عرض مشاركة واحدة
قديم 24-05-2006, 03:48 PM   #2
قـمـر الزمان
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية قـمـر الزمان
قـمـر الزمان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15722
 تاريخ التسجيل :  01 2004
 أخر زيارة : 25-05-2008 (09:06 PM)
 المشاركات : 264 [ + ]
 التقييم :  52
لوني المفضل : Cadetblue



إني أسمعكم تتهامسون، تقولون : "فلسفة وأوهام" ؟
نعم ، إنها فلسفة ،
ولكن ليست كل فلسفة هذيانا ، وإنها أوهام ، ولكن الحياة كلها أوهام تزيد وتنقص ، ونسعد بها ونشقى ، أو شيء كالأوهام .
.
.
يحمل الرجلان المتكافئان في القوة الحمل الواحد ، فيشكو هذا ويتذمر ؛ فكأنه حمل حملين ، ويضحك هذا ويغني ؛ فكأنه ما حمل شيئًا.
.
ويمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد ، فيتشاءم هذا ، ويخاف ، ويتصور الموت ، فيكون مع المرض على نفسه ؛ فلا ينجو منه ، ويصبر هذا ويتفاءل ويتخيل الصحة ؛ فتسرع إليه ويسرع إليها .
.
ويُحكم على الرجلين بالموت ؛ فيجزع هذا ، ويفزع ؛ فيموت ألف مرة من قبل الممات ، ويملك ذلك أمره ويُحْكِم فكره ، فإذا لم تُنْجه من الموت حيلته لم يقتله قبل الموت وَهْمُهُ.
.
.
وهذا ( بسمارك ) رجل الدم والحديد ، وعبقري الحرب والسِلْم ، لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة ، وكان لا يفتأ يوقد الدّخينة من الدخينة نهاره كله فإذا افتقدها خلَّ فكرُه ، وساء تدبيره.
.
وكان يوماً في حرب ، فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة ، لم يصل إلى غيرها ، فأخَّرها إلى اللحظة التي يشتد عليه فيها الضيق ويعظم الهم ، وبقي أسبوعاً كاملاً من غير دخان ، صابراً عنه أملاً بهذه الدخينة ، فلما رأى ذلك ترك التدخين ، وانصرف عنه ؛ لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة بلفافة تبغ واحدة .
.
.
وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري أصيب في أواخر عمره بِتَوَهُّم أن في أمعائه ثعباناً ،فراجع الأطباء ، وسأل الحكماء ؛ فكانوا يدارون الضحك حياءً منه ، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود ، ولكن لا تقطنها الثعابين ، فلا يصدّق ، حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب ، بصير بالنفسيات ، قد سَمِع بقصته ، فسقاه مُسَهِّلاً وأدخله المستراح ، وكان وضع له ثعبانًا فلما رآه أشرق وجهه ، ونشط جسمه ، وأحس بالعافية ، ونزل يقفز قفزًا ، وكان قد صعد متحاملاً على نفسه يلهث إعياءًا ، ويئن ويتوجع ، ولم يمرض بعد ذلك أبداً .
.
ما شَفِي الشيخ لأنَّ ثعباناً كان في بطنه ونَزَل ، بل لأن ثعباناً كان في رأسه وطار؛ لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة ، وإن في النفس الإنسانية لَقُوىً إذا عرفتم كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب .


 

رد مع اقتباس