عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2006, 02:00 AM   #5
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


انتقال حُكمِ الموسيقَي عَنِ الإباحَة:
والغَرَضُ المطلوبُ يَجعَلُ الموسيقى والغِناءَ مَطلوباً مَتدوباً، والغَرَضُ الممنوعُ يَجعَلُهُ مَمنوعاً، كَما هُوَ الشَّأنُ في كُل مُباح، وعليهِ فإن استِعمالَ واستِماعَ الموسيقى يَصيرُ باعِتبارِ ذلكَ الغَرَضِ إلى ثَلاثَةِ أحكام غيرِ أصلِ الإباحَةِ:

الأول: الاستِحبابُ.
وذلكَ حينَ يتحققُ بهِ مطلوب شَرعي، وهذا وَجدناهُ منصوصاً عليهِ في النًكاحِ، وذلكَ لعلَة إظهارِ النكاحِ وإشهارِهِ، وهوَ فاصِلْ بينَ النكاحِ الحَلالِ والسًفاحِ الحرامِ، فالأول يُعلَنُ، والثَّاني يُسَر، فلهذهِ الغايَةِ أمَرَت الشريعَةُ بالعَزفِ والغِناءِ، وفي ذلكَ ثبَتَ من الأدلَةِ الصريحةِ ما يأتي:
ا- عَن مُحمد بنِ حاطِبِ الجُمَحي، قالَ: قالَ التبيُّ "ص":
"فَصلُ ما بَينَ الحَلالِ والحرامِ: الدف، وَالصوت في النكاحِ " (حديث حسن).

2- وَعَنِ الربَيعِ بِتتِ مُعَوِّذِ، قالَت:
دَخَلَ علي النبي "ص" غَداةَ بُنِيَ عَلَي، فَجَلسَ على فِراشِي كَمَجلِسِكَ مِني ، وَجُوَيرِياث يَضرِبن بالدف، يَتدُبنَ مَن قُتِلَ مِن آبائهِنَّ يومَ بَدرِ، حتى قالَت جارِيَة: وَفينا نبي يَعلم ما في غَدِ، فقالَ النبي "ص": (لا تَقولي هَكَذا، وَقولي ما كُتتِ تَقولِينَ " (حديث صحيح).

3- وَعَن أنَسِ بنِ مالكٍ :
أن النبي "ص" مَر ببعض المدينَةِ، فاذا هُوَ بجَوارٍ يَضرِبنَ بدُفهِن وَيتغنيْنَ، ويَقُلنَ:
نَحْن جَوارِ مِن بَني التجارِ * يا حَبذا مُحمَّد مِن جارِ
فقالَ النبي "ص": "اللهُ يَعلم إني لأحِبكُن ".
وفي رِوايه: أن النبي "ص" رأى صِبياناً ونساءَ مُقبلينَ مِن عُرس، فقام نَبي الله "ص"، فقالَ:"اللهُم أنتم مِن أحَب الناسِ إلي، اللهم أنتم مِن أحَب الناسِ إليَّ " يعني الأنصار.

قلتُ: فهذه الأحاديثُ ظاهرةُ الدلالةِ على استحبابِ العَزْفِ وَالغِناءِ في العُرس، وإن كان مقتصراً في جميعِها على الدف، فإنما ذلكَ لأنَّه الآلَة الميسورَةُ المشهورَةُ، وتقدمَ أن الدف مِعزَف، والضربَ به عَزف، ولم نَجد ما يُفرقُ بهِ بينَه وبينَ غيرِهِ كآلَةِ.

الثاني: الكَراهَةُ.
وذلكَ إذا كان السماعُ مفوتاً لطاعَةِ غيرِ واجِبةٍ معَ عدَمِ وُجودِ مُناسَبَةِ أو سَبَبِ يَقتَضيهِ.
وهَذا وَجَدْنا الدلالَةَ عليهِ في حَديثِ نافع مولى ابنِ عُمَرَ:
أن ابنَ عُمَرَ سَمِعَ صوت زَمارَةِ راعٍ ، فَوَضَعَ أضبُعَيهِ في أذُنَيْهِ، وعَدَلَ راحِلَتَه عن الطريقِ، وهُوَ يقولُ: يا نافعُ، أتَسْمَعُ؟ فأقولُ: نعَم، فيمضي، حتَى قلتُ: لا، فوَضَعَ يديهِ، وأعادَ راحِلَتَه إلى الطَّريقِ، وَقالَ: رأيتُ رَسُولَ الله "ص" وَسَمِعَ صوت زَمارَةِ راع، فصنَعَ مثلَ هذا.

قلتُ: فلما كانَ النبي"ص" مُستعملَا ساعاتِه في الطَّاعاتِ، كما في حَديثِ عائشةَ، "ر" قالَت: "كانَ رَسولُ اللّه "ر" يذْكُرُ الله على كُل أحيانِهِ "، كانَ في الاستِماعِ إلى الموسيقى انشِغالٌ عن تلكَ الطاعَةِ، ولم تَكُن هُناكَ مُناسَبة ولا سَبب يَقتضي السَّماعَ.
و مثل هذا السماع ليس حراماً، ولا إثم على مواقعه، فإن المكروه لا عقاب في فعله، لكن العاقل من يجتهد في تحصيل أضداد من أسباب كسب الثواب، و تعاطي المكروه مفوت للحسنات، باطل المكروه في حبائله، نسأل الله العافية في الدنيا و الآخرة، و أدناه: أن يفوت عليه به من المصالح ماهو أولى و أنفع له.

الثالث: التحريم.
و هو كل صوت من آلة، ولو كانت طبقاً، يًستعمل في تزيين الفجور و الفاحشة و يعين عليها، كسماع دور الفساد، و كل مايكون سبباً في تضييع الفرائض أو تفويتها.
و هذا وجدناه في أحاديث:
1- عن أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري، سمع النبي "ص" يقول : "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف، و لينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم-يعني الفقير- لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، و يضع العلم، و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم القيامة"
2- و عن غير واحد عن النبي "ص" قال:
"إن في أمتي خسفا و مسخا و قذفا"، قالوا: يا رسول الله، و هم يشهدون أن لا إله إلا الله؟ فقال: "نعم، إذا ظهرت المعازف، و الخمور، ولبس الحرير"
3- و عن جابر بن عبد الله، قال:
كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكَبَر و المزامير، و يتركون النبي"ص" قائما على المنبر و ينفضون اليها، فأنزل الله " و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها"
قلت: ففي الحديثين الأولين كانت الموسيقى سبباً للعون على معصية الله، فكانت ممنوعة بهذا الاعتبار، و تحريمها في هذا الحال من تحريم الوسائل الموصلة إلى الممنوع.

قلت: ففي الحديثين الأولين كانت الموسيقى سببا للعون على معصية الله، فكانت ممنوعة بهذا الاعتبار، و تحريمها في هذا الحال من تحريم الوسائل الموصلة إلى الممنوع.
و في الحديث الثالث، كانت الموسيقى فيه في مناسبة عُرس، و هي في الأصل مشروعة مندوبة، لكنهم حين لهوا بها معرضين عن رسول الله "ص" وهو قائم يخطب على المنبر يوم الجمعة ذمَّ ذلك منهم و منعوا منه، لما سبب من ترك الواجب ، فصار محظورا، كالبيع في تلك الساعة.

الموسيقى لغير اللهو:
هذه الأحكام التي ذكرت للموسيقى سماعا و إسماعاً، هي في باب الملاهي، حيث تتخذ للتلهي بها حين تتخذ لتحقيق لذة مشروعة لكنا وَجدناها أيضاً تُتَخَذُ لأغراضِ أخرَى سِوَى ذلكَ، كاستِعمالِ علماءِ الطب لَها لعِلاجِ بعض الأمراضِ العَصبيةِ، وتَخفيفِ المعاناةُ عندَ مُواجهَةِ بَعْضِ العَوارضِ الصحيًة، كالشَأنِ في استِعمالِ ما يسمى بـ (الموسيقى العلاجية: Music Therapy)، فيُعالِجُ بها الطب الحديثُ أنواعاً من العِلَلِ، كالاضطراباتِ والتخلُفاتِ العقليةِ التي تُصيبُ الأطفالَ والمراهقينَ والكبارَ والشيوخ، كذلكَ تُستَعمَلُ لتَخفيفِ المعاناةِ من أمراضِ تقدمِ العُمرِ، كمرض الزايمر Alzheimer's disease وغيرِه، وتُعالَج بها بعضُ حالاتِ الإصابة بآثارِ تعاطي المخدرات، وعُمومُ إصاباتِ الدماغ، وبعضُ الآلامِ المزمِنَةِ أو الحادةِ، كَما تُستَعملُ لتَيسير عملية وَضعِ الحَملِ، والتخفيفِ عن المرأةِ في حال الولادَةِ، ولتحسينِ حالاتِ التَخلفِ في النمو والتَعلُم، وغيرِ ذلكَ.
فهذهِ مَصلَحَة معتَبَرَةٌ لاستِعمالِ الموسيقَى، وإذا كانَ الأصلُ جَوازَ التلهي بها، فتَحقيقُ مَتفَعَةِ كهذهِ أولى بحُكْمِ الإباحَةِ.


 

رد مع اقتباس