ملامح عن الحركة العلمية في الإسلام؟
خلف المسلمون حضارة علمية بارزة وتراثاً عظيماً انبعثت منه مختلف الحضارات وكانت أساساً لسائر العلوم ، مما جعلهم حقيقة صانعي الحضارة العلمية وروادها الأوائل وقد وضعوا الأسس العلمية المنطقية لفروع العلم المختلفة وكانت بداية الحركة العلمية الإسلامية مع بداية حركة التعليم الزاهرة وازدهار الترجمة عن الحضارتين الإغريقية والرومانية وانتشار المدارس الخاصة والعامة وحلقات الدروس في المساجد والبيوت والندوات العلمية ، أو ما يعرف بجوانيت الوراقين ، وكان الدافع في ذلك ما أحياه الإسلام في النفوس بتعاليمه السامية وتوجيهاته الرشيدة .
وقد كان العرب قبل الإسلام أمة أمية يسود فيها الجهل ولم تشتهر العرب بحرفة أو مهنة بارزة بين الأمم ، فكان الإسلام هو المحرك الفعال للحركة العلمية عند المسلمين ، والتي غرست في النفوس حب العلم والرغبة في التعلم .
الإسلام وأسس البحث العلمي :
إن أساس الحضارة أي حضارة على وجه الأرض يكون بمعرفة الإنسان لنفسه وواقعه وما يحيط به من أحياء وجمادات وما يمر به من سنين وما ينتظره من حياة ، ولا يكون هذا متوافراً بشكل صحيح وقاطع إلا باتصال الإنسان بخالقه واتباعه لتعاليمه الصحيحة المنزلة من عنده ، والتي تنظم حياته وتضع له الموازين القسط في كل تصرف وسلوك من غير أن تنتقص من نشاط معين أو تبالغ وتركز على أعمال محدودة وإن ظهر نفعها وغلب على الظن خيرها ، وهي بذلك على خلاف تعاليم البشر وأنظمتهم النابعة من شعور يسوده النقص ويغلب الهوى وإن تجرد وعدل ، فبوضوح التعاليم السماوية وتعبيرها الصادق للحياة وعلاقة الأحياء وغير ذلك من شئون الحياة ، هدأت النفوس المضطربة ، واتضح لها مسار الحياة الصحيح وصدقت في تصوراتها وانطلقت ترفض همجية الجاهلية وتيهها في سبيل إقامة حياة ملائمة ، لقد تيقنت النفوس أن المعتقد الصحيح بلا شك ركيزة أساسية لقيام الحضارة العلمية ، يقول أوغست كونت عالم الاجتماع الشهير " إن العلم الحقيقي لا يمكن أن يؤدي إلى القول بالإلحاد ولا بالمادية البحتة " ويقول أينشتاين " إن الإيمان هو أقوى وأنبل البحوث العلمية " كما يقول أميل درمنج في كتابه " القيم الخالدة في الإسلام " " إن حضارة الإسلام تقوم على رسالة سماوية نظامها الاجتماعي يقوم على أسرة متماسكة ونظامها الاقتصادي يعتبر المال وسيلة لا غاية ، ويحترم الملكية الفردية غير المستغلة ، وثقافتها تستخدم العقل في كسب المعارف ، ولا شك أن لدى المسلمين أكبر ذخيرة من القيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية " كما يقول غستاف لوبون في كتاب حضارة العرب " إن فلاسفة العرب والمسلمين هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين "
والإسلام بذلك يعد منبع الحضارة العلمية الأولى ، فقد شع على الأرض وانتشل ببريقه الناس من غياهب المادة الأرضية ، ومن طقوس الأديان المنحرفة ليحرر العقول ويربطها بخالقها فباتت تطلع إلى الأعلى حيث النور والهدى متبعة الحق الذي يرسم لها الفلاح في الدنيا والآخرة :
"أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " .
فبالإسلام كانت حياة النفوس ، وكان النور الهادي للناس ، المبين لهم طريق الخير والفلاح ن وكان لهم طريقاً للتقدم وقيام الحضارات التي هي في الواقع ذات جانبين رئيسيين يهتم الجانب الأول منها بحاجة البشر المادية وأسباب العيش الراغد ، وهذا ينبثق مما يكتسبه الإنسان عن طريق التجربة والممارسة ن وما يتوصل إليه بالبحث العلمي والتجربة المستمرة . أما الجانب الآخر فيتعلق بالإنسان نفسه وتوفير الطمأنينة والأمن النفسي له ليعمل كعضو فعال في مجتمع خلاق تكسبه المودة والإخاء ويلبسه حلل الأخلاق الفاضلة النبيلة ، ومرد هذا ومرجعه إلى تعاليم الله خالق الإنسان وموجد الحياة .
إن الذين لم تطمئن نفوسهم ، ولم تقلم أنياب شهواتهم ، ولم توجه رغباتهم هم أبعد من أن يقدموا للناس حضارة علمية متوازنة ، وما لدى المسلم من كنوز الدين وذخائره كفيل بتوجيه العلم الوجهة الصحيحة .
المنهج العلمي في كتاب الله الكريم :
إن من أهم أهداف الإسلام تزكية النفوس والارتقاء بها إلى مراتب سامقة لإبعادها عن أدران الأهواء وجموح الشهوات ، كما يقدم الدين الإسلامي أيضاً معايير دقيقة واضحة للأعمال البشرية تجد فيها النفوس الحوافز الكافية لكل عمل ، حوافز نحو الخير ، وزواجر عن الشر فكراً وعملاً واعتقاداً .
لقد جاء القرآن الكريم بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب وتصوير منافع الخير وأهله في أجمل صورة ، وإبراز الشر وأهله في أقبح وأذم حال ، وبيان المآل الطيب للخير الذي تشرئب له النفوس ، والعاقبة الوخيمة للشر الذي تنفر منه النفوس ، كل ذلك ليؤصل في النفس عمل الخير وحبه والبعد عن كل ما هو ضار وغير نافع ، وهذا هو أهم أساس للمنهج العلمي الراشد ، ألا وهو اشتغال الإنسان بما يعود عليه وعلى بني جنسه بالنفع ويعرض عن توافه الأمور وسفاسفها .
إلى جانب هذا فقد حض القرآن الكريم على التعلم ودعا إلى اكتساب العلم ونشره بين الناس ورفع من شأنه ومن شأن العلماء ، وإن كان هذا قاصراً على العلم الشرعي غير أن فيه دلالة على أهمية السعي والبحث لتحقيق الخير للعباد ، لقد جاء لفظ العلم ومشتقاته في القرآن الكريم حوالي 765 مرة ن وبلغت الآيات التي تدعو إلى التأمل والتفكر والتدبر والاعتبار وغير ذلك من استشفاف حقائق الكون نحو 750 آية أضف إلى هذا ما جاء في القرآن الكريم من قصص الأمم الغابرة المليئة بالمواعظ والعبر والتي تطلق الفكر للتأمل في رحاب واسعة .
لقد كان أسلوب القرآن الكريم واضحاً بيناً يخاطب العقل ويلامس العواطف ويهز النفوس بصدقه وروعته وبيانه ، وكان تدرجه وانتقالاته وفق مدارك البشر وملكاتهم حتى اعترف بذلك أعداء الإسلام ، حيث لا مناص لهم من ذلك ، فقد قال أليكس لوزون " خلَّف محمد للعالم كتاباً هو آية في البلاغة وسجل الأخلاق ، وهو كتاب مقدسي وليس من المسائل العلمية المكتشفة حديثاً أو المكتشفات الحديثة مسألة تتعارض مع الأسس الإسلامية ن فالانسجام تام بين تعاليم القرآن والقوانين الطبيعية " وقال جوته " إن تعاليم القرآن عملية ومطابقة للحاجات الفكرية " وقد أخبر الحق تبارك وتعالى بقوله :
" وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد "
وقال عز وجل :
" الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير "
والقرآن معجزة الإسلام الكبرى التي يعجز عن الإتيان بمثلها سائر الإنس والجن وأعوانهم ، وهو متناسق البيان محكم البنيان لا يأتيه الباطل ولا يطوله التحريف :
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " .
" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً " .
ولم ينزل القرآن ليكون كتاب علم تجريبي بين قواعد وقوانين الكيمياء والفيزياء والهندسة وغيرها ن بل أنزله الله هادياً ومرشداً للبشر لإصلاح المعتقد وإقرار شريعة الله الخاتمة ، وبيان فضل الأخلاق وفيه سعادة الدنيا والآخرة ن أما الحقائق العلمية فيه فهي من باب إيضاح الحق وتأييده كقوله تعالى :
" سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " .
والعلوم التجريبية قائمة كما هو معروف على ظاهرتين أساسيتين هما الحقائق الطبيعية التجريبية والنظريات العلمية ، وفي القرآن الكريم إشارات كثيرة للحقائق الطبيعية والتجريبية والنظريات العلمية ، وفي القرآن الكريم إشارات كثيرة للحقائق الطبيعية والسنن التي فطرها الله وأوجدها والتي لا تتبدل مع مر العصور أما نظريات العلم وافتراضاته وشروحه لتفسير هذه الحقائق فتتبدل وتتغير وفقاً لارتفاع مدارك البشر ودقة معايير الاستدلال لديهم ، وصدق الله العظيم :
" يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " .
|