وش رأيك أمريكا و لا الدنمارك
الكره شعور إنساني مباح الاستعمال، مثله مثل كل الصفات الإنسانية السيئة والتي يحاول الناس تجنبها أو الوقوع في براثن تصنيفها ، ولكن الحقيقة أنه لا يوجد إنسان إلا وقد مارس الكره حتى لو كان تجاه قلم لم يكتب ، أو نوع معين من الأكل ، وأكثر حالات الكره ضررا تلك التي يتولد عنها ضررا اجتماعيا وأذى يلحق بالآخرين .
انتقل من هذه النقطة إلى نقطة مهمة جدا ، وهي السؤال الذي دائما ما اطرحه على الأصدقاء ، لماذا نكره أمريكا ..؟
تختلف الإجابات بحسب المعتقدات والمباديء التي يتخذها كل إنسان لنفسه، ولكن في المجمل يوجد خطوط عريضة يتراوح الجميع بينها ولا يختلفون إلا في صغائر خاصة ونظرات شخصية. هناك من يرى أنها دولة تسوق كل العالم تجاه الرأسمالية والليبرالية والعلمانية لتخدم مصالحها، ولا أدري لماذا يعتبر هذا أمر سيء في حين أن الدولة الإسلامية عندما امتدت من الشرق للغرب، أيضا رسخت الدين بما يخدم المجتمع والاقتصاد الخاص بالعقيدة الإسلامية، وهذا هو حال الدول المنتصرة، أن تجهز كل منطقة تصل إليها لتصبح أسوقها ومجتمعها مفتوحة و قادرة على تقبل كل إنتاج تلك الدولة المنتصرة سواء الفكري أو الاقتصادي .
الآخر: يدور حول كواليس الأمريكان ويتقن تتبع الوثائق والبرامج التي تفتح ملفات سرية، ليتحدث بكل شغف واقتناع عن نظرية المؤامرة العالمية، وكيف أن أمريكا تمكنت من امتلاك حتى القدرة على تغيير المناخ والبيئة لتصبح شريكة لله سبحانه وتعالى في قوته وقدرته، فهو يتهمها بحتى المجاعة في الصومال، وبتهمها بالزلازل في كل مكان، حتى انه يتهمها بالأعاصير التي طالتها في قعر دارها، وبطريقة ما تنساق المقدمات المنطقية لتؤيد وجهة نظره، ولا اخفي عليكم، أن المنطق والحقائق هي أجزاء صالحة للاستعمال لكل سيناريو قادر على ربطها بسلاسة تتقبلها العقول المتلقية، وهذا ما يحدث بالضبط تجاه أمريكا حال التحدث عن نظريات المؤامرة. ولكن في المقابل لو تحدثنا عن النظريات والمؤامرات التي تدور في كواليس الأنظمة الحاكمة، فتاريخنا يشهد كميات هائلة من ذلك وما قيام الدول الاسلامية المتتالية وسقوط إحداهن على أقدام الأخرى الجديدة إلا بعد سلسلة طويلة من المؤامرات والاتفاقيات. وهكذا أيضا أرى أن من حق أمريكا أيضا كدولة قوية أن تخدم مصالحها بنظرية المؤامرة.
المهم والشخص الذي لم يبدي أي ملاحظة كان دائما يحك لحيته ويمطها بين الحين والآخر ينتظر من الجميع السكوت، وعندما تحدث، أطاح بكل المبررات التي أدلى بها الجميع قبله حول أسباب كرههم لأمريكا، واشر للفكرة الأزلية وهي العداء للإسلام والمسلمين، والاتفاق مع اليهود في إسرائيل من اجل تحقيق حلم دولتهم العظمى، والحق يقال كان أدائه رائعا بما يكفي ليجعل الجميع يتحسر على حالنا الآن ويزداد كرها وحنقا على أمريكا، فربطه لوعد بلفور وانتقال الرأسمالية والإدارة العالمية بواسطة اليهود من بريطانيا إلى أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، واللوبي الصهيوني وكيفية دعمه للتواجد الإسرائيلي عن طريق السياسة الأمريكية بالضغط على الاقتصاد الأمريكي، وغيره من الأحداث الحديثة كقصف أفغانستان واحتلال العراق أو بقول آخر ( تحرير العراق )، وتهديد سوريا، والضغط على الملف الإيراني، وغيره من الأحداث التي تجير صالح نظرته القوية بأنه صراع ضد الإسلام.
وحين أتذكر أن الإسلام دخل إلى دول العالم، لم يدخل فقط ليقبل جباه المسيحيين والمشركين ويتركهم على حالهم، بل دخل ليدعوهم إلى الإسلام، ويحارب الوثنية بكل أشكالها، وفرض الجزية على الذين رفضوا اعتناقه. وتأسيس دولة إسلامية في كل أنحاء الكرة الأرضية، وليس فقط نشر الإسلام، وهذا ما حصل في تواتر الدول الإسلامية، التي انشغلت فقط في تكوين الدولة على حساب تحقيق الدعوة الإسلامية، ولو تذكرنا كيف أن الدولة العثمانية ثار عليها العرب وهي آخر الخلافات الإسلامية، وكان قائدهم في ذلك البريطاني الشهير لورانس، لماذا نتهم أمريكا بفعل شيء نحن قمنا به قبل ذلك كعرب، الم يكن الشيء الأخير الذي يحسب للسلطان عبدالحميد انه رفض تسليم القدس لليهود، ومع ذلك تم دحر الدولة العثمانية وقيام القومية العربية مكانها. إذن نظريات المؤامرة ضد الإسلام شارك فيها المسلمون وشاركت فيها دول إسلامية، فلماذا نحمل أمريكا كل النتائج.
اعتقد أن الكره المتولد تجاه تلك الدولة هو ناتج عن ما يسمى ( ياليتنا مثلها ) أن الغيرة التي تصدر من شعوب مهزومة وضعيفة تجاه شعوب قوية ومنتصرة، هو ناتج عن الكره للذات، وانتقاص النفس أمام الكيان الآخر، عدم القدرة على الوصول إلى مستوى ذلك الآخر المتمثل في ( أمريكا ) هو سبب الكره الناتج، وفي المقابل الكره هذا لن يضر أمريكا ولن يدمرها، لأنه يعمل فقط على إحراق قلوبنا، ويساعد على تثبيط عزيمتنا، وتصبح الوسيلة الوحيدة لنا هي ( العاطفة ) التي تتصدر كل أحاديثنا وعناوين صحفنا ومجلاتنا، في حين أن أمريكا نفسها تعمل وتجتهد وتصنع ومجتمعها يتعلم وينتج ويتقدم، ونحن نكره ونكره ونكره ونكره، حتى انعكس ذلك على كل شيء له علاقة بأمريكا من قريب أو بعيد، لدرجة أننا بدأنا نكره بعضنا البعض لمجرد اختلاف أفكارهم، ونسمهم بأنهم أمريكي التوجه.
في الحقيقة اجتهادي الخاص يخبرني أنني متى تخلصت من كل مشاعر الكره، تجاه أي كيان، سوف يصبح أدائي الإنساني وإنتاجي العقلي مميز جدا، وتلك الانهيارات التي تصيب الجميع حولي حال سماعهم أخبار أمريكا، لم تعد تهمني كثيرا، لأن الواقع متى حدث يصبح ماضي ساعة التحدث عنه، فمثلا لو سألت أحدهم كم الساعة الآن، وأجاب أنها الساعة 02:00 AM سنكون قد تجاوزنا هذا الوقت المتمثل بكلمة ( الآن ) بعدد من الثواني أن لم يكن دقيقة حسب بعد ساعته عن عينه.
وأخيرا كان السؤال موجها لي....؟
لماذا تكره أمريكا..؟
أنا لا اكرهها ولكنني أحبها، والسبب في ذلك بسيط، أن أكثر ما يخيف الأعداء هي مظاهر الرضا والسرور التي تنطبع على وجوه خصومهم، فالكره هو الفاضح الوحيد لماكن الضعف. وفي المقابل أيضا أمريكا تنتج كثيرا من الأشياء التي أحبها، ومنها ( الكابريس )، لا أستطيع أن اكره أحدا يصنع لي شيئا أحبه دون أن أحبه، فمبدأ الثقة لابد أن يتولد عن حب، وكيف لنا أن نحلق بطائرات أمريكية ونسافر بسيارات أمريكية، ونتعاطى أدوية أمريكية، دون أن نثق بها كمُنتج أفضل من غيره، في الحقيقة أجدني مضطر لحبها جدا جدا جدا. فهي مثال المجتمع الحديث الذي استطاع تكوين نفسه من العدم ليغزو العالم كله.....
شكرا لكم
وشكرا لحبيبتي أمريكا
|