عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2006, 02:06 AM   #6
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ثانياً: حكم الغناء
تَقدَمَ في جزئية التعريفات و الأصول ان (الغِناءَ): صوت يُوالى بهِ مرة بعدَ مرة بتَلحينِ وتَطريبِ، ويدخل فيهِ الصفير والتصفيقُ، ولا يختص بالحَي من جِهَةٍ كونِهِ (صَوتاً)، لِذا تُسمى أصواتُ الموسيقى (غناءً)، وآلاتُها (آلاتُ غِناءٍ ).
فمِن حيثُ التأصيلُ: فإن الغِناءَ كصوت مُجرد بغيرِ كَلام كالترنمِ مباح في الأصل، بِناءَ على أصل العاداتِ، ما لم ينقل عنها بدَليلِ خاص.
وإنْ كان أصواتَ الموسيقى فقد تقدم بيانُ حُكمِها، وأنها باقيَة على أصل الحل، تخرُجُ عنه بحَسَبِ ما تتخذ له.
وإن كانَ باعتِبارِهِ القول الملحنَ بشعر وكَلامِ مَتظومٍ ، فهوَ الذي نَعنيهِ في هذا المقامِ، فالنظَرُ فيهِ من جِهَتين:

الجِهَةُ الأولى: أداؤُهُ بالألحانِ.
اللحنُ: تَحسينُ الصوت بالأداءِ على صِفَة مَخصوصَة.
فهذا ليسَ في الشريعَةِ ما يَعيبُهُ البتةَ، والنفوسُ تستلذُّهُ بطَبعِها، بل من أجل أثَرِهِ في النفْسِ: نَفسِ المؤدٌي ونَفْسِ السامِعِ، حثتِ الشريعَةُ على التغني بالقرآنِ.
كَما في حَديثِ البَراءِ بنِ عازب، قالَ: قالَ رَسول الله "ص": "زَينُوا القرآنَ بأصواتكُم"، وفي لَفظِ: "حَسنُوا القرآنَ بأصواتكُم، فإن الصوت الحسَنَ يَزيدُ القرآنَ حُسناً".
وشُرعَ تَحسينُ الصوت بالأذانِ، كَما في حَديثِ عَبد الله بن زَيدِ بن عَبد رَبهِ الذي أرِيَ الأذانَ في المنامِ، قالَ: فلما أصبحتُ أتَيتُ رَسولَ اللّه "ص" فأخبرتُهُ بما رأيتُ، فقالَ: "أنها لرُؤيا حقِّ إن شاءَ الله، فقُم معَ بلال، فألقِ عليهِ ما رأيتَ، فليؤذٌن بهِ، فإنه أتدَى صَوْتاً منكَ ".
وَعَنْ أبي مَحذُورَةَ، قالَ: لَما خَرَجَ رَسولُ اللّه "ص" مِنْ حُنَيْن خَرَجتُ عاشرَ عَشرَةِ من أهلِ مَكةَ نَطلُبُهم، فسَمِعناهم يُؤَذنونَ بالصلاةِ، فقُمنا نُؤَذٌنُ نَستَهْزِئُ بهم، فَقالَ رَسولُ اللّه "ص": "قَد سَمِعْتُ في هؤلاءِ تأذينَ إنسانٍ حَسَنِ الصوت ، فأرسَلَ إلَينا، فأذنا رَجُل رَجُل، وكنتُ آخِرَهم، فَقالَ حينَ أذنْتُ: "تَعالَ"، فأجلسَنِي بينَ يَدَيهِ، فمَسَحَ على ناصِيَتِي وبَرََّكَ عَلي ثَلاثَ مرات، ثُم قالَ: "اذهَب فأذن عندَ البَيتِ الحَرامِ ".
فدل هذا على مُجاراةِ الطبائعِ فيما تستحسِنُهُ وتستلذهُ من الأصواتِ.
فلو كانَ اللَحنُ مما يُمنَعُ لَما صلحَ أن يَكونَ مُستحباً لذِكرِ اللّه وقراءَةِ القرآن وشَعيرَةِ الأذانِ التي تتكررُ على الأسماعِ خَمسَ مرات في اليَومِ والليلَةِ.
فإذا كانَ الأصل في اللحنِ الجَوازَ، فإن أهلَ صِناعَةِ الغِناءِ يُخرجونَه بالألحانِ المتَناسِبَةِ على نَغَماتٍ مُتناسِقَةٍ ، مَقسومَةٍ على أنماطِ مختلفة بحسَبِ المرادِ، واختلاقها كذلكَ بالنَّظَرِ إلى البيئةِ والبَلَدِ والزمَنِ والحالِ، فمنها القَديمُ، ومنها الحديثُ، ومنها القروي، ومنها الحَضري، ومنها البَدوي، واْسماؤُها لا تَنحَصرُ بحسَبِ أعرافِ التاسِ فيها، ففي بلادِ العَرَبِ اليوم أنماط: كالمقاماتِ، والموشحات، والمنلوجاتِ، والأهازيجِ، والأغانىِ الوطنيةِ، والحربيةِ، والأغاني الشعبئةِ السهلَةِ، والمواويل، وعندَ الغربيينَ من هذا أتماط لهم، وهكَذا.

والجِهَةُ الثانِية: الغِناءُ بالشعرِ ونَحوِهِ.
فَهذا يُراعَى فيِهِ ما يزيدُ على حُكمِ الموسيقَى أو الصَوتِ المجرَّدِ المطرَبِ بهِ، من مادًةِ الشعر أو القول المغنَّى بهِ، فإن كانَ كلاماً جائزاً في ذاتِهِ كانَ الغِناءُ بهِ كذلكَ، وإذا كانَ مَمنوعاً تَبِعَهُ حُكمُ الغِناءِ في المتعِ.
وَهذا عائد إلى قاعِدَةِ الشعر المبينَةِ في حديثِ عائشَةَ "ر"، قالَت: سُئِلَ رَسولُ الله "ص" عن الشعر، فقالَ: "هُوَ كَلامٌ ، حسَنُهُ حَسَنْ، وقَبيحُهُ قَبيح".
وَكانَت عائِشَةُ تَقولُ: "الشعر متهُ حَسَن، ومنهُ قبيح، خُذْ بالحسَنِ، ودَعِ القَبيحَ".
وعَن مُطرفِ بن عَبد الله بن الشخير، قالَ: صَحِبتُ عِمرانَ بنَ الحُصَينِ من البَصرَةِ إلى مكَّةَ، فكانَ يُتشِدُ في كُل يومِ، ثُم قال لي:"إن الشعر كَلامٌ ، وإن من الكلامِ حقا وباطلاً".
والذي يَجبُ اعتِقادُهُ في اعتِبارِ الحُسنِ والقُبحِ هُوَ حُكمُ الشرعِ، لا ما تَميلُ العُقولُ بمجردها إلى حُسنِهِ أو قُبحِهِ، ولا ما تَجري العادَةُ بقَبولِهِ أو رَفضِهِ.
وإذا عادَ الحُكمُ في الشعرِ إلى مادتِهِ، لم يكُن للوَزنِ والنَّظمِ تأثيرْ في الحُكمِ، وإن كانَ له في النفسِ وَقْعٌ لا يُنكَرُ.
كَما قالَ الحَليمي: "وَجُملَةُ ما يتميزُ به الغِناءُ المباحُ عن الغِناءِ المحظورِ: اْن كُلَّ غناءِ من الشعر المنظومِ فمعتَبَرْ به لو كانَ نَثراً غيرَ مَتظومِ، فإن كانَ مما يحل أن يُتكلَمَ بهِ مَنثوراً أحِل أن يُتكلمَ به مَنظوماً، وإن كانَ مما لا يحل أن يُستعمِلَ مَنثوراً لم يَحل أن يُستعملَ منظوماً".
قلتُ: وَهذا بناءً على أن الأصل في الكلامِ الإباحَةُ، وإنما يُمنَعُ منهُ القَبيحُ، والقَبيحُ ما اندَرَجَ تحتَ تَحريم أو كَراهَةٍ حتى لو اسْتُعذِبَ واستُلِذ، ففي المحرم والمكروهِ ما يُستَلذ، كالزنا فهُوَ قبيح شَرعاً لحُرمَتِهِ، مع ما فيهِ من اللذةِ، وقُبحُهُ من جِهَةِ اعتِبارِ العاقِبَةِ.
وَمن القَبيحِ: الكلامُ المشتَمِلُ على الكُفرِ، والفُحشِ، والقَذف، والطعنِ في الأنسابِ، ولَعنِ الناسِ وسَبهم، والدَعوَةِ إلى الزنا والخَمرِ بإغراءٍ وتَحسينِ وتَرغيبِ، وذِكرِ للنساءِ تغزلاً بهن والتِذاذاً بأوصافهن ،أو تَشويق النساءِ إلى الرجالِ- حاشا ما بينَ الزَّوجَينِ-، أو التَّشبيبِ بالمُردانِ، ما يثيرُ كَوامنَ الشهَواتِ ويَستَدعي خفي الرَغَباتِ، ليوقِعَ في مَعصِيَةِ الله وتَعدٌي حُدودِهِ.
فالشعر الذي يكونُ الغِناءُ بهِ جائزاً على هذهِ المقدمةِ هُوَ: كُل شعر لا يَشِتَمِلُ على ما هُوَ ممنوع شَرعاً من الكلامِ، مِثلُ الشعر المشتَملِ على عباراتِ الإلحادِ والكُفرِ ورد القَدَرِ ومدح الفَواحِشِ وشِبْهِ ذلكَ، مما يعرف حُكمُهُ من حُكمِ الكلامِ بهِ.
فإن قُلتَ: فأيْنَ يَكونُ من هذا الغِناءُ بالشعر العاطفيٌ كشعر الحُب والغَزَلِ، والشوقِ وا لألَمِ؟
قلتُ: ليسَ مُجردُ كونِ الشعر مُثيراً للعاطِفَةِ من حُب وشَوقٍ وفَرَح وحُرنٍ مما يَجعَلُهُ مَمنوعاً، بل الإنسان مَجبول بطَبعِهِ على التأثرِ بمِثلِ ذلكَ، وإنما أن يُستثارَ الشيءُ من ذلكَ بما لا يحل من الكلامِ، فالعِبرَةُ عندَئذ في حُكمِ ذلكَ الكلامِ في نفسِهِ، واستِثارَةُ العاطِفَةِ الكامِنَةِ بحَسَنِ القول في الأصل ليسَت مَمنوعة، بل مُباحَةْ جائزَة، ومنهُ استِثارَةُ العاطِفَةِ بالمواعِظِ، كَما تَكونً استِثارَةُ عاطِفَةِ الحُب أو الوَلاءِ لمن أو لِما يشرَعُ حُبهُ ووَلاؤُه.
نَعم، الكلامُ المباحُ في الأصل قَد يُستَعمَلُ في مَعصيَةِ اللّه، وعندئذٍ فإن حُكمَ الإباحَةِ يَزولُ عتهُ باستِعمالِهِ في الغَرَضِ الممنوعِ، فالتغني بِشِعْرِ العاطِفَةِ والغَزَلِ مباح في أصلهِ، لكنه إذا استعمِلَ للتوصلِ إلى شَهوَةِ محرمة، كانَ لهُ حُكمُ تلكَ الشَّهوَةِ.
لكن هذا التوعُ لا يُطلَقُ حُكمهُ في الأصل إلا الإباحَة، ولا يحل أن يُقالَ: صارَ حراماً باستِعمالِ شَخصٍ من الناسِ له وسيلةَ إلى الحرامٍ ، وإنما الحُرمَة مَقصورة على حالِ ذلكَ الشخصِ، لا مُطْلقاً، وهذا شأنُ كُل مُباحِ في الأصل يُتوصلُ به إلى الحرام، فإن الخرمَةَ فيه عارِضَةْ، لا تُزيلُ حُكمَة الأصلي الذي هُوَ الإباحَةُ.
وهذا الذي بينتُ من حُكمِ الغِناءِ مُطلَقاً، مؤيدْ بأدلةِ عَديدَةِ جاءَت جَميعاً على وِفاقِ الأصل الذي هُوَ الإباحَةُ، فمنها:
ا- عن خالدِ بنِ ذَكوانَ، قالَ: كُنا بالمدينَةِ يومَ عاشُوراءَ، والجَواري يَضرِبنَ بالدف ويتغنينَ، فدخَلنا على الربيع بنتِ مُعَوٌذِ، فذكرنا ذلكَ لَها، فقالَت: دَخَلَ علي رَسُولُ الله "ص" صَبيحَةَ عُرسي، وعندِي جارِيتالنِ تتغنيانِ وتَتدُبانِ آبائيَ الذينَ قُتِلُوا يوْمَ بدر ، وَتقولانِ فيما تَقولانِ: وَفينا نبي "ص" يَعلم ما في غد، فقالَ"ص" : " أما هذا فلا تَقولوهُ، ما يَعلم ما في غَدِ إلا اللّه ".
قلتُ: فدل هذا الحديث على أنَّ الغِناءَ بكُلٌ شعر مباح، للناسِ أن يَستَعمِلوا منه ما شاءُوا، إلَاً بشَيء دل على معنى باطلِ في الشرع، كالشأنِ هُنا في غِناءِ الجارَيتينِ بقولِهن: (وفينا نبي "ص" يَعلم ما في غَدِ). فنهى رسول الله "ص" عن قول ما يخالف الشرع و أباح سائر غنائها.
2- و عن أنس بن مالك : أن النبي "ص" مر ببعض المدينة، فإذا هو بجوارٍ يضربن بدفهن و يتغنين، ويقلن :
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار
فقال النبي "ص" : "الله يعلم أني لأحبكن"

3- و عن عبد الله بن عباس، قال : "أنكحت عائشة ذات قرابة لها "رجلاً" من الأنصار ، فجاء رسول الله "ص" فقال:"أهديتم الفتاة؟"، قالوا : نعم، قال :"أرسلتم معها من يغني؟" قالت : لا، فقال رسول الله "ص" :"إن الأنصار قوم فيهم غَزَل، فلو بعثتم معها من يقول:" أتيناكم أتيناكم، فحيانا و حياكم"


 

رد مع اقتباس