيّّن ليست مأموراً بها، إنما جاءت السنة بلعنة الأنواع،
كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق؛ يسرق البيضة فتقطع يده).
وقوله: (لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً).
وقوله (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وقوله: (لعن الله المحلل والمحلل له)
(ولعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها)
هل يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب:
يقول ابن تيمية: "ومن جوّز من أهل السنة والجماعة لعنة الفاسق المعين؛ فإنه يقول: يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحق للثواب، مستحق للعقاب، فالصلاة عليه لا ستحقاقه الثواب، واللعنة له لا ستحقاقه العقاب.
واللعنة البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيُرحم من وجه، ويبعد عنها من وجه.
وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة،.
وعلى هذا الأصل فالذي يجوّز لعنة يزيد وأمثاله يحتاج إلى شيئين: إلى ثبوت أنه كان من الفساق الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنه مات مصراً على ذلك.
والثاني: أن لعة المعيّن من هؤلاء جائزة.
ويتكلم ابن تيمية عن الإحتجاج بآية سورة هود قائلاً: "فأما قوله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين) فهي آية عامة كآيات الوعيد، بمنزلة قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً .... وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب، ولكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح: إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة.
فمن أين يعلم الإنسان أن يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب من هذه؟ أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ظلمه؟ ولم يبتل بمصائب تكفِّر عنه؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذللك لمن يشاء
لكن هل يرضى مسلم بقتل الحسين رضي الله عنه:
يقول ابن تيمية: "فلا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب، وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله، لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هو أفضل منه من النبيين، والسابقين الأولين، ومن قتل في حرب مسيلمة، وكشهداء أحد، والذين قتلوا ببئر معونة، وكقتل عثمان، وقتل علي، ولا سيما والذين قتلوا أباه علياً كانوا يعتقدونه كافراً مرتداً، وأن قتله من أعظم القربات، بخلاف الذين قتلوا الحسين؛ فإنهم لم يكونوا يعتقدون كفره، وكان كثير منهم أو أكثرهم يكرهون قتله، ويرونه ذنباً عظيماً، لكنهم قتلوه لغرضهم، كما يقتل الناس بعضهم بعضاً على الملك.
|