18-10-2006, 02:15 AM
|
#10
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 18661
|
تاريخ التسجيل : 09 2006
|
أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
|
المشاركات :
157 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
مُفرَدات الغِناء:
وَزيادةَ في البَيانِ، فإن القول في الغِناءِ من جهَةِ مُفرَداتِهِ، أنه عَلى ثَلاثَةِ أقسامٍ :
الأول: أن يَتَضَمنَ مَعانِيَ مَشروعَةَ، تُرغبُ في الفَضيلَةِ، وتَحثُّ على الخيرِ، فهذا جَميعُهُ مَشروع.
وذلكَ بمِثْلِ ما غنى بهِ المغني من قولِ الشاعر:
دَعِ الأيامَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ * وَطِبْ نَفْساً إذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لحادِثَةِ الليالي * فَما لحَوادثِ الدُّنيا بَقاء
وكُن رَجُلاً على الأهوالِ * جَلْداً وَشيمَتُكَ السماحَةُ وَالوَفاءُ
ومنهُ الغِناءُ بشعر الزهدِ أو الحِكمَةِ أو ما يُرغبُ في الآخِرَةِ، وشعر الابِتهالِ والتَّضرعِ، أو بِما يتضمنُ ذِكرَ اللّه تعالى والثناءَ عليهِ، كغِناءِ شعر رابِعَةَ العَدويةِ، رَحِمَها الله، في قولِها:
أحِبُّكَ حُبًيْنِ حُبَّ الهَوَى * وَحُبًّا لأنكَ أهْل لذاكا
فإما الًذي هو حُبُّ الهَوَى * فشَيء شُغِلْتُ بهِ عن سِواكا
وإما الَّذي أنتَ أهْل لَهُ * فكَشْفكَ للحجْبِ حتًى أرَاكا
وَما الحَمْدُ في ذَا ولا ذَاك لي * وَلكن لكَ الحَمْدُ في ذَا وذَاكا
والتغنِّي بمثلِ:
طَرَقْتُ بابَ الرجا وَالتاسُ قَد رَقَدُوا * وَبِتُّ أشْكو الى مَولايَ ما أجِدُ
وقُلْت: يا أمَلي في كُلِّ نائِبَةٍ * يا مَن عليهِ لكَشْفِ الضُّرِّ أعْتَمِدُ
أشْكُواليكَ أموراً أنتَ تَعلَمُها * ما لي على حَمْلِها صَبْر وَلا جَلَدُ
وَقَد بَسَطْت يَدي في الذُلِّ مُفتَقراً * إليكَ يا خيرَ مَن مدت إليهِ يَدُ
فلا تَردنها يارَبِّ خائبةَ * فَبَحْرُ جُودِكَ يَرْوي كُلَّ مَن يَرِدُ
أو كَشعر المديحِ لرَسولِ اللّه "ص"، كغِناءِ قَصيدَةِ أحمدَ شَوقي المعروفَةِ بـ(نَهجِ البُردَة)، والتي مَطلَعُها:
رِيمٌ على القاعِ بَيْنَ البانِ والعَلَمِ * أحَل سَفْكَ دَمي في الأشْهُرِالحُرُمِ
وَفيها يَقولُ، وَما أحسَنَ ما قالَ رحمه الله:
مُحمَّد صَفْوَةُ الباري ورَحْمَتُة * وَبُغْيَةُ الله من خَلْقٍ وَمِن نَسَمِ
وَصاحِبُ الحَوْضِ يَوْمَ الرُّسْل سائِلَة * مَتى الوُرودُ وجِبريلُ الأمينُ ظَمِي
البَدْرُ دونَكَ في حُسْنِ وفي شَرَف * والبَحْر دونَكُ في خيرٍ وفي كَرَمِ
شُمُّ الجِبالِ إذا طاوَلْتَها انْخَفَضَت * والأنْجُم الزُّهْرُ ما واسَمتَها تَسِمِ
أو قَصيدَتِهِ في مولِدِهِ "ص"، والتي مَطْلَعُها:
ولِدَ الهُدى فالكائناتُ ضِياءُ * وَفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وثَناءُ
الروح والملأ الملائك حوْلَهُ * للدِّينِ والدُّنيا بهِ بشَراءُ
ومنهُ غِناءُ المواسمِ الفاصلةٍ كأغاني الفَرَحِ بمَقْدَمِ شَهرِ رَمَضانَ، أو الحُزْنِ لفراقِهِ، والحَج.
ومنهُ الغِناءُ بِما يَزيد في الجد، ويُنشطُ على العَمَلِ، ويُحيي في النقسِ مَعانيَ الوَلاءِ للدينِ والوَطَنِ، كأغاني الجِهادِ والحَرْبِ، والأغاني الوطنية الخاليَةِ من العصبيةِ المنافيَةِ للشرعِ.
وَمِتهُ ما يُقصَدُ سَماعُهُ أو التغني به لدَفعِ الوَحشَةِ عن النفسِ، وطَردِ الملَلِ، دونَ مَفْسَدَةِ.
ومتهُ غِناءُ الأطفالِ بالأهازيج وشِبهِ ذلكَ، مما يتلهونَ بهِ، أو يُعَد لهُم، ومتهُ غِناءُ الأمهاتِ لتَنويمِ الَأطفالِ.
القِسمُ الثاني: ما يُحَزكُ العَواطِفَ وًيستثيرُ بَواطِنَ التفسِ.
فهذا متهُ ما يَستثيرُ في النفسِ الألَمَ والحُزنَ، وهوَ أنواع:
فمنهُ الأسَى على فعل المعاصي، وهوَ قليل في الغِناءِ، فهذا مَشروعْ حسَن.
كغِناءِ قول الشاعر ابتِهالاً:
يا رَب عَفْوَكَ أرتَجيهِ ورَحمةً * فالذنْبُ ذَنبي يا غَفورُ كَبير
إنِّي عصًيتُكَ في الحياةِ وإنني * بكَ مؤمِن وعلى فداكَ أسيرُ
يا رَبُّ اني قد أتَيتُكَ نادماً * وطَرَقتُ بابَكَ والفؤاد كَسيرُ
ارْحَمْ ذَليلاً واقفاً متضرِّعاً * يَرجو رِضا الرحمن وهُوَ قَدير
ومتهُ ما يَكونُ على فَواتِ نَيلِ المطلوبِ من وَصلِ المحبوبِ، فهذا وإن كانَ في أصلهِ جائزاً، لكنه لا يخلو من ذم، وذلكَ من جِهَةِ ما يَستثيرُ من الحَسرَةِ على شيءٍ فائت من مَتاعِ الدنيا ولذتها، وهذا كحالِ العُشاقِ فيما يَفوتُهم من الوُصولِ إلى من عَشِقوا حينَ يُحالُ بينَ أحدِهم ومَحبوبَتِهِ.
وَجَوازُهُ في الأصل ثابِتْ في قصة إتشادِ كعب بنِ زُهير قَصيدَتَه المشهورةَ بينَ يدي رَسول اللّه "ص"، وفيها هذا المعنى، ولم يُنكِرهُ عليهِ النبي "ص" ، والعِشقُ علة يُبتلى بها الإنسانُ، وَما دام المبتلى بهِ مُعافَى من مُواقَعَةِ المعاصي بسَبَبِهِ فهو مَعذور ، وإن كانَ مأموراً بعلاجِهِ كأي مَرَضِ يَنْزِلُ بهِ، وأن يَسعَى لعِلاجِهِ ودَفْعهِ بالوَصلِ المشروعِ.
والعِشقُ إذا نَزَلَ بإتسان فهُوَ قَدَر، لا يأثَمُ بهِ، وَمن أمثِلَةِ العاشقينَ في عَهدِ رَسولِ الله "ص" مِمن كانَ أمرُهُ ظاهراً، ولا يُتكِرُهُ رَسولُ الله "ص": مُغيث صاحِبُ بَريرَةَ، فقد كانا زَوجَينِ مَملوكَينِ، فأُعتِقَت بَريرَةُ فخُيرَت فيه، فتَرَكَتهُ، فكانَ يُرَى يَطوفُ خَلفَها يَبكي ودُموعُهُ تَسيلُ على لحيَتِهِ، فرَق له النبي "ص" وشَفَعَ فيهِ عندَ بَريرَةَ، فابت أن تَرجِعَ إليهِ، فكانَ النبي "ص" يَقولُ للعباسِ عَمهِ: "يا عباسُ، ألا تَعجَبُ من حُب مُغيثِ بَريرَةَ، ومن بُغضِ بَريرَةَ مُغيثاً؟)، والقصة في هذا المعنى عندَ البُخاري في "صَحيحه " (رقم: 4979) وغيرِهِ من حديثِ ابنِ عباس.
وأمثِلَةُ هذا فيما يتغنى بهِ المغنونَ من الشعرِ لا تُحصَرُ، وهذا أكثَرُ الغِناءِ، وقد قلبتُ وفَحَصتُ مَجموعات للكلماتِ الغِنائيةِ لمجموعَة من أشهَرِ المغنينَ والمغنياتِ في زَمانِنا، مِمن يَشيعُ غِناؤُهم وينتَشرُ انتِشارَ الهَشيمِ في النارِ في المُجتَمعاتِ، فوَجَدْتُ أكثَرَ تلكَ الكلماتِ- كما يُسمونَها- من هذا القَبيلِ، تَحكي في جُملَتِها آلامَ المحبينَ ولَوعاتِهم، وتَذكُرُ البعدَ والفِراقَ، والاعتِذارَ واللومَ والتَّذللَ والاشتِياقَ، ومتها ما يَذْكُرُ الألَمَ بِسَبَبِ غَدرِ المحبوبِ أو خِيانَتِهِ، إلى أحوالِ مَعروفَة من شأنِ الشعراءِ في كُل زَمان، على الوصف الَّذي قالَ الله تَبارَكَ وتعالى: (ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون..) ً الشعراء: 225،.
وذلكَ كغِناءِ مَن غنى بقَصيدَة الشاعرِ إبراهيم ناجي المعروفَة بـ (الأطلال)، والتي مَطلَعُها:
يا فُؤادي رَحِمَ الله الهَوَى * كانَ صَرْحاً من خَيالٍ فَهَوَى
وَمِن قولِهِ فيها:
ياحَبيبي، كُل شيءٍ بقَضاء * ما بأيدينا خلِقْنا تُعَساء
رُبَّما تَجْمَعُنا أقْدارنا * ذاتَ يَوْمٍ بَعْدَما عَز اللِّقاء
فإذا أنْكَرَ خِل خِلّه * وَتَلاقَيْنا لِقاءَ الغُرَباء
وَمَضى كُل إلى غايَتِهِ * لاتَقل شِئْنا، وقل لي الحظُّ شاء
وكَغِناءِ قول الشاعِرِ أحمدَ رامي:
غَلَبَ الشوْقُ غَلَبْ * والهَوَى طَبْعٌ عَجَبْ
كُلما قلتُ رَضِي * نالَني منْهُ غَضَبْ
فأدِرْ كأسَ الهَوَى * إن ذِكْرَ الحُب عَذْب
لائمي في حُبهِ * أي قلبِ ما أحَبْ؟
أيُّ غُصْنِ لَم يَمِلْ * إن نَسيمُ الفَجرِ هَبْ؟
أيُّ طَيْرِ لَم يَنُحْ * من حَنينِ أوطَرَبْ؟
ذابَ قلبي لوعَة * بينَ جد ولَعبْ
كيفَ يَحيا خالياً * من له عين وقلبْ
ومنهُ ما يكونُ بسَبِبِ الفِراقِ والبُعدِ، كمُفارَقَةِ الأوطانِ، والبُعدِ عن الأهلِ والأرحامِ والأصحاب، فهذا شَوق مَشروع في أصلهِ، مُطابقْ للجبلةِ، لا يُمنَعُ منه لذاتِهِ.
ومتهُ ما يكونُ بسَبَبِ الأسَى على تغيرِ الحالِ، وهذا أيضاً في أصلهِ مَشروعْ غيرُ مَذمومِ.
ومنهُ الغِناء بما يَستَثيرُ الشَهَواتِ، وُيرغبُ في تَحصيلِها، كالغِناءِ بِما يَصِفُ المرأةَ حتى كأن السامِعَ يَتظُرُ إليها، فهذا إن كانَ يَستثيرُ شَهوةً مَشروعَةً كالزوجِ إلى زَوجَتِهِ، أو الزوجَةِ إلى زَوجِها، فهو جائزْ. فإن قلتَ: قَد قالَ النبي "ص" : "لا تُباشِرُ المرأةُ المرأةَ فتَنعَتَها لزوجها، كأنه ينظر إليها" ، فهذا نهي عن ذكر أوصافي النساء.
قلت: هذا وصف من معينة لمعينة لشيء مستور لا يطلع عليه من المرأة أجنبي عنها، إذ المباشرة الاطلاع على الأوصاف الباطنة نظراً أو ملمساً، فإذا وقع للمرأة في حق امرأة أخزى لم يحل لها أن تُحدث زوجها أو سواه من الأجانب بما اطلعت عليه من أوصافها، فيغريه ذلك بها.
وما نحن بصدد فهو وصف لغير معينة، ثم هو أيضاً ذكر لما يلتذ بذكره من أوصاف النساء دون الإغراء بمعينة منهن، و هذا إذا لم يكن سائقا إلى معصية الله، فهو مباح، و قد وصف كعب بن زهير في "بانت سعاد" حبيبته بأشياء منأوصاف النساء، فلم ينهه النبي"ص" .
و الأصل جواز إنشاد شعر الغزل العفيف دون تعرض لمعينة لا تحل له، و دون الغزل الماجن.
إما إن كان يستثير شهوة ممنوعة ، فهذا ممنوع ، لترغيبه بتحصيل مالا يحل، و قد قال تعالى : "وتعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب" سورة المائدة 2.
و هذا النمط من مفردات الغناء.. نجل عن التفصيل فيه في هذا السياق.. و مثله لا يخفى في العادة.
و إشاعته من باب إشاعة الفاحشة، و قد قال الله تعالى :"إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة" النور: 19،، وقول الرفَثِ والمفرَداتِ في نَعتِ ما يُستحيا ديناً من كَشفِهِ، كالسوءاتِ، من الفُحشِ الذي يُجانِبُ وصف الإيمانِ، كَما قالَ النبي "ص": "لَيسَ المؤمِنُ بالطَّعانِ، وَلا اللعانِ، وَلا الفاحِشِ، وَلا البَذيءِ ".
وَقالَ أميرُ المؤمنينَ علي بنُ أبي طالبِ: "القائلُ الفاحِشَةَ وَالذى يُشيعُ بِها في الإثمِ سَواء".
|
|
|