عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2002, 03:31 AM   #3
الغالب حسن
عضو فعال


الصورة الرمزية الغالب حسن
الغالب حسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1354
 تاريخ التسجيل :  03 2002
 أخر زيارة : 09-06-2002 (03:01 AM)
 المشاركات : 34 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


عاش العرب قبل الإسلام حياة جاهلية في معتقداتهم ، تنتشر فيها الأمية حيث كان القراء والكتاب لا يتجاوزون سبعة عشر كاتباً ، فجاء الإسلام وشجع الناس على التعلم واكتساب المعرفة وأبرز لهم أهمية ذلك أيما إبراز ، إذ أوجد في النفوس طموحاً للتعلم ، وجعل المسجد دار العلم الأولى ، يجد فيها المسلم زاد الدنيا والآخرة وحرص الناس على تعليم أولادهم وتثقيفهم وتربيتهم استجابة لنداء الله تعالى :

" فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فأتقوا النار التي وقودها الناس " .

" يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة " .

وقول الرسول الكريم r " في الحديث المتفق على صحته " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " .

فكان الاهتمام بتربية الأجيال الصاعدة من الأبناء يمثل حركة التعليم الأولى والخطوة الابتدائية نحو حركة علمية زادها الوحي المنزل ، وتهدف إلى إعمار الدنيا وتحقيق الخير والعلاج والحرص على ما ينفع ، ثم أنشئت الكتاتيب وعمت حركة التعليم المنازل ، فعقدت الندوات العامة والخاصة بها ، وتحرر الفكر من أسباب الجاهلية وتخلص من أوحالها وتعلق بخالقه ، ولفت نظره الكون وما هو عليه من بديع صنع وإعجاز تركيب ، فأحس بحاجته إلى مواكبة الحياة ، حتى يكون جزءاً نافعاً فيها مكملاً لحركة الحياة ، شاعراً بما عليه من التزامات وماله من حقوق ، فإذا الكون الفسيح بسائر أرجائه الواسعة حلقة خصبة يجول بها فكر المؤمن ويرتع ، مستشعراً أن الله قد أوجده لعمارة الأرض واستخلفه عليها .

"هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها "
ويجب أن يكون هذا الاستخلاف بتحقيق عبادة الله التي هي غاية وجود البشر على الأرض ن والتي يتحقق بها استعلاؤهم وعزتهم ونفعهم .

" وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " .

فالدنيا إنما قامت من أجل تحقيق الدين وقيام الناس لرب العالمين ، وفي هذا صلاح للعباد وحياة طيبة لهم ، وهو قمة ما تدعو إليه الحضارة العلمية الراقية ، وهو الهدف الذي يتحقق منها إن وصلت إلى هذا الشأن :

" من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة "
"يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ".

هذا المفهوم السليم : أن بالدين حياة الإنسان الهانئة وسعادته وسبب فلاحه ونجاحه ورقيه وتقدمه وتميزه على سائر المخلوقات ، كانت انطلاقة الحضارة العلمية للمسلمين الأوائل ، وحقق الله على أيديهم إرساء قاعدة بل قواعد الحضارات كلها ، فالاستعلاء يكون للمؤمن : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .

والاستعلاء يكون لمن كان الله معه : " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم "

وبهذا انطلق المسلمون الأوائل من صحابة رسول الله r ومن تبعهم لتوطين هذه المفاهيم وتمكينها في النفوس ، وقد عانوا كثيراً في مرحلة التأسيس حتى أنهم لم يجدوا وقتاً كافياً لإظهار نتائجها المادية ، فشغلهم عن ذلك جهاد الأعداء والسعي الحثيث لنشر الدين وإقامة دولة الإسلام ، وقد كانوا يحملون تلك البذرة التي بدأت في النمو والازدهار عندما استقر الحال واستتب الأمر ، ، فحقق بذلك الرعيل الأول صحة المنطق والتوجه ، الصادق وكان الإنتاج والتنفيذ فيما بعدهم من عصور .

وهكذا كانت بذرتهم الأولى بدارة حركة العلوم في العالم النابعة من أصول صحيحة والمستمدة من منابع سليمة صافية فحق لها أن تنمو وتزدهر .



ازدهار العلوم لدى المسلمين :

لقد حقق سلف هذه الأمة من صحابة رسول الله r ومن تبعهم المنطلق الحضاري الصحيح ، وحددوا بما حفظوه من وحي وسنة معالم مضيئة في طريق التقدم والرقي وقيام الحياة السعيدة الراغدة في ظل تحقيق شرع الله مما ساهم في انتشال الناس من ظلم أنفسهم ، وظلم بعضهم لبعض فلما استقر حال المسلمين وأخذوا بالأسباب المادية التي جاءت واضحة في ثنايا تلك المعالم الخيرة ووفقاً لأسس الانطلاقة الراشدة ازدهرت حياتهم وتسلموا زمام العلوم وريادة الفكر وزعامة الأمم .

وهكذا وجد العالم الباذل وقته وجهده في تحصيل العلم والمعرفة والنهل من ينابيعها الصافية ووجد طلبة العلم السعادة في تحصيله ووجد الباذلون من أموالهم والساعون في سبيل إرساء قواعد العلوم ، وحث الناس على التعلم ، فأنشئت المدارس المنتظمة التي كانت كالجبين الناصع في تاريخ الأمة الإسلامية فكانت المدرسة النظامية التي0 بناها نظام الملك في بغداد ، والمدرسة النورية الكبرى التي بناها نور الدين الزنكي في دمشق وغيرها في القاهرة وبغداد وبلاد المغرب ، والتي امتدت منذ القرن الخامس الهجري .


وقد كان للمكتبات دور كبير في تنشيط الحركة العلمية ودفعها ، إذ لم يقتصر دور هذه المؤسسات العلمية على خزن الكتب وتجميعها وتصنيفها ، بل كانت تقوم بعقد النوادي الفكرية ، وتقيم المناظرات والمناقشات وتثري حركة التعليم بتشجيع التدوين والتأليف والترجمة وإرسال البعثات ، وما أكثر ما عقد من حلقات للدارس واستقطاب للمشاهير من العلماء وإكرامهم فكانت ملتقى علمي وخلية يدور حولها الدارسون ينهلون مما تكتنفه جنباتها من كنوز نادرة قيمة .

وتعد بيت الحكمة من اشهر المكتبات وأبرزها دوراً وتأثيراً في النهضة العلمية الإسلامية حيث ازدهرت في عهد المأمون الذي جند لها عدداً كبيراً من المتخصصين في ترجمة العلوم ، فجاءت تحمل زبدة الفكر اليوناني والفارسي والهندي واشتهرت في الفلسفة والمنطق والطب والفلك .

لقد كان للترجمة دور كبير في النهضة العلمية عند المسلمين فلم تمض ثمانون عاماً على تأسيس بغداد حتى قرأ المسلمون بلغتهم العربية معظم حضارة اليونان العلمية وفلسفات وعلوم الفارسية والهندية ، وانتشر العلم وبرز العلماء الذين يشار لهم بالبنان بينما كان الجهل والضلال يسود العالم الغربي ، بل العالم كله شرقه وغربه حتى قال هياتي في كتابه تاريخ العرب " بينما كان الرشيد والمأمون يخرجون كنوز الفلسفة اليونانية كان معاصروهم في الغرب من أمثال شارلمان وسادة مملكته يتعثرون في كتابة أسمائهم " .



من آثار المد العلمي الإسلامي :

خلف المسلمون حضارة علمية بارزة وتراثاً انحدرت منه مختلف الحضارات وكان أساساً لسائر العلوم ومنبعاً لكل رقي وتقدم حقيقي عرفه الناس ، وليس فخراً أن نقول : إن علماء المسلمين كانوا أول من أسس جامعة علمية كان مقرها في فاس ببلاد المغرب ، ,انهم أول من حاول الطيران وأنهم برعوا في الكيمياء و

والجبر واختراع الأرقام واكتشاف الدورة الدموية وبرعوا في علم التشريح ووضع قوانين علم الضوء في الفيزياء ، وغيرها ، بل إنه من الحق والإنصاف أن يقال هذا وأن يقر للمسلمين أ،هم صانعوا هذه الحضارة العلمية وروادها الأوائل وأنهم قد وضعوا الأسس العلمية المنطقية الراقية التي لم يعرفها علماء الغرب وغيرهم إلا بعد قرون بل إن سائر مكتشفات اليوم ومخترعاته كان للمسلمين مساهمة أولية ، مهما صغر حجمها في دفع حرة الاتجاه العلمي نحو البحث عنها والكشف عن مجاهيل كثيرة في طريق إيجادها وتطويرها .

ولا غرابة أن تجد كل منصف من المؤرخين وغيرهم يقر بهذا للمسلمين ويبين أنهم كانوا رواد الحضارة بل إن الحضارة قد ترعرعت واشتد عودها بجهودهم وعملهم الدؤوب فهذا جورج شارتون الفيلسوف المؤرخ يقول " المسلمون عباقرة الشرق في القرون الوسطى لهم مآثر عظمى على الإنسانية ، تتمثل في أنهم تولوا كتابة أعظم المؤلفات والدراسات القيمة ، وأكثرها أصالة وعمقاً مستخدمين في ذلك لغتهم العربية ، التي كانت بلا مراء لغة العلم للجنس البشري في الفترة الواقعة بين منتصف القرن الثامن الميلادي وحتى نهاية القرن الحادي عشر ، لدرجة أنه كان يتحتم على الشخص الذي يريد الإلمام بثقافة عصر وبأحدث ما يجري في العلوم أن يتعلم اللغة العربية " كما يقول لويو بونج أستاذ العلاقة الأجنبية بجامعة برنستون الأمريكية في محاضرة له " وبعد فهذا سرد تاريخي قصد منه التذكير بالدين الثقافي الذي ندين به للإسلام ، منذ أن كنا نحن المسيحيين نسافر إلى العواصم الإسلامية وإلى المعلمين ندرس عليهم العلوم والفنون وفلسفة الحياة " .

إن أثر الحركة العلمية الإسلامية على التراث العلمي العالمي أكثر من ذلك بكثير فقد تجاوز دور العامل الوسيط المؤقت للحضارة والدافع لزمامها فترة من الزمن ، والحامل لها والناشر للوائها ، وقد تجاوز العلماء المسلمين على دور التعليم والتوجيه والفضل في النبوغ والاكتشافات فقد كان للمسلمين الأوائل فضل تحويل منهج البحث العلمي من المجال النظري الفلسفي إلى المجال العلمي التجريبي باستخدام طرق الاستدلال الحسية والعقلية ن ثم استقراء واستنباط النتائج المعملية بخطوات منطقية تبدأ بالمقدمات النظرية وتحليل ظروف العمل وخطواته ثم اختيار الأدوات والآلات وشرح طريقة العمل بالتفصيل ، وهذا ما يسمى بمنهج البحث العلمي ، وهو المنهج الحديث للعلوم والأبحاث وعليه كان للمسلمين الفضل في تقدم العلوم وظهور الاكتشافات وغيرها .

لقد كان المسلمون أول من أوجد مثل هذا المنهج وعرفه للناس وأظهره لهم ، فكان أساساً متيناً للحضارة والرقي العلمي المشاهد اليوم ، وقد كان الفضل في إيجاد هذا المنهج العلمي الحديث لدى المسلمين الأوائل عائداً لتوجيه التشريع الحنيف من أمثال قوله تعالى : " يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " .

مما أصّل في نفوس المسلمين التوجه للجانب العلمي النافع والبعد عن السفسطات النظرية والفلسفات الجدلية التي كانت سائدة وطاغية على العلوم في تلك الآونة .

يقول بريفولت في كتابه في كتابه بناء الإنسان " إن ما يدين به علمنا للغرب ليس فيما قدموا من كشوف مذهلة لنظريات مبتكرة بل يدين لهم بوجوده نفسه ، فالعالم القديم كما رأينا لم يكن للعلم فيه وجود ، وقد نظم اليونان المذاهب وعمموا الأحكام ووضعوا النظريات ولكن أساليب البحث في داب وأناة وجمع المعلومات الإيجابية وتركيزها والمناهج التفصيلية للعمل والملاحظة الدقيقة المستمرة والبحث التجريبي كل ذلك كان غريباً تماماً عن المزاج اليوناني إن ما ندعوه العلم قد ظهر في أوربا نتيجة لروح من البحث جديد ، ولطرق من الاستقصاء مستحدثة ، وهذه الروح وتلك المناهج أوصلها العرب إلى العالم الأوربي "

وفي هذه الشهادة لبريفولت دلالة كافية على الأثر العظيم للحركة العلمية الإسلامية في إنشاء وإيجاد العلوم النافعة ، ووضع منهج البحث الجاد ، فأخذت العلوم والأبحاث عند تطبيقه طابعاً متميزاً من التطور الحثيث المستمر .


 

رد مع اقتباس