كما ذكرت سابقاً أن الترهيب الفكري مورس في مختلف الشعوب ، وإن كان الترهيب الفكري يرتبط أساساً بالمعتقدات والأديان بشكل أكبر من مناحي الحياة الأخرى .
ولكن هل تمت ممارسة الترهيب الفكري في عصور المسلمين ؟
نعم بدون أدنى شك ...
متى ؟
الخوارج ....
الخوارج الذين ظهروا أيام خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه هم من أول من مارس الترهيب الفكري في تاريخ الإسلام ، فقد ربطوا بين ما (يظنون أنه الحق) وبين (تكفير) المخالفين لهم في (رأيهم) ، بالرغم من أن موضع الخلاف الذي حدث آنذاك بينهم وبين علي رضي الله عنه لا يحتمل (التكفير) . بل وصلت جرأتهم إلى تكفير كبار الصحابة رضوان الله عليهم . ولم ينتهي الأمر إلى ذلك فقط ، بل انتقلوا من (الترهيب بالتكفير) إلى قتلهم المسلمين الذين لم تنجح وسائل الترهيب الفكري معهم .
كان تكفير الخوارج للمخالفين لآرائهم بمثابة ترهيب فكري واضح ، فإيقاع (الرعب من التكفير) في نفوس أتباعهم هو الضمانة الوحيدة لتثبيت أفكارهم وظنونهم كتكفير فاعل الكبيرة مثلاً .
وللأسف فإن مبدأ الترهيب الفكري للمخالفين أو استخدامه في تثبيت الأفكار ظهر في عصور الإنحطاط العربي الأخيرة ، وحل محل الترغيب الفكري والمحاورة والإقناع . فأصبح (عذاب الله) سوطاً في أيدي بعض المتفيقهين وهدفهم في ذلك تثبيت (آرائهم) في عقول البسطاء من الناس .
ولا شك أن جيلاً جديداً من المترهبين فكرياً قد نشأ بيننا اليوم ، يُفسق ويٌبدع ويحكم بالضلال ويُكفر الآخرين إن خالفوهم في (آرائهم) ، بل ويحكمون بعذاب الله على أمور لم ينص بها الشارع على عذاب . وللأسف فقد انتهى الأمر بهؤلاء المترهبين فكرياً إلى ما انتهى إليه الخوارج الأوائل من استحلالهم دماء المسلمين المخالفين لآرائهم .
ومنبع ذلك كله هو (الترهيب الفكري) الذي قد يتلبس بفتيا جهلاء بسيطة ، وكما قيل..
فأعظم النار من مستصغر الشرر