الكوميديــــا ...

ذلك الفن الذي أحد أهدافه الترويح عن النفس من ضغوط الأيام وهمومها . يلجأ إليها الراغبون باستبدال عبوسهم بالبسمة والضحكة ، التي بلا شك فيها فوائد صحية أيضاً .

لكن بما أن النفسية العربية هي نفسية طحنتها التجارب والمشاهد بأمور لا يستطيع معها أن يحدد موقفه منها ، تأتي الكوميديا العربية والتي هي بلا شك نتاج (النفسية) العربية ، تأتي لتكمل منقوص العقد النفسية عند الإنسان العربي .

ومن هنا نسأل مالذي يجعل الإنسان العربي يضحك ؟ وكيف للكوميديا العربية أن تجعله يضحك ؟
الجواب بسيط ...
الذي يجعل الكوميديا العربية ناجحة في إضحاك وإبهاج الإنسان العربي هو : التهزيئ والشتم والضرب ... وهو ما يسمى بكوميديا (المسخرة) التي يبرع فيها العرب كثيراً ولا يكاد ينافسهم فيها أي منافس ..

أنظروا للمسرحيات العربية الأكثر شهرة على مستوى العالم العربي ، فستجد أن الجمهور يضحك عندما يشاهد أحد الممثلين يضرب أو يشتم الآخر أو يهزأ منه . بطبيعة الحال وبشكل مباشر سيذهب ذهن أكثركم إلى (كوميديين) معروفين بالتخصص بهذا النوع من الإضحاك ...

أنظروا إلى ما يسمى بالكاميرا الخفية العربية ، وخاصة تلك التي ظهرت في بلدنا منذ بضع سنوات ، والتي يعمد فيها منتجوها إلى (تهزيئ) أفراد من العوام بل وبالاشتباك معهم ملاسنة أو مراجلة (بالأرجل) ، في سبيل تقديم خدمة كبيرة للمواطن ألا وهي : إضحاكه ..

أنظر بالمقابل للكوميديا الأخرى وهي التي تسمى (كوميديا المواقف) ... والتي تجبرك على تخيل الموقف ، فلا تجد أمامك إلا الضحك ... فلا يوجد ضرب أو تهزيئي أو شتم ، وإنما فقط مشاهد تجدها تخرج في مخيلتك فجأة بتلميح بسيط من الكوميديان ، لتضحك وتضحك باستخدام عقلك ، لا باستخدام ( عُـقد ِك ) ...
وعندما يبرعون في (الكاميرا الخفية) التي لن تجد قضايا مرفوعة ضدها ، فلإنهم يبرعون أولاً في احترام الآخر ، (والتفكير) عميقاً بمواقف مضحكة لا تنتقص من آدميتهم ...
وللأسف فهذا النوع من الكوميديا لا يتقنها إلا قلة قليلة جداً من الكوميديين العرب !!!

كوميديا المسخرة ، وكوميديا الموقف ، كلاهما على طرفي نقيض ..

الأول يحتاج لسيناريست تربية شوارع (وهم الأعم الأغلب) ناله التهزيئ والشتم طيلة حياته ، فهو يفضي بعقده في كتاباته على قاعدة (كل إناء بالذي فيه ينضح) ، وإلى كوميديان يحس بحاجة العرب من المشاهدين المساكين لمشاهدة المزيد من الشتم والضرب الذي لم يجدوا كفايتهم منه في عالمهم الحقيقي .

وأما النوع الثاني فهو يحتاج لسيناريست قضى وقتاً في فهم العقل والنفس قبل أن يدرس كيف يكتب المشهد الفكاهي ليتعلم كيف يخاطب العقل أولاً ، وإلى كوميديان يحترم المشاهدين وعقولهم التي ترفض (المسخرة) قبل أن يحترم هو نفسه ولسانه ...

الفن كما يقول البعض نتاج من نواتج المجتمع يعبر عن طبائعه وعاداته ونفسياته ، ويظهر مكنوناته من فرح وألم ، ويعبر عن إنفعالاته في كافة المواقف . والكوميديا العربية بحق تعبر عن كل ذلك ، فهي تعبر عن تدني (أذواقنا) ، بل وتدني (مشاعرنا) التي تجعلنا مستعدون للضحك على ما يجرح آدمية الآخرين .
انقلبت مفاهيمنا العربية 180 درجة ، فبدلاً من الاستياء من الشتم والتنقيص ، أصبحنا نضحك له (ونوسع صدورنا) ، بل وربما أصبحنا مدمنين عليه ...

ثم علينا أن نسأل بعد ذلك : لماذا لا تفوز (كوميدياناتنا) بالجوائز العالمية ؟
والجواب ،
لأنها لم تفز أصلاً بأي جائزة من جوائز (حقوق الإنسان) ...

ولكم خالص تحياتي .........

المصدر: نفساني