عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2006, 02:23 AM   #14
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


خامساً : مَسائل تتَّصل بالغِناءِ والموسيقَى

المسألة الأولى: سَماعُ المرأةِ الغِناءَ من أجنبي عنها، وسَماعُ الرجُلِ الغِناءَ من أجنبيه عنهُ.
أما سَماع المرأةِ الغِناءَ من رَجُلِ أجنبي "ص" عنها، فقد تقدم التنبيهُ عليهِ فيما دل عليهِ حِداءُ انجشة بالنساءِ، بإقرارِ رَسُولِ اللّه "ص".
والأصل في صَوتِ الرجُلِ تسمَعُهُ المرأةُ بعِلمِ أو قرآنِ أو ذِكرٍ أو أذانِ، أو شِعر وغِناء، سواء في الإباحَةِ في حقًها، طُرِّبَ بهِ أو لم يُطرب. وكذلكَ المرأةُ يَسمَعُ صوتها بالغِناءِ الرجُلُ الأجنبي عنها، فصوتها لِذاتِهِ ليسَ بعَوْرَة، وليسَ في الكِتابِ ولا السَّنةِ ما يَمْنَعُ المرأةَ من أن يسمَعَ صوتها أجنبي، وَلا ما يَمنَعُ الرجُلَ من أن يَسمَعَ صوت أجنبيةِ عتهُ، بل دل الكِتابُ على أن للمرأةِ أن تتكلمَ أمامَ الأجانبِ كَما يأتي، وأما السنةُ، فكانَت المرأةُ تُكلمُ النبيَّ "ص" وَحدَه وأمامَ الملأ وهُم يَسمَعونَ، في وَقائعَ كَثيرَةِ.
فإن قيلَ: نَهى الله تعالى أمهاتِ المؤمنينَ عَنِ الإخضاعِ بالقول، في قولِهِ: ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا)) الأحزاب: 32،.
قلتُ: نَعم، هذا نَهي عَنِ الإخضاع بالقول، لا نَهي عن سَماع الصوت، ألم تَرَه قالَ: (وقلن قولا معروفا) ؟ فشَرَعَ الله تعالى للمرأةَ الكلامَ المعروفَ، وإنما نَهاها عن أن تَقولَ من الكلامِ ما تُلين بهِ قُلوبَ أصحاب الشهَواتًِ (الذى فِى قلبه مَرَض)، فيَطمَعَ أحدُهُم بالوِصالِ الممنوعِ.
وحيثُ كانَ النهيُ متصلاً بالقول، فإنما القول الكَلماتُ والمفرَداتُ، لا الصوت والتبَراتُ، فالمرأةُ إذا قالَت قولاً مُباحاً مَشروعاً، فعلى أي رِقةِ ولينٍ خَرَجَ صوتها: بطَبعِها أو بقصدها، لم يكُن عليها بَعد من حَرَح.
وبالنظَرِ إلى الصوت الحَسَنِ بطَبعِهِ، أو المحسَّنِ بقَصد، فالمعنى في حَقً المرأةِ واحِدْ في صَوتِها بالقرآنِ، وصَوتِها بالشعر تُغنيهِ، من جِهَةِ أنَّه صَوت، والشريعَةُ حينَ حثت على تَحسينِ الصوت بالقرآنِ، لم تقصُرِ الحُكمَ على الرجالِ دونَ الإناثِ، كَما لم تَشتَرِط فيمَن يَسمَعُ قراءَتها أن يَكونَ زَوجاً أو مَحرَماً، فيَجوزُ أن يَسمَعَ تَطريبَها بالقرآنِ الأجنبي عنها كمُعلمِ وغيرِهِ، وَلا نُفرقُ أو نَستَثني إلا بدَليلٍ بيًنِ من الكِتابِ أو السنة، فإذا لم يكُن ذلكَ التطريبُ بالقرآنِ من الإخضاعِ بالقول معَ أدائهِ بالألحانِ، فكذلكَ ما تُنشِدُهُ من الشعر وتُغنيهِ.
فإن خلَصَ كونُ ذلكَ من القول المعروفِ فليسَ عليها بعدَهُ من حَرَج وإن تلذذَ به متلذًذ، كَما لا حَرَجَ عليها في تلذذِ من يتلذذُ بصَوتِها إذا تًكلمت، إنما الحَرَجُ على ذلكَ المتلذِّذِ، فإن النبي "ص" قالَ: "كُتِبَ على ابنِ آدَمَ نَصيبُهُ من الزٌنا، مُدرِك ذلكَ لا مَحالَةَ، فالعَينانِ زِناهُما النظَرُ، والأذُنانِ زِناهُما الاستماع ..) الحديثَ.
على أن الطمَعَ المذكورَ في كِتابِ اللّه ليسَ مجردَ التلذذِ بسَماعِ صَوتِ أجنبيةِ أو أجنبي، وإنما هُوَ شَهوَةُ الوِصالِ، بقَرينَةِ قولهِ تعالى: (فِى قلبه مَرَض).
ولما كانَ الأصل في صَوتِ المرأةِ كالأصل في صَوتِ الرجُلِ، وهُوَ جَوازُ إرسالِهِ، أذِنَ النبي "ص" للناذِرَةِ أن تَضرِبَ بالدف وتُغني بمَحضَرِ مَن لا تَحل له، وَكذا نُصوصُ استِحبابِ الغِناءِ في العُرس والعيدِ، والتي تقدَّمَ ذكرُها.
وعَجيب من طائفبما منَ المحرٌمينَ المتشددينَ يَمنَعونَ من رَفعِ المرأةِ صَوْتَها بالغِناءِ، فإذا جاءُوا على مسألَةِ الغِناءِ للرجالِ، قالُوا: (لا يَفْعَلُه إلا المخنثونَ؟ وإنما الغِناءُ للنساءِ)، فأيْ تَناقُض هذا وبَعْثَرَة في الرأيِ: لا يُغني إلا النساءُ، ولا يُغنينَ إلا سِراً؟!
ومِمَا يجبُ التنبهُ إليهِ في هذهِ المسألَةِ: أن القول في سَماعِ الغِناءِ من أجنبية، يُقابِلُهُ سَماعُ الغِناءِ للمرأةِ من أجنبي، والمعنى فيهِ واحد، وعَجيبْ أن أكثَرَ من يتكلمُ في هذا البابِ، بل وبابِ العَوراتِ عُموماً يُبالِغُ في تَصويرِ الأحكامِ في حَق المرأةِ دونَ الرجُلِ، وجَميعُ رأيهِ مَعللٌ باعتِبارِ الفِتنَةِ الوصف المؤثرَ، فالمرأة هِيَ الفاتِنَةُ دائما، ولا يُراعِي كَم تُفتَنُ النساءُ بالرجالِ، ولعل علةَ إبرازِ ذلكَ أن عامةَ من يكتُبُ ويتكلمُ في هذهِ الأحكامِ هُمُ الرٌجالُ، وَلا يَكادُ يكونُ للمرأةِ حَظ من المشارَكَةِ فيهِ، وإن كانَ لها فيهِ الشيءُ حيلَ بينَها وبينَ الصراحَةِ فيهِ إما حَياءَ وإما كَبتاً.
ونحنُ لا نَجعَلُ أمرَ الفِتنَةِ مِقياساً للاحكامِ في هذا البابِ، فهذا بابُ حُدودٍ لا يَحل إخضاعُهُ للقول بالظن، وتَقديرُ الفتنَةِ لا يُمكِنُ إلا بالظنً، ولا خلافَ في الأصولِ أن عِلَلَ الأحكامِ لا يُصارُ فيها إلا إلى الأوصافِ المنضَبِطَةِ يَقيناً أو غالباً.
والمباحاتُ يَضبِطُ المكلَّفُ التصرف فيها والأخْذَ منها بالقَدْرِ الذي يُبقيهِ في إطارِ حِفظِ الضَّروريٌ ، فإن تَعاطَى من المباحِ ما يضرهُ أثِمَ بالتسببِ في إضرارِ نَفسِهِ، لا في أخذِهِ من المباحِ، بل المباحُ باق على أصلهِ، كَما قالَ تعالى في الأكلِ والشربِ: (وَكلواً وَاشْربُوا وَلَا تسُرِفوا إِنه لَا يُحِب المسرِفِينَ) الأعراف: 131، فالإسرافُ في الأكلِ والشربِ مَمنوع للإضرارِ بالنفسِ، لكن ذلكَ لا يغيًرُ حُكمَ الأصل في الأكلِ والشربِ، الذي هُوَ الإباحَةُ.
فَحاصِلُ حُكمِ هدْهِ المسألةِ: جَوازُ أن يَسمَعَ الرَّجُلُ صوت أجنبيةِ عنهُ، وأن تَسمَعَ المرأةُ صوت أجنبي عنها، بكَلامٍ : تَدريسٍ ، أو مُحاضَرَة، أو مُحاوَرَةِ، أو غيرِ ذلكَ، وكذلكَ بقِراءَةِ قرآنِ، وأذان وإقامَةِ، بتَطريبِ وبغيرِهِ، وكذلكَ بغِناءِ بمفرَداتِ مُباحَةِ.


 

رد مع اقتباس