عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2006, 02:00 AM   #4
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الموسيقى و الغناء.. و إسلامنا.. دعوة للفكر سلسلة مقالات تناقش حكم الموسيقى و الغناء ف



أولاً : حُكْمُ استِعْمالِ آلاتِ المعازِف وَاستِماعِها
أذَكرُ ابتداءً بمقدمات مُهمَةِ سَبَقَ بيانها من قبل:
ا- الأصوات الموزونَةُ الخارِجَةُ من آلاتِ المعازِفِ طيبَة في الأسماعِ، حَسَنَةْ في العُقولِ، من أجل ذلكَ استُعمِلَت مَقاييسَ للأصواتِ الحسَنَةِ المحبوبَةِ.
كَما شُبهَ بها الصوت الحَسَنُ بقِراءَةُ القرآنِ، كَما قالَ النبي "ص" لأبي موسَى الأشْعَريً: "لَقَد أوتيتَ مِزْماراً من مَزاميرِ آلِ داوُدَ" (حديث صحيح متفق عليه.. أخرجه البخاري)
فشَبه حُسنَ صَوتِهِ بالمزمارِ، ولا. يُشَبهُ بمَذموم، فَقد قالَ النبي "ص" : "لَيسَ لَنا مَثَلُ السوء ".
وَقالَ التابعي الكَبيرُ أبو عُثمانَ النهدي: ما سَمِعت مِزماراً ولا طُنبوراً وَلا صَنجاً أحسَنَ من صوتِ أبي موسَى، إن كانَ ليُصلِّي بنا فنَوَد أنه قرأ البقرَةَ، من حُسنِ صَوتِهِ (أثر صحيح.. أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" بسند صحيح).
فكأنه يَقولُ: سَمِعْتُ أصواتَ المزاميرِ والطنابيرِ والصنوجِ، أي أحلى الأنغامِ الموسيقيةِ لهذهِ الآلات، فكانَ صَوْتُ أبي موسَى بالقرآنِ أحلى وأعذَبَ منها، فاستَساغَ التشبيهَ للصَّوتِ الحسَنِ بأصواتها، بجامِعِ الحُسنِ المؤثِّر في القُلوبِ.
2- وأن المعازِفَ لاحِقَة ببابِ العاداتِ لا بِبابِ العِباداتِ، وتقررَ في الأصُولِ أن (الأصلَ في كُل العاداتِ الإباحَةُ، ما لم يَرِد ناقلَ ينقُلُها إلى حُكم آخَرَ).
3- وأن ما استُدل به من النصوص على تَحريمها كآلات ضَعيفٌ نَقلاً أو خطَأ نَظَراً..
4- وأنَّ الكلامَ في مفرَداتِ الآلاتِ وإن تَفاوَتَت في أصواتها، كالكَلامِ في جُملتِها، لعدَمِ وُرودِ دليلِ يُصارُ إليهِ في التفريقِ، فإذا قُلنا بإباحةِ الدف والطبل والمزمارِ لورودِ نُصوصٍ أفادَت ذلكَ، لم يَكُن ذلكَ حاصِراً للمُباحِ منها، وإنما لكونِها أكثَرَ آلاتِ التاسِ في ذلكَ الزمانِ شُيوعاً، وحيثُ لم يَرِد بُرهانْ يُحتَج بهِ لمنعِ ما سِواها فهي مثلُها في الحُكمِ.
فإذا استَحضرتَ تلكَ المقدماتِ وَجَدتَها تدل بمجردها دونَ النظَرِ إلى أدلةِ سِواها على إباحَةِ استِعمالِ المعازِفِ واستِماعِها، وذلكَ لذاتِها دونَ اعتِبارِ الأغراضِ المطلوبَةِ أو المرفوضَةِ.
فالموسيقَى تأصيلًا: مُباحَةٌ ، وَهُوَ الأصلُ فيها، ولو على وَجهِ اللهو الفارغِ من القصد، ما دامَ الاشتِغالُ بها لا يفوت طاعةً، ولا يوقِعُ في مَعصِيَةِ، وَمِن صُوَرِ ذلكَ: الاشتِغالُ بها لإدْخالِ السرورِ، أو لدَفْعِ السآمَةِ والملَلِ وتَحقيقِ مُشتَهى النفسِ.
والقول بإباحَةِ شَيءٍ بِناءَ على مجرد انتِفاءِ الدليلِ التاقلِ عنها كافٍ ، لكن الشًأنَ هُنا أن النصوصَ جاءَت بحَوادِثَ تؤكًدُ القول بإباحَةِ الموسيقى تأصيلا، فمن ذلكَ:

ا- عَن عائشَةَ "ر":
أن رَسُولَ اللّه "ص" دَخَلَ عليها أيامَ مِنى، وعندَها جارَيتانِ تُغَنيانِ وَتَضْرِبانِ بدُفَينِ، وَرَسُولُ اللّه "ص" مُسَجى على وَجهِهِ الثوبُ، (وَفي رِوايَةِ: مُستَتر بثَوبِهِ) لا يأمُرُهُنَّ وَلا يَتهاهُن، فنَهَرَهُن (وفي رِواية: فانَتَهَرَهُما) أبو بكرِ، فكَشَفَ رَسولُ الله "ص" ثَوبَهًُ عن وَجهِهِ،، فَقالَ: "دَعهن (وفي رِوايَةٍ : دَعهُما) يا أبا بكر، فإنها أيامُ عِيد(حديث صحيح).
وَفي رِوايةِ أخرَى للحَديث، قالَت عائشَةُ: دَخَلَ عَلَي رَسولُ الله "ص" وعِندي جارَيتانِ تُغنيانِ بغِناءِ بُعاثِ ، فاضطَجَعَ على الفِراشِ وحَولَ وجههُ، ودَخَلَ أبو بكر فانتَهَرَني، وَقالَ: مِزمار الشيطانِ عندَ النبي "ص" ؟! فأقبَلَ عليهِ رَسولُ اللّه "ص"ِ، فقالَ: "دعهما".. فلما غَفَلَ غمَزتُهما، فخرَجَتا. وَكانَ يومَ عيدٍ ، يَلعَبُ السُّودانُ بالدَّرَقِ (التروس) وَالحِراب، فإمَا سألتُ النبي "ص" وأما قالَ: "تَشتَهينَ تَتظُرينَ؟!" فقلتُ: نَعم، فَأقامَني وَراءَهُ، خَدي على خَدهِ، وهُوَ يَقولُ: "دونَكُم يا بَني أرفِدَةَ"، حتى إذا مَلِلتُ قالَ: "حَسبُكِ؟ "، قلتُ: نَعَم، قالَ: " فاذهَبي " (حديث صحيح).
قلتُ: فهذهِ إباحَة صَريحَة للغِناءِ والعَزْفِ إظْهاراً للسرورِ يومَ العيدِ، وتقدَم بيانُ السببِ في إتكارِ أبي بَكرِ، وليسَ هوَ لتحريمِ ذلكَ.

2- وَعَن بُرَيدَةَ الأسلَمي، أنه، قالَ:
خَرَجَ رَسولُ الله "ص" في بعض مَغازيهِ، فلما انصَرَفَ جاءتْ جارية سَوداءُ، فقالَت: يا رَسولَ اللّه، إنًي كتتُ نَذَرتُ إن رَدكَ اللهُ سالماً أن أضرِبَ بينَ يدَيكَ بالدف وأتَغَنى، فقالَ لَها رَسُولُ الله "ص": " إن كُتتِ نَذَرتِ فاضرِبي، وإلا فَلا!"، فجعَلَت تَضرِبُ. وذكَرَ بقية الحديثِ. (حديث صحيح)
قلت: فهذا الحَديثُ حُجة قوية في إباحَةِ العَزفِ والغِناءِ بغيرِ مَحذورِ! وذلكَ لأن النَّبي "ص" قالَ في الحديثِ الصحيحِ: "مَن نَذَرَ أن يطيعَ اللة فليُطِعهُ، وَمَن نَذَرَ أن يَعصِيَهُ فَلا يَعصِهِ " ، وَقالَ: "لا نَذْرَ في مَعصيةِ الله"، وفي رِوايةِ:"لا وَفاءَ لنَذرِ في معصية".
فلو كانَت هذهِ المرأةُ نَذَرَتْ مُحرماً لَما أذِنَ لَها النَّبي"ص" بالوَفاءِ به، وإنما أذِنَ لَها به لكونِها نَذَرَت مُباحاً.
وَلاحِظ أنَّ التبيَّ"ص" جعَلَ النذرَ هوَ علةَ الإذنِ، وليسَ لمقامِهِ وَشَخصِهِ "ص"، كما قد يتعلقُ به بعضُهُم، ألم تَرَه قالَ: "إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبي، وإلا فَلا"؟
وهذا من أبلغِ ما يكونُ في رَدٌ زَعمِ مَن زَعَمَ أن العَزفَ بالدفوفِ والغِناءَ لا يحل إلا في عُرس وَعيدٍ ، فلم تكُن هذهِ المناسَبَةُ عيداً ولا عُرساً.
قد جَمعَ الكُل معنى السرورِ، فالعُرس والعيدُ وقُدومُ الغائبِ العَزيزِ مُناسَباتُ سُرور، فأبيحَ فيها العَزفُ والغِناءُ من أجل هذا المعنى، وهُوَ مَعنى يَقَعُ للإنسان في أحوالٍ مُختلفةٍ ، لا تَنحَصِرُ في هذهِ المناسَباتِ الثلاثِ، وذلكَ لأن الله تعالى لم يَمْنَعِ الإنسان في الأصل أن يفرح وأن يكونَ مَسروراً في أحوالِهِ المختلفَةِ، والنفس تَمَل الجد فتحتاجُ إلى بعض الأنس، فيكونُ ذلكَ مِما للمسلِمِ فيهِ سَعَة أن يدخل السرورَ على نَفْسِه ومَن يُحب، فحيثُ يحقق لَهُ الغِناءُ والعَزفُ هذا المعنى دونَ مُواقَعَةِ محذورِ فهذا مِما وَقَعَ الإذْنُ فيهِ من رسولِ الله"ص".

3- وَعَنِ السائبِ بنِ يزيدَ، "ر":
ان امرأة جاءَت إلى رَسولِ الله "ص"، فقالَ: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةيا عائشَةُ، أتَعرِفينَ من هَذِهِ؟"، قالَت:" لا، يا نبي اللّه"، فَقالَ: "هَذِهِ قَيْنَةُ بَني فُلانٍ ، تُحِبينَ أن تُغَنيَكِ؟"، قالَت: نَعَم، قالَ: فأعطاها طَبَقاً، فغَنتها، فَقالَ النبي "ص" : "قَذ نَفَخَ الشيطانُ في مِتخَرَيها" (حديث صحيح).
قلتُ: أعطاها النبي "ص" الطبَقَ لتَضرِبَ به، وَوُصِفَت بكونِها (قَينَة تغني)، وهَذهِ سِمَةُ المغنياتِ، ولا توصَفُ به إلا مَن كانَت تُحسِنُ الغِناءَ، وَمَن كانَ كذلكَ تهَيأ لهُ أن يَضرِبَ بأي شيء يُصدِرُ صوتاً بالضربِ عليهِ، فيأتي بهِ ضَرْباً مُتناسِباً معَ غِنائِهِ، نعَم الطبَقُ ليسَ بدُفّ ولا آلةٍ صُنِعَت للعَزفِ، ولكن الضربَ بهِ هُنا عَزف بِلا مِريَةٍ ، بقرينَةِ الغِناءِ.
وهَذا يؤكدُ ما تقدمَ ذكرُهُ من كونِ الآلَةِ لا يتَّصلُ بها حُكْم في ذاتِها، إنما الحُكمُ للأصوات حيثُ تُستَخدَمُ.
وقد رأيتُ ذاتَ يوم مَن أخَذَ عودَينِ، فصارَ يضرِبُ بهِما على صَفائحَ مَعدنيةِ مُستخرِجاً بذلكَ منَ الأصوات ما لا يختَلفُ عن أصْواتِ آلاتِ الموسيقى المعروفةِ.
والشاهدُ من هذا الحديثِ: أن الغِناءَ والعَزفَ فيهِ لم يقَعا في مُناسَبَة معينة، كعيدٍ أو عُرس، ولا يدل ظاهرهُ على أكثَرَ من أن ذلكَ وَقعَ تحقيقاً لبعض مُشتَهى النقسِ بالسماعِ، كَما يدل عليهِ قولهُ "ص": "أتُحبًينَ أن تُغَنيَكِ؟!" قالَت: نَعم.

4- وَعَن عائشَةَ "ر" قالَت:
بَينا أنا ورَسولُ اللّه "ص" جالسانِ في البَيتِ، استأذَنَت عَلينا امرأةٌ كانت تُغَني، فلم تَزَل بِها عائشةُ "ر" حتى غنت، فلمَّا غَنت استأذنَ عُمَرُ بنُ الخطَابِ، "ر"، فلمَا استأذنَ عُمَرُ ألْقَت المغنيَةُ ما كانَ في يَدِها، وخَرَجَت، واستَأخَرَت عائشَةُ "ر" عن مَجلِسِها، فأذِنَ لهُ رَسولُ اللّه "ص"، فضَحِكَ، فَقالَ: بِأبي وأمي، مِمَا تَضحَكُ؟ فأخبَرَهُ ما صَنَعَت القَينَةُ وعائِشَةُ "ر"، فَقالَ عُمَرُ: وأما وَالله لا، اللّه ورَسُولُهُ "ص" أحَق أن يُخشَى يا عائِشَةُ .

قلتُ: فهذا الحديثُ صَريح في إباحَةِ الغِناءِ، والضربِ مَعَه بشَيءٍ ، وظاهِرُهُ دونَ مُناسَبَةِ، وأن ذلكَ وَقَع من قَينَةِ تُعرَفُ بالغِناءِ، كما قالَت عائِشَةُ: "امرأة كانَت تُغني "، ثُم وصفها بكونِها مُغنيَة وَقَيْنَة، وهذا لا يُقالُ إلا فيمَن يُحسِنُ الغِناءَ ويُجيدُهُ.
فتأمَل ما لهذهِ الأحاديثِ من الدلالَةِ البينَةِ على فُسْحَةِ الشَريعَةِ السمحاءِ، أن يَقَعَ الغِناءُ والعَزْفُ بإذْنِ رَسولِ اللّه "ص"، وفي بَيتِهِ، المغنِّيَةُ فيهِ المرأةُ، والمستَمِعُ فيهِ الشابةُ عائِشَةُ "ر"، والشاهِدُ رَسول اللّه "ص"، يَقَعُ ذلكَ في أحوالٍ مُختلفةِ: تارةَ للفَرَحِ بالعيدِ، وتارةَ للسعادَةِ بمقْدَمِ الغائبِ، وتارةَ مُراعاةَ للشَابةٍ الحديثَةِ السن الحَريصَةِ على اللهو، كَما يَقَعُ ذلكَ مِمَن تُحسِنُ الغِناءَ والعَزْفً وتُعرَفُ بهِ، وأخرَى كانَت مُغنيةً لقَومِ تُنْسَبُ لهُم في مَهنَتِها تلكَ، كل ذلكَ والوَحيُ يَتزِلُ، في المجتَمَعِ الذي رباهُ رَسولُ الله "ص" وأدبَه.
وكُل هذهِ أحوال تُناسِبُ أصلَ اليُسرِ في دينِ الإسلامِ وتُجاريهِ.


 

رد مع اقتباس