اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مروان
عبقرية الفكر


هذه صورتانِ لأديب عربي كبير الا وهو أ .عباس محمود العقاد
قراتُ قبل فترة نقدا - بغض النظر عن موضوعيته - للدكتور صالح بن سعد اللحيدان عن كتاب للعقاد بعنوان " عبقرية محمد" صلى الله عليه وسلم ..
كان النقد متمثلا في كتاب اللحيدان بعنوان " نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين على ضوء العبقريات "
يمضي د. اللحيدان بأسلوبه الأدبي الراقي في نقد العقاد فيقول :
"لقد وقع (العقاد) في الشائن من الأمر فيما حلل ودرس معاوية وعمرو بن العاص وعثمان والصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهم جميعا - لأنه خلط بين استقلال الرأي والنص فأخطأ حيث أراد الصواب " ....
ولعل منطلق الخلاف بين اللحيدان والعقاد هو أن الأول يحرص كل الحرص على طول النفس والتحري بصرف النظر عن الوقت طال أو قصر ..
فيما ينسب إلى العقاد (على حد ما ذكر اللحيدان في كتابه ) أنه مرة يقيس ومرة يجزم وثالثة يطرح الرأي عن طريق مشوب بالحذر وكل هذا جعل عبقرياته جازمة لازمة أو هي متوقفة لأنه اجتهد هنا فأخطأ فلم يعوّل على صحة النص ولو فعل لاكتمل التجديد ...
من خلال هذا الكلام المنقول يتبين لنا أن عبقرية كثير من الناس لاتتوقف عن فهم أمر عن آخر ، وقد يعتقد كثير من الناس أن ملكتهم الفكرية في فهم النص مغايرة ..
فـ د. اللحيدان عندما يصف خطأ العقاد بصواب مايعتقده العقاد نفسه فهذه إسقاطة جريئة جدا ونقد واضح بين المتأدبين فكريا من خلال المحاورة الثقافية ..
سؤالي : ماهي مقومات النضج الفكري لدى المتدبين فكريا في عالم الكتابة أثيريا عبر صفحات الأنترنت ؟
وهل لنكرة الأسماء المسجلة والمستعارة دورا كبيرا في التخبط الفكري ؟
|
النضج الفكري والبلوغ الفكري .. التمييز فيما تكتبه وما تقرأه .
سأستخدم سؤالك يا سيدي في بعد الفكر بشكل عام ، ولن أحصره في بعد الشعراء و النحويين و الأدباء..
أظن أن من مقومات هذا النضج الفكري الأثيري أن يثق الناضج بأن الإنسان يستطيع أن يستخدم لسانه ليعبر عن فكره فيما يشاهد أو يقرأ أو يسمع دون أن يكون محصوراً في قوالب فكر الآخرين . فالمتأدبين أثيرياً اليوم يحظون بفرصة لعرض أفكارهم لم تتوفر حتى للعقاد نفسه رحمه الله في زمنه . إن لم يعي الناضجون فكرياً مثل هذه الحقيقة فستظل كتاباتهم وانتقاداتهم عبارة عن نقول مقابل نقول لا تدلل على اكتمال النضج الفكري . فإما أن يكون الحوار حوار طرشان بمواجهة قوالب النقول بعضها لبعض ، أو يكون حوار فكر صاغته كثرة الإطلاع في مدرسة الفكر وقومته أساليب وتجارب الطرح والنقد .
ولهذا فإن من مقومات النضج الفكري أن يشعر الطارح بحاجة طرحه للنقد ، وأن يشعر الناقد بحاجة الطرح للنقد ، وإلا لم يكن في النقد أي حاجة أو مطلب . وهذه الحاجات هي في نظري من أهم ما يدفع الطارح للتفكير مطولاً في طرحه والتأكد من سلامة فكرته وكتاباته من الثغور الكبيرة التي سيلاحظها الناقدون سريعا ً، وأن يتحرى في ما طرحه البعد عن التدليس أو المبالغة أو الكذب . أما الناقد فعليه التفكير طويلاً في نقده وأن يتمتع بملكة التقصي . فلا بد للناقد أن يتقصى حقيقة الطرح الموضوع أمامه قبل النقد .
من مقومات النضج الفكري لدى الكاتبين على الشبكة ما يسمى بـ (الأمانة) .... وأحس بالأسى كثيراً عندما يُمنع الناقل بقوة القانون من كتابة المصدر الذي نقل منه وبالأخص المنتديات الأخرى . وهذا أكبر دليل على أن ساحات الطرح نفسها هي التي تحتاج لتقويم في فكرها وإعطاءها جرعات من النضج الفكري ، بالرغم من أن من ينشئ هذه المنتديات من المفترض بهم أنهم قد قفزوا فوق مرحلة النضج الفكري وانتقلوا من مرحلة الاقتباس إلى مرحلة النشر . ستظل مسألة الأمانة مطلباً لتقويم النضج الفكري فهو أولاً وأخيراً مقوماً للضمير قبل القلم .
سألقي الضوء الآن على نقطة هامة أستخلصها من المثل الذي طرحته في مقدمة سؤالك أستاذي الفاضل ، وهي (التأدب) في الطرح أو الحوار والنقد . ولنكن صريحين جداً بأن البعد التام عن استخدام عبارات (السلخ) أو استخدام الكلمات (الصخرية) في الحوارات والطروح الفكرية سيكون نادراً حتى بين كبار المتأدبين أنفسهم . وفي رأيي فإن تركيز استخدامها في لحظاتها المناسبة وأماكنها اللائقة وابتكار طريقة صياغة هذه العبارات هو من علامات النضج الفكري خاصة وإن كانت من قبيل هذا الطراز :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ....... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
من مقومات النضج الفكري براعة الحجة وطريقة عرضها . فالفكر يصل إلى قناعاته عبر طرق من الاستدلال وخطوات من التحليل . وبغض النظر عن أصحية هذه الطرق والخطوات ، فالكاتب يجب أن يكون لطرحه حجة يستند لها . في عالم الشبكة ، لا وجود لعامل (الصوت العالي) ، فشدة الصوت وخاصية (التجعير) لا تفيد في عالم المقروء ، والكاتب الناضج يعلم أن صوته العالي في الشبكة إنما هو حجته العالية ، وليس كما كان يفعل أحد مدعي النبوة عندما كان يحتج لصدق نبوته (بصوته العالي) الذي يفزع جلوسه ، لأنه يرى أن معجزة نبوته هو فزع المستمعين من صراخه ويستدل على ذلك من القرآن بقوله (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) ! !
أما علاقة ودور نكرة الأسماء المسجلة والمستعارة في التخبط الفكري فلا أرى من ناحية منطقي (أنا) أي علاقة بذلك . إلا إن كنت تعني وقع هذه الأسماء المستعارة على نفوس القارئين وعلى تأثيره في درجة أحكامهم على ما يقرؤونه . والحقيقة قد يكون في هذا جانب من الصحة لكون مصدر الحكم لدى البعض (في العالم العربي) على ما يقرؤونه يعتمد بدرجة كبيرة على الأشخاص والأسماء لا على إنتاجهم . فاسم مستعار مثل (مجاهد) قد يكون له وقع السحر بغض النظر عن محتوى ما يكتبه . واسم مستعار مثل (ابن الراوندي) قد يجعل الحكم على كل ما يكتبه هو الرفض .