كيف تحولين عبث الطفل الى لعب مفيد؟
مجلة المجتمع 2/7/2002
اللعب سلوك ضروري لنموه.. ودور الأسرة التوجيه والمراقبة
محمود خليل
الجلوس بلا حراك، أصعب شيء على نفس الطفل ... فضلاً عن أن جلوسه ساكناً مدة طويلة، أسوأ ما يمكن أن يفعله، ذلك أنه لا ينمو، ولا يصبح ماهراً إلا بالحركة، والعمل.
الطفل يتعلم الجري بالجري فعلاً... ويتعلم التوازن... بالتوازن فعلاً... وليست حركاته الخرقاء المنحرفة إلا مراحل ضرورية في طريقه إلى المهارة والاتزان. فلو ظللت تعلم إنساناً السباحة عمره كله.. فلن يتعلمها إلا إذا نزل الماء.
ولقد أثبتت الدراسات والبحوث أن أسرع معدل للنمو في حياة الإنسان، يكون في السنوات الخمس الأولى من عمره، وأن نحو 40% من ذكائه يتكون في تلك الفترة، كما أن مهارة اللعب لدى الرضيع هي ثاني مهارة يتعلمها بعد مهارة المص.
وعن طريق تنامي وتطور عملية اللعب... يتم صقل المهارات المختلفة التي تهيئ الطفل فيما بعد لتلقي مزيد من المعارف والمعلومات، وعندما يلعب الطفل، فإنه يكتشف ويفكر ويراقب، ويستمتع، وينمو عاطفياً وسلوكياً وعضلياً، وعقلياً.
يقول النبي ص فيما رواه الترمذي في نوادره: "عرامة الصبي في صغره... رجحان في عقله في كبره".
ومن ثمَّ... فإن الطفل عندما يلعب، فإنه يقضي وقته بطريقة إيجابية، إذ يمثل اللعب له نهماً غريزياً، وحاجة أساسية، لا تقل أهمية عن حاجته إلى الغذاء، أو النوم.
بين التخريب والإنتاج
لكن لعب الأطفال.... يختلف تماماً عن عبث الأطفال... فلعب الأطفال سلوك اجتماعي، ونفسي يستجيب فيه الطفل لحاجاته الحركية، ويصل من خلاله بالتوجيه إلى تنمية مهاراته، وتقوية عضلاته، وتقويمها، ويتخلص من مشاعر التوتر والقلق، ويصل إلى حالة من السلوك والمقبول اجتماعياً ونفسياً.
وباللعب الهادف، يصل الطفل إلى حالة من الصفاء الذهني، والنشاط الفكري التام... الذي يصلح لأن يكون مقدمة تربوية ناجحة للقراءة والدراسة والتحصيل.
أما عبث الأطفال... فهو استخدام هذه المهارة الحركية في العراك والصراع، والتخريب والتدمير... ودور الأسرة في ذلك ضرورة عاجلة بطريقة غير مباشرة في تغيير وترشيد هذا السلوك... وبأسلوب يبعد تماماً عن القمع والتوجيه والأمر المباشر، ويراعي ضيق الطفل بالأنظمة المفروضة والحركة التي تخضع للمراقبة اللصيقة، وتصادر لديه حبه للانطلاق والتحرر.
وتدخل الوالدين في هذا النطاق يجب أن يكون محصوراً في حدود الحيز المكاني الذي يمارس فيه الطفل قدراته الحركية، أو بالأسلوب الذي يتبناه في سلوكه الحركي.
إذ يجب أن يضع الوالدان في الاعتبار، أن هذا السلوك الحركي مهما بدا حراً منطلقاً يجب أن يكون منتجاً وهادفاً، خالياً من إضاعة الوقت والجهد فيما لا يفيد.
المراقبة والتدخل السليم
يُروى أن رجلاً مثل بين يدي الخليفة المنصور ورمى بإبرة فغرزت في الحائط... ثم أخذ يرمي واحدة بعد الأخرى... فكانت كل إبرة تدخل في ثقب سواها... حتى بلغ عدد الإبر مائة... فأُعجب المنصور به، وأمر له بمائة دينار... وحكم عليه بمائة جلدة... فارتاع الرجل، وسأل: أما الدنانير فعرفتها... وأما المائة جلدة فلماذا؟
فقال المنصور: أما الدنانير فلبراعتك... وأما الجلد فلإضاعتك الوقت فيما لا ينفع!.
من أجل ذلك.... يتحتم على الكبار، المراقبة الفطنة للعب الأطفال، والتروي قبل المساعدة أو التدخل، أو اتخاذ القرارات، إلا عند الخطر، ذلك أن اللعب الحر، هو الذي يحقق للأطفال إشباع الحاجات النفسية، وبالتالي يتم التعلم والتربية من خلاله.
كما أن تدخل الكبار غير الصحيح... يؤثر سلباً على حدوث هذه المراحل.
وليس للعب الأطفال تسلسل أو نمط معين، إنما هو متفاوت في فتراته وفقراته... غير أن آثاره في التنشئة والاكتشاف والإبداع والنمو... تكون متسلسلة ومتنامية، مهما بدت متنوعة وغير منتظمة.
ولابد أيضاً من رعاية المحصول المعرفي والتجريبي الناتج من هذا النشاط الحركي عند الأطفال.
يقول عمر بن الخطاب رضوان الله عليه "إني لأمقت الرجل السبهللة، قيل: وما السبهللة يا أمير المؤمنين؟ قال: الذي يكثر الجيئة والذهاب دونما غرض"!.
لعل المقصود من هذا النشاط الحركي الذي نحن بصدده، الحركة المربية المقصودة التي تجمع في طياتها المعرفة والوجدان والبدن، وتعتمد التجريب والاستكشاف، وتستجيب للإمكانات "النفس حركية" المتاحة للطفل، بعيداً عن التلقين، والعقاب والقمع.
العدد (1506)
|