21-08-2007, 07:48 AM
|
#9
|
عضومجلس إدارة في نفساني
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 18029
|
تاريخ التسجيل : 08 2006
|
أخر زيارة : 14-01-2019 (04:21 PM)
|
المشاركات :
15,872 [
+
] |
التقييم : 69
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
في مجمل القضايا..
وإذا كان الأصل في حياة المجتمع بُروز دور الرجل فيه أخذاً وعطاءً .
وإذا كان دور المرأة في الحياة الاجتماعية عموماً وفي سائر الحضارات والمجتمعات، وحتى يومنا هذا –دون سعة دور الرجل- فإن الإسلام قد مال إلى الاحتياط أكثر في حفظ حقوق العباد، فأقام مقام الرجل (المرأتين) في تحمل الشهادة وأدائها.. مُعللا ذلك بتعرض المرأة (للنسيان) الذي عبر عنه بقوله : (أن تضل) ،واحتاط منه بتذكير إحداهما الأخرى "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى.." [69]
إن التحفظ بشأن شهادة المرأة ، وتعزيز شهادتها بأختها إنما جاء من قبيل الاحتياط أن تُؤتى المرأة من قبل قدرتها على التحمل، أو الأداء، أو تأثرها بالانفعال السلبي أو الإيجابي حال التحمل، أو الأداء.. وهذا ما عبر عنه الشرع بنقص العقل.
فما حقيقة هذا النقص؟؟؟
ففي مشهد مهيب يُوضع فيه ميزان القسط لإقامة العدل بين الناس، يجري فيه القضاء بالأحكام والحقوق تُجلله الآداب الشرعية، وتُدبره حُنكة القاضي وحصافته، وترمق سير وقائعه فراسته.
لا ريب في أن تضطرب السنة الأشهاد، وتقصر الذواكر عن استحضار وقائع القضايا في مجلس القضاء وفق وقوعها، فتعمل دهشة الموقف، وتدافع الخصوم، واحتدام التنازع في مشهد القضاء عملها في الذاكرة، لاسيما ذاكرة المرأة، التي هي مظنة القصور عند التحمل، ومظنة (الدهشة، والحصر، والبهر) عند الأداء بفعل (الحياء) أو الخوف، أو الخجل، أو الوجل .
فاحتاجت حين الصيرورة إليها لطلب الشهادة إلى التعزيز بذاكرة أخرى لتغطية الوقائع، واستجلاء جوانب القضية "فتذكر إحداهما الأخرى" .
فكان ذلك الشارع الحكيم تعزيزاً، وتذكيراً، وتيسيراً، وحفظاً للحقوق من الضياع، واحتياطاً بشأنها..
ولا يعود ذلك على المرأة بالزراية والتقليل من شأنها .
كما لم يعد ذلك على الرجل عندما أقام الإسلام الشهادة على كاهل رجلين ولم يقبل شهادة رجل واحد "واستشهدوا شهيدين من رجالكم .."
وبينما طُولب الرجل (بأداء الشهادة) كاملة على وجهها، فلم يُعذر إن هو قصر ففي الحديث : (ترى الشمس؟ قال : نعم، فقال: على مثلها فاشهد، وإلا فدع) [70]
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : (من شروط الشهادة أن يحفظ الحادثة من يوم شهد إلى يوم يؤدي الشهادة، بحيث لا يعتريه نسيان، ولا يُجاوره طغيان) .
ولذا فقد جاء التعزيز هنا للتأسيس والتوثيق، وليس للاستكمال والتذكير، فالزم الرجل الجدية في حفظ وقائع ما وقع، وفي أدائه.
وذلك لمُعاملة الشارع الحكيم له بقاعدة الأخذ بالعزيمة في ضبط ما جرى، ومعاملة المرأة بقاعدة العفو، والتيسير في الاستذكار ولو لبعض ما جرى، وأحاطها من ورائها بأخرى.
فلم يعتبر الشارع الحكيم قُصورها في حمل الشهادة وأدائها تفريطاً، وهذا من الرفق بها، واعتبر تقصير الرجل في التحمل والأداء للشهادة على وجهها تهاوناً على جنب الحقوق.
ويبقى نقصان (عقل المرأة) الذي أشار إليه الشارع، مؤطراً بإطاره الذي حدده، لا مطلقاً في كل مجال (قال فأما نقصان عقلها فشهادة امرأتين بشهادة رجل..) .
وإذاً فلا يجوز إطلاق ما قيده الشارع، وتعميم الخاص الذي بين دائرة خصوصيته.. ولقد علمنا التخصيص بنص الشارع عليه في الحديث المتقدم..
ثم من جملة الأحكام التي أعطى الشارع المرأة من خلالها الأهلية المطلقة في ميادين الرواية الشرعية، (وحسبك بمسند عائشة رضي الله عنها) ..
فقبلت رواية المرأة على قدم المساواة مع رواية الرجل..
كما اعتبرت أهلية المرأة العقلية مطلقاً في إبرام كافة العقود المدنية مستقلة بذاتها من بيع وشراء وهبة وتوكل وتوكيل.. الخ.
وكما قصر عقل المرأة في ميدان الشهادة على الحقوق فاحتاجت إلى أختها لتُذكرها، وهو قصور أو نقصان محدود ومخصوص، فقد قصر عقل الرجل، أو (طار) كما يُقال في حضرة المرأة حيث أشار إلى هذا الحديث الشريف الذي يتحدث عن قصور المرأة..
ولكن الذكور أبوا إلا أن يتجاوزوا عن ضعفهم في هذا المقام، واعتبروا ضعف المرأة ضعفاً جوهرياً في كل شيء بينما هو ضعف عارض، ومحصور في مقام الشهادة كما حدده الحديث النبوي الشريف (أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين بشهادة رجل..) .
بينما يصرح الحديث بذهاب عقل الرجل الحازم حال مشاهدته للمرأة الناقصة العقل حال الشهادة: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن) .
فإذا كان لب الرجل الحازم قد طاش بين يدي المرأة .
وإذا كان عقل القاضي الحازم قد استلبه الغضب، وغيره من عوارض تغير حال التوازن النفسي فمنعه الشارع الحكيم من القضاء [71] ، فما حال الرجل العادي أو الضعيف خلقة وأصلاً؟!.
إن حالات الضعف أو القصور أو النقص التي أشار إليه الشارع مخصوصة بمخصصاتها، مقيدة بقيودها لا يجوز أن تكون ذريعة لإلغاء أهلية أحد الشقيقين أو تنقصه أو الزراية به.
وكما أن نقصان عقل المرأة الذي أشار إليه الشارع، لا ينبغي أن يؤخذ مطلقاً.. وكذا الحديث عن نقصان الدين، الذي لم يتجاوز الحديث عن تيسير جلبته المشقة.. فحُطت عن المرأة تكاليف العبادة، حين أصابها بحكم الطبيعة ما يجعل القيام بحقوق العبادة شاقاً عليها على قاعدة المشقة تجلب التيسير..
وإعمالاً لهذه القاعدة (المشقة تجلب التيسير) التي لا يسوغ معها أن يُجمع للمرأة بين مشقتين،
مشقة عناء جريان دم العادة .
ومشقة متابعة القيام بالعبادة،
أو بين مشقة الجمع بين أذى الحيض
وعسر طهارة المحل لأداء الفرض، لوجود المانع..
ولهذا حط الشارع الحكيم عنها أداء بعض العبادات تيسيراً، وكلفها امتثال تركها أثناء جريان العادة تقديراً.
فنقصت من المرأة بعض عبادة الأقوال، والأفعال بالجوارح، واللسان، ولم تنقص عبادة القلب بالامتثال والإذعان.
والأصل في العبادة هو الإذعان، والامتثال لأمر الله عز وجل، ونهيه بلا اعتراض.
وهو الأمر الأعظم المشروع الذي يعتبر رأس واجبات القلب المؤهل لامتثال المأمور، والكف عن المحظور في الرجل، والمرأة على السواء.
ثم يأتي بعد ذلك قول اللسان، وفعل الجوارح للمأمور، أو الكف عن المحظور فرعاً للإذعان، ومظهراً للامتثال.
فإذا ما نُهي المكلف عن قول، أو فعل مأمور به في الأصل لطارئ مؤقت أخل بأهلية الأداء دون أهلية الانتهاء وجب امتثال الكف، وإيقاف آلة القول، والعمل عن وظيفتهما القولية، والفعلية فيه ريثما يزول المانع المخل بأهليتهما للأداء، دون أهليتهما للانتهاء.
والمانع هنا يمنع الأداء ويُعفى به عن القضاء لبعض العبادات كالصلاة، كما يمنع الأداء عند حصوله دون القضاء عند زواله، كالصوم.
والمرأة ما دامت متُلبسة بأذى الطمث لا تصلح محلاً للتقرب إلى الله عز وجل لبعض العبادات الجليلة القدر، ما دام الأذى عليها..
لأن جلالة العبادة من جلالة المعبود، فأعفيت من عبادة الصلاة عمود الإسلام أداء، وقضاء، ومن عبادة فريضة الصوم أداء لا قضاء لأنه لا محل اعتبارياً لبعض العبادة المعتبرة بالقول، والعمل.
وكل ما يؤجر المكلف على ما امتثال قوله، أو فعله من الواجبات إذعانا، يُوزر على تركه عصياناً ما دام مؤهلاً للقيام به، فإذا ارتفعت أهلية القيام به لمانع شرعي وزر عندئذ قائل أو فاعل المأمور به الذي نهى عنه الشارع لمانع، ويؤجر حينئذ على امتثال الكف عنه بسبب المانع لأدائه.
وإذن: فالنقصان هنا نقصان أداء قول أو فعل ممنوع، لا نقصان امتثال مشروع.
فالمرأة امتثلت للمأمور وقت الأمر، وامتثلت للكف حال النهي، وكل ذلك عبادة امتثال..
ونخلص إلى أن هذه المرأة الناقصة الصلاة حال العادة، والناقصة العقل وقت الشهادة تذهب بلب الرجل الحازم فضلا عن المتساهل.
وفرق كبير بين النقصان والذهاب.
فنقصان العقل لا تُرفع معه كامل الأهلية، وترتفع بذهابه بالكُلية.
فإذا كانت المرأة قد تماسكت بين يدي القضاء، فأحرزت عقلها لأداء ما قدرت عليه من الشهادة؛ فإن الرجل لم يتمالك بين يدي المرأة فزال لبه حال المشاهدة.
وإذا كان الشارع الحكيم قد وثق شهادة المرأة، واعتمدها مشفوعة بأخرى في إثبات الحقوق رغم ما يقوم بها من رقيق العاطفة أو يعتريها من رهق أذى الطمث، والنفاس؛ فإنه قد حظر على الرجل القاضي فضلا على العادي أن يقضي بما أثبتته الشهادة حال هجوم عاطفة الغضب عليه، أو هجوم رهق الاخبثين ونحوهما الشبيهين بإفراز الحيض والنفاس في المرأة.
فسلب الشارع الحكيم الرجل القاضي أهلية الحكم والقضاء بما أثبتته الشهادة من الحقوق بالكلية، ولم يسلب المرأة الشهادة في إثبات الحقوق بالكلية.
فصار الفرق بين الاعتبار الجزئي لشهادة المرأة والإلغاء الكلي لقضاء القاضي بما أثبتته الشهادة واضحاً .
|
|
|