05-08-2002, 10:39 AM
|
#3
|
عـضو دائم ( لديه حصانه )
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1463
|
تاريخ التسجيل : 04 2002
|
أخر زيارة : 21-10-2004 (05:57 AM)
|
المشاركات :
1,406 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
تجارب الحياة وتطور المخ
الاستثارة التي يتلقاها المخ في سني الطفولة الأولى من البيئة المحيطة تلعب الدور الأساس في تطور معمار المخ بعد الميلاد، وتأتي هذه الاستثارة أساساً عبر الحواس: الإبصار، والسمع، والشم، واللمس، والتذوق، التي تعلم المخ كيف يستكمل تشييد معماره.
ولنبحث علاقة الاستثارة البيئية بتطور معمار المخ، وبزوغ الموهبة، وصقلها، مع التركيز على الإرشادات التي يتمخض عنها البحث الحديث للمربين، وحيث اكتشف كثير من المعلومات المعروفة الآن من خلال تجارب على حيوانات في معامل، نشير إلى بعض من أهم هذه التجارب.
من أولى التجارب التي أسهمت في فهم أعمق لتطور المخ وعلاقته بالاستثارة البيئية عن طريق الحواس تلك التي أجراها "ويسل" و "هوبل" في السبعينيات.
(تجربة "ويسل" و "هوبل")، أغلقت إحدى عيني مجموعة من القطط عند ولادتها ثم فتحت بعد أسبوعين من الولادة، ورغم أن العيون كانت، بعد فتحها سليمة تمامًا من الناحية التشريحية فإن القطط لم تتمكن من الرؤية بهذه العيون. وكان في هذا دليل واضح على أن المخ يحتاج إلى استثارة خارجية مناسبة، عن طريق الحواس كما أشرنا، لكي تتطور خلايا المخ وتشابكاتها، للقيام بوظائف معينة. وإن لم تتوافر هذه الاستثارة، في فترات حرجة معينة، فإن الوظائف المعنية لا تتطور. وفي الفترة الحرجة لتطور وظيفة الرؤية لا تتعلم خلايا المخ، وتشابكاتها، التي تخصص عادة لوظيفة الرؤية، هذه الوظيفة إذا لم تتلقَّ الاستثارة الخارجية اللازمة، البصرية في هذه الحالة.
ومن الأهمية بمكان التمعُّن فيما تعنيه نتيجة هذه التجربة لتطور معمار المخ ووظائفه.
أولاً: معمار المخ قابل للتشكل عبر الاستثارة البيئية، وهذا هو المعنى الأساسي للتعلم. والتعلم، بهذا المعنى، إن شئنا، هو غذاء المخ، فالاستثارة الخارجية، عبر الحواس، تشكل المخ إلى حد التأثير في أي من وظائفه تنمو أو لا تتطور أساسًا. ولقد كانت الوظيفة محل الدراسة في التجربة المعروضة هي الرؤية، ولكن المبدأ واحد بالنسبة لوظائف الكلام وغيرها.
ثانياً: السؤال المهم الآن هو ماذا يحدث لخلايا المخ، وتشابكاتها التي لا تتطور لأداء الوظيفة المنوطة بها عادة نتيجة لفقر الاستثارة البيئية؟ الشواهد أن أجزاء المخ هذه إما تتحول لوظائف أخرى تنشطها هي الاستثارة الخارجية، أو تضمر وتذوي. وفي النتيجة الأخيرة تفسير إضافي لما سقناه في المقال الأول من تفسير لتناقص عدد خلايا المخ،، في النصف الثاني من الحمل، والوصلات بينها، بين الثانية والعاشرة من العمر، فالمخ البشري يبدأ، في مراحل مختلفة، مجهزًا بطاقة واسعة من الخلايا، والتشابكات بينها، ولكن معماره النهائي، حول العاشرة من العمر، يتوقف نموًّا وضموراً، على الاستثارة الخارجية التي يتلقاها المخ عبر الحواس.
وفي تجارب مهمة أخرى (تجارب "جرينوه"، جامعة إلينوي، و"ديامون"، جامعة بركلي، كاليفورنيا) عرض الباحثون مجموعة من الفئران لبيئة ملأى بالاستثارة: لعب، وألوان، وألعاب تمرينات، وأقران، وتحديات بينما وضعت مجموعة مقارنة من الفئران في أقفاص عادية خالية من الاستثارة. وعند فحص أمخاخ كلتا المجموعتين، اتضح للباحث أن عدد التشابكات بين خلايا المخ في المجموعة الأولى أضحى أكبر من الثانية بحوالي الربع، وكان فئران المجموعة الأولى أذكى من الثانية بدرجة معنوية، كما ظهر لتغيير مثيرات البيئة دور مهم في ثراء تكوين الوصلات بين خلايا المخ، حيث كان عدم تغيير المثيرات البيئية يؤدي إلى ضمور الوصلات التي تتكون بين خلايا المخ.
وقد أظهر باحثون آخرون النتائج نفسها في حالة الآدميين، فقد أجرى كريج رامي من جامعة ألاباما، تجربة بدأت بأطفال صغار (بدءاً من سن ستة أسابيع) أظهرت أنه يمكن استنقاذ أطفال فقراء من تدني الذكاء والتخلف الذهني من خلال تعريضهم لبرنامج يحوي خبرات غنية تستثير بناء معمار المخ وترقية وظائفه. وبعد ثلاث سنوات من بدء التجربة مثلاً، كانت نسبة ذكاء الأطفال الذين أُغنوا من خلال التجربة عادية، وأعلى بدرجة معنوية من أقرانهم في الأحياء الفقيرة الذين لم يستفيدوا من مثل هذا البرنامج. وعند بلوغ الثانية عشرة من العمر، كان معدل إعادة الصفوف الدراسية أقل جوهريًّا في المجموعة المغناة عن أقرانهم.
**************
الدفء والتلامس لنمو وتطور طبيعي للمخ
ظهر في تجارب معملية "شانبرج" و "فيلد" أن الفئران حديثي الولادة الذين يفصلون من أمهاتهم يتوقفون عن النمو على الرغم من وجود غذاء، واكتشف الباحثون أن العامل الحاسم في ذلك التوقف عن التغذي هو توقف لحس الأمهات للفئران الصغار؛ حيث كان ذلك السلوك الحاني من قبل الأمهات ينقل للفئران الصغار الإحساس بأن كل شيء على ما يرام، ويصدر المخ توجيهاته بمزاولة الحياة بطريقة عادية. أما في حالة توقف اللحس،، أي بُعْد الأمهات، يتعامل المخ مع الوضع على أنه حالة أزمة لا تسمح بمزاولة الحياة بصورة عادية، وبطول فترة توقف لحس الأمهات، يبدأ الفئران الصغار في الضمور، كذلك تبين أن الفئران الصغار تعود إلى التغذي والحياة الطبيعية عند عودة الأمهات إلى لحسهم أو عند تحسس الباحثين لهم بفرشاة رسم مبتلة، وكأنها لسان الأم.
وقد ترتب على هذه التجربة تطبيق مهم في حالة الآدميين، فقد لاحظ الباحثان أن الأطفال المبتسرين (من يولدون قبل تمام الحمل) الذين يوضعون في حضَّانات، ويحظر لمسهم، لا ينمون بسرعة. واهتديا إلى فكرة احتضان هؤلاء الأطفال والتمسيد على أجسادهم كما يحدث للأطفال حديثي الولادة العاديين.. وبالفعل تبين من التجربة أن الأطفال المبتسرين الذين تعرضوا للاحتضان والتمسيد قد قلَّت لديهم هرمونات القلق وزاد معدل نموهم لحوالي الضعف.
وقد امتدت هذه التجارب لتوضح أن التمسيد يفيد جميع الأطفال جسديًّا ووجدانيًّا (نرجو أن نتعرض في مقال تالٍ لمفهوم الذكاء الوجداني، وهو من أهم مفاهيم الذكاء حاليًا).
المخ إذًا قابل للتشكل، والنماء، من خلال التعلم، أو الاستثارة من البيئة.
ومن ناحية أخرى أخطر يتبين أن المخ يمكن أن يتعرض للضرر بسبب فقر التعلم، أو الاستثارة من البيئة.
في إحدى الدراسات المهمة (داوسون"، جامعة واشنجتون) تبين أن أطفال النساء اللاتي يعانين من الاكتئاب يقاسين من نقص في نشاط النصف الأيسر الأمامي من المخ، وهو مرتبط بمشاعر البهجة والمرح وحب الاستطلاع. وعند بلوغ الثالثة من العمر، يبدي هؤلاء الأطفال مشاكل سلوكية واضحة. ولكن تبين أيضاً أن الأمهات اللاتي يتغلبن على الاكتئاب قبل بلوغ أطفالهن الثالثة من العمر، أو ينجحن، رغم الاكتئاب، في إضفاء عناية محبة عادية على أطفالهم، يتغلب الأطفال، بيسر، على المشاكل التي عانوا منها من قبل. وفي هذا دليل آخر على قدرة المخ الهائلة على التغلب على الصعاب التي تواجه مخ الأطفال الصغار بسبب فقر الاستثارة البيئية، إذا تحسنت الظروف المحيطة بهم.
لقد صار معروفاً الآن أن التخلف الذهني ينتج عن الفشل في إمداد المخ بالخبرات البيئية الثرية التي يحتاجها للنمو.
ولكنْ معروف أيضاً أن قدرة المخ الهائلة على التشكل، خاصة قبل بلوغ العاشرة من العمر، تتيح السبيل لتفادي هذه النتائج الوخيمة إذا ما توافرت البيئة المثرية للمخ، في التربية قبل المدرسية، كما أشرنا أعلاه. بل إن هذه القدرة تُنير السبيل أيضاً إلى علاج الضرر الذي يتعرض له المخ في مقتبل العمر، لأسباب بيئية أو حتى عضوية.
ففي حالة مشهورة، استأصل الأطباء نصف المخ الأيسر للطفل "أوستن رونسلي"، من كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وعمره أقل من عامين لعلاجه من حالة من الصرع العنيف، ومع ذلك فقد أمكن بالمثابرة، وبإغناء بيئته بالمحبة والخبرات المثرية أن يصبح طفلاً عاديًّا تقريباً بحلول الخامسة من العمر، بحيث يمكن القول بأن المخ قد أعاد بناء معماره، رغم الفقد التشريحي، من خلال ثراء الاستثارة البيئية.
|
|
|