نفساني - عرض مشاركة واحدة

20-11-2006, 11:23 AM

- الالتزام في تطوير النفس وتوسيع الوعي والنضج: إن هذا الموضوع خطير. إن هناك أناساً يعيشون بنفس أفكارهم من قبل عشر سنوات وبنفس مفاهيمهم، والعالم يتغير بالساعة فضلاً عن اليوم والشهر والسنة.. دورة كل ثلاثة أو أربعة شهور، برنامج كل شهر أو شهرين، كتاب كل أسبوع أو أسبوعين، حضور ندوة، مشاركة في مؤتمر، سماع محاضرة، أمر أكثر من ضروري. إن الواعي الحقيقي لا يرضى أن تفوت عليه الساعات من دون معلومة جديدة ومفيدة، خاصة في عالم الفيديو والإنترنت والإعلام المتطور.

- الاهتمام بما يجري حولنا في العالم: كيف يكون واثقاً من لا يدري ما يجري حوله من تغيرات؟ جماعة مؤمنون صغيرة لا يتعدى عددهم المائة يخبرهم كتابهم بحرب عالمية في أقصى البلاد ليس لها أثر مباشر عليهم، لماذا؟ كما في حادثة حرب الفرس والروم: {ألم. غلبت الروم في أدنى الأرض}. إن الواعي يعرف كل شيء في شيء وشيء في كل شيء. يعني أن لديه إحاطة عامة عن الأوضاع التي حوله في العالم وفي بلده وفي عائلته رغم أنه قد لا يحيط بكل شيء، لأن ذلك لا يستطيعه إلا الخالق العليم. لكنه يتخصص في معرفة شيء بالتفصيل ليتميز ويقدم لنفسه وغيره ما يتقن.

- الوعي بالشخصية والنفسية والمشاعر والقيم: وهذا يكون بتعلم الطرق الموصلة لذلك من خلال العلم والتدرب والاستشارة وغير ذلك.

- الوعي بطرف السعادة والنجاح والإنجاز: ورغم أن معاني وسبل هذه المفاهيم أو القيم قد تختلف من شخص إلى آخر إلا أن طرق تحقيقها ينبغي تعلمها بالنسبة لكل شخص.

هذا أقل ما يمكن أن يقال عن الوعي والإدراك المطلوب ليكون الإنسان واثقاً من نفسه. الوعي أولى مراحل الثقة. الواثق واعي.

تجربة مفيدة..
لا أود أن أنتقل إلى الركن الثاني حتى أؤكد جيداً على هذا المفهوم، لأنه الأهم. سوف أعطيك مجموعة من الجمل في تمرين هنا لتكتشف بنفسك وتتأمل هذا المفهوم. هذا التمرين فعال جداً فانتبه له. أكمل مجموعة الجمل التي سأذكرها لك لاحقاً تلقائياً ست إلى عشر مرات دون توقف أو تحليل. دعني أعطيك مثلاً. لنفرض أن الجملة «أنا أحب نفسي أكثر عندما...». المطلوب أن تكتب «أنا أحب نفسي أكثر عندما» ثم تكمل الجملة ست إلى عشر مرات دون توقف أو تحليل، فقط الكتابة وبسرعة لتدرك ما في عقلك الباطن. مثال:

- أنا أحب نفسي أكثر عندما:

- أنجح في أمر ما.

- أحسن إلى والدتي.

- لا أحاول أن أساير الآخرين فحسب.

- أكون نفسي.

- يخس وزني.

- يمدحني الآخرون.

هذا مثال لشخص قد أجاب على هذا التمرين في مبدأ تقبل النفس، وسوف نأتي له لاحقاً إن شاء الله. الآن قم بعمل هذا التمرين. سوف تفاجأ من النتائج، كما أننا سوف نبني عليه أموراً، لذا فعدم تطبيقك للتمرين يعني عدم استفادتك من هذه المقالة. إذا كنت لا تود تطبيق التمرين فتابع المقالة القادمة، هذه المقالة لن تفيدك كثيراً. في علم الاقتصاد والإدارة وفي فلسفة النجاح والإنجاز نقول أن الذين يطبقون هم فقط الذين يجنون النتائج بينما الذين لا يطبقون نادراً ما يتطورون أو يتحسنون أو ينجزون. دعني أسترسل عند هذه النقطة لأنها مهمة جداً.

تشير الدراسات إلى أن أقل من 3% من الناس فقط الذين ينجحون. الإنجاز عند الناس لا يتجاوز 2,8% فقط. يحضرني مثال حي وطازج. أذكر أني تدربت مع الماستر سكوت هيك في أورلاندو في ولاية فلوريدا التاي تشي استمر ثلاثة أسابيع تبعاً على اليانج ستايل. وهو نمط وطريقة منذ فترة وأنا أود أن أتعلمه، خاصة بعد أن أتقنت الشين ستايل. وقد تعلمت بهذا الإنجاز شعوراً روحانياً لم أشعره إلا في بعض ليالي القيام في رمضان في بعض السنوات. لقد كنا في بداية الفصل 20 شخصاً عرباً قد تعاقدنا مع المدرب خصيصاً. وفي آخر فصل حضرت وحدي فقط من المجموعة، واضطررت أن أفعل ذلك بالتدرب في مركزه الذي يبعد ساعتين قيادة ذهاباً وإياباً ، بينما كان مع المجموعة يأتينا! إن النجاح سلعة غالية يبغي الكفاح. ما دمنا في التاي تشي فأود أن أذكر أن 10 أفراد تقريباً يسجلون شهرياً في الكويت لهذه اللعبة ومنذ أكثر من 8 سنوات، بينما لم يحفظ الفورما البدائية (التمرين المتكامل) إلا ثلاثة فقط. مدة تعلم الفورما البدائية بمعدل شهرين!!

في كل المقايس لا يتعدى الناجحون 3%. أنا أود أن يكون قراء هذه الصفحة من هؤلاء الـ3%. طبق ثم قرر الفائدة من عدمها. أنت لن تعرف هذا حتى تجرب. دعنا نعود إلى التمرين.

أكتب الآن: «أسوأ شيء بخصوص بقائي في وعي بالأشياء المحيطة بي... « ثم أكمل الجملة ست إلى عشر مرات. لا تذكر إلا تحليل أو تتوقف، فقط دع القلم يسترسل وبصدق.

الآن أكتب: «أفضل شيء بخصوص عدم وعيي الكامل بالأشياء المحيطة بي.. « ثم أكمل الجملة ست إلى عشر مرات.

الآن أكتب: «لو كنت فعلاً سأبقى واعياً بالأشياء المحيطة بي الآن...» ثم أكمل.

بعد أن تنتهي من التمرينات الثلاثة أقرأ الجمل التي كتبتها ثم تأمل فيها ساعة زمان. أجلس جلسة مريحة ثم خذ أنفاساً عميقة واسترخ ثم تأمل في الجمل التي كتبتها. لا تفعل شيئاً، فقط تأمل، ثم تابع.

فتح باب الوعي من أقوى مداخل القوى النفسية والذاتية. الأقوى هو الله لأنه يعي كل شيء. إنه يعي دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. إنه يعلم ظن الفرد وهمسه ودعائه في نفسه. إن هذا الوعي الألهي قوة عظمى. وقد أخل بعض الفلاسفة اليونان عندما قالوا إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، فحاش لله هذا الضعف. إن الوعي قوة، والأكثر وعياً أكثر قوة. والله هو الأوعى حكيم عليم بصير سميع.

إن الفرد الأكثر وعياً أكثر قوة. وأقوى لاعبي القوى الذاتية والدفاعية هم الأكثر وعياً بمشاعرهم وأفكارهم ومحيطهم وقدرات خصومهم.

والدول الأكثر وعياً أكثر قوة، والدول الأقل وعياً أكثر ضعفاً، والمشكلة في الدول التي يحكمها قليلو الوعي والإدراك. والأمة التي تقدر الوعي وتسانده وتدعمه هي الأمة الأقوى.

على كل المستويات الوعي أوسع أبواب القوة النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحانية.
القبول النفسي..!
هذا عن أهم عامل من عوامل الثقة بالنفس، وهو العيش بإدراك ووعي. الركن الثاني هو:

(2) قبول الذات أو القبول النفسي (Self- Acceptance): هذا المفهوم مهم جداً أيضاً. لا يمكن أن يكون الشخص واثقاً من نفسه وهو يرفض في أعماقه نفسه أو شخصه. إن القبول سر من أسرار السعادة.. إن قبول الدنيا بما فيها، وقبول الناس على اختلافهم، وقبول النفس على نقصها، وقبول الماضي رغم عثراته، والحاضر رغم غدراته، والمستقبل رغم غموضه.. القبول ميزة رئيسية لدى السعداء.. أكثر الناس قبولاً أكثرهم سعادة، والعكس صحيح. وأكثر الناس قبولاً أكثرهم سعة للآخرين.

وهذه الصفة تميز بها المصطفى المحبوب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان أكثر الناس قبولاً لخلجاتهم وشطحاتهم وسيئاتهم وغدراتهم، وزكاه الله فقال: {فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، لقد قبل أبيضهم وأسودهم، وعربهم وعجمهم، وأصيلهم ومواليهم، وصحيحهم وسقيمهم، وقريبهم وبعيدهم، وغنيهم وفقيرهم، وذكورهم وإناثهم، وصغارهم وكبارهم.. لقد كان آية في القبول. ونشر القبول في الناس حتى رقت قلوب من كان منهم جلفاً؛ فتواضع المغرور، وتعاطف المعادي، ورق العنيد، ولان القوي، وتقوى الضعيف، وفُكت به عقد اجتماعية ونفسية لم يعهد لأحد من قبل أو من بعد فكها. نظر إلى الله ربه فقال: «والشر ليس إليه»، وإلى الدنيا فقال: «خضرة حلوة»، وإلى مكة فقال: «ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت»، وإلى المدينة فقال: «هذه طيبة»، وإلى أمته فقال: «الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة»،

وإلى أتباعه الذين لم يروه فقال: «وا أشقائياه»، وإلى الموت فقال: «راحة من كل شر.. بل الرفيق الأعلى»، وإلى الحياة فقال: «خيركم من طال عمره وحسن عمله»، وإلى النساء فقال: «رفقاً بالقوارير.. وحبب إلي من دنياكم النساء»، وإلى الأطفال فقال «زينة الحياة»، وإلى الكبار فقال: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا»، وإلى الأسود فخبر أنه أول من يدخل الجنة، وإلى الغني فقال: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم».. هذا الرجل العظيم الذي لم ولن يأتي مثله.. ويا ليت لنا بيوم معه، فيوم مع محمد خير من عشر سنوات مع فطاحلة العالم اليوم.. هذا الرجل العظيم، كيف كان ينظر إلى نفسه؟ سؤال وجيه!

أعظم رجل في التاريخ
أنوي هنا أن أسرد لك مجموعة من الأحاديث الصحيحة (من صحيح الجامع الصغير) للنبي صلى الله عليه وسلم لثلاث أسباب رئيسية. أولها حتى تعرف كيف ينظر أعظم رجل في التاريخ إلى نفسه فتتبنى فكره ومنهجه فتكون على شاكلته. وثانيها حتى تفرق بين كلام المصطفى بنفسه وبين مناهج المتعسفين في الدين من الزهاد والمتصوفة والمتشددة. وثالثها حتى تهتدي إلى أن ما انتهى إليه الغرب قد أصله رسول هذه الأمة منذ خمسة عشر قرناً. فهو يقول:

«أنا أبو القاسم»، «أنا النبي لا أكذب، أنا ابن عبدالمطلب»، «أنا أكثر الأنبياء تبعاً»، «أنا دعوة إبراهيم وكان آخر من بشر بي عيسى بن مريم»، «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله»، «أنا سيد الناس يوم القيامة»، «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر»، «أناخيركم نفساً».. ومن قوة ثقته بنفسه وحفاظه على أوصافه زكاه الله فقال له: (وإنك لعلى خلق عظيم). وقد نظمت شعراً عنه قلت فيه: