الموضوع: الشهيد الطيار
عرض مشاركة واحدة
قديم 24-01-2008, 08:07 PM   #4
النسر الابيض
مراقب إداري سابق


الصورة الرمزية النسر الابيض
النسر الابيض غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 22257
 تاريخ التسجيل :  12 2007
 أخر زيارة : 24-10-2009 (08:34 PM)
 المشاركات : 1,614 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الشهيد الطيار (5)



لكنه أضاف المعنى المعجز الذي نؤمن به ، وهو وروحه - أي التي قذفها في مريم عليها السلام - ورسوله فهو نبيٌ مرسل كرسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال : " وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول " أيضاً ليبرئ مريم عليها السلام مما يقذفها بها بعض اليهود والمحرفين منهم - على وجه الخصوص - فهو جمع في ذلك محاسن عقيدة الإسلام في هذه المسألة المهمة .
فلا هو ابن الله ، ولا هو الله ، ولا هو بشر كسائر البشر ، بل هو كلمة وروح ألقاها الله إلى مريم ، وليست مريم عليها السلام ممن عنده شيء من شبه أو من قذفٍ أو من غير ذلك .
استطراد يسير نذكره لبعض علماء الإسلام : " أبوبكر الباقلاني " جاءه بعض النصارى ، وأرادوا أن يثيروا بعض الشبه ، فقالوا له : إن زوجة نبيكم قد وقع لها ما وقع - يعنون بذلك حادثة الإفك ، ويرمون بذلك عائشة ، ويغمزون في شرفها - فقال بذكاءٍ وفطنةٍ وبديهةٍ وسرعة : هما امرأتان اتهمتا في شرفهما ، وبرأهما الله عز وجل ، أما واحدة فلم يكن لها زوج وجاءت بولد ! وأما الثانية فكان لها زوج ولم تأتي بولد - يعني الأولى مريم - قال : إذا كان ولا بد من شبهة فتلك لا زوج لها وجاءت جاء بها ولد جاء منها ولد ! وأما هذه فلها زوجً ولم يأتي لها ولد فهي أبعد عن الشبهة ومع ذلك فنحن نبرأهما كما برأهما الله عز وجل .

قالت : فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال : والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود - يعني بالضبط تماماً كما قلت ، وهو يعرف التحريف – وذلك كان من أثر عرض جعفر بن أبي طالب أن النجاشي أسلم ، وأكثر الروايات على أن النجاشي الذي أسلم والذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو هذا النجاشي الذي لقيه جعفر بن أبي طالب وتكلم بين يديه .
قالت فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - والشيوم الآمنون - من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم . ما أحب أن لي دبرا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم - ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه .
قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار .
وهنا نرى كيف كان فطنة جعفر رضي الله عنه ، والمقام أقصر من أن نحيط بكثيرٍ من جوانب العظمة والذكاء والفطنة وحسن العرض والدعوة فيما كان من جعفر رضي الله عنه .
الرابعة : الجود والكرم
ولقد نال منها جعفر مبلغاً ورتبةً لم ينلها كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - وأبو هريرة كما تعلمون كان من أهل الصفة ومن فقراء المسلمين الذين كان ليس لهم مصدر دخلٍ ولا قوت ولا طعام إلا ما يكون من الغنائم في الجهاد ، وما يكون من إكرام المسلمين وهداياهم وصدقاتهم لهم - يقول أبو هريرة رضي الله عنه : "خير الناس للمساكين فكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إنه ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها ".
يعطي ما عنده لا يستبقي شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً .
ولذلك كثر مدح أبي هريرة على وجه الخصوص له ؛ لأنه كان من الفقراء ويعلم شدة الفقر والجوع رضي الله عنه وأرضاه .
ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " هذا الحديث تقييد يحمل عليه المطلق الذي رواه عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب . يعني في الجود والكرم .
أخرجه الترمذي والحاكم وصححه .
وهذه روايةً ساقها الترمذي فيها طرافة ، وفيها ذكر لهذه المنقبة العظيمة لجعفر رضي الله عنه .
يقول : " كنت أسأل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الآيات من القرآن - وأنا أعلم بها - منه ما أشاء إلا ليطعمني شيئاً ، فكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله ، فيقول لامرأته : يا أسماء أطعمينا شيئاً فإذا أطعمتنا أجابني " .
أي يسأله عن معاني بعض الآيات وهو أعلم بها هو لا يريد السؤال ولا يريد الجواب يريد حديثاً حتى يقول له تفضل وادخل البيت فينال شيء من طعام
يعرف أن أبا هريرة إنما يريد الطعام أولاً ثم يقول في تتمة الحديث أبي هريرة : " وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ، ويحدثهم ويحدثونه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين " وهذه كنية اشتهرت لجعفر رضي الله عنه فهو أبوالمساكين .
وفي رواية أبي هريرة أيضاً عند الترمذي ، قال : كنا عند جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه - أبى المساكين - فكنا إذا أتيناه قرب إلينا ما خطر ، فأتيناه يوماً فلم نجد عنده شيئاً ، فأخرج جرة من عسلٍ فكسرها ، فجعلنا نلعق منها " .
فمن شدة كرمه رضي الله عنه أنه كان يكسر جراراً للعسل حتى يلعقوا ما فيها .
ثم كذلك وردت الرواية عند البخاري في هذا المعنى الذي ذكرناه ، وذلك من وجوه الكرم والجود التي كانت معروفةً عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه .
وهذا - إن لاحظتم - يدل على بروز هذا الخلق عند جعفر رضي الله عنه ؛ لأن جعفر كان في الحبشة ، وإسلام أبي هريرة إنما كان في العام السابع بعد خيبر ، ونعلم أن جعفر رضي الله عنه - كما سيأتي - شارك في مؤتة ، واستشهد فيها .. عام واحد هو الذي كان يجمع بين أبي هريرة وجعفر في المدينة ! ومع ذلك كان كرم جعفر رضي الله عنه مشتهراً ؛ حتى لقب بـ " أبي المساكين " حتى كان أبوهريرة - وهو من هو - يذكر : أنه ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطئ التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أو أفضل من جعفر بن أبي طالب ؛ لما كان لأثر كرمه ، وجوده على أبي هريرة وعلى غيره من فقراء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .

وهذا يدلنا على هذه المنقبة العظيمة التي تدل على نفسٍ سمحةٍ سخيةٍ ، وعلى رغبةٍ في الأجر والمثوبة ، وعلى رغبة في إدخال السرور إلى قلوب الضعفاء والمحتاجين .
الخامسة : الشجاعة والإقدام
وهنا بيان لمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة وإرادته إظهار المناقب والمراتب لبعضهم ؛ فإن جعفر رضي الله عنه كان في الحبشة وقتاً طويلاً ، لم يشهد غزوة بدرٍ ، ولا أُحد ، ولا الخندق ، ولا الحديبية ، ولا خيبر ، لكنه وافى مع الصحابة خيبر فقسم له النبي عليه الصلاة والسلام من غنائم خيبر ، وأول معركةٍ أو غزوةٍ عظيمةٍ كانت بعد ذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم جعفر من قادتها .
وهذه المعركة الشهيرة التي سميت غزوة - واشتهرت بأنها غزوة - وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يشارك فيها هي " غزوة مؤتة " ، وهي أول تحرك عسكري للمسلمين خارج الجزيرة العربية ، وخارج المواجهة مع العرب وقبائل العرب لمقاتلة ومنازلة الروم .
وهي الغزوة الوحيدة التي أمّر فيها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمراء ، وهي الغزوة الوحيدة التي نصّ النبي صلى الله عليه وسلم على نتيجتها وخبرها وحياً وقت وقوعها قبل عودة الصحابة ورجوعهم رضوان الله عليهم أجمعين .

أمر النبي عليهم زيد بن حارثة قال ؛ فإن قتل فجعفر بن أبي طالب ؛ فإن قتل فعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم أجمعين .
وكن النبي صلى الله عليه وسلم يدرك عظمة هذه المواجهة .
وعجيبة - أيها الأخوة – وهو أن عدة جيش المسلمين كان ثلاثة آلاف وأقل عدد ذكر في الروايات لجيش الروم أنه كان ثلاثين ألفاً أي عشرة أضعاف ، وفي بعض الروايات مائة ألف وفي بعضها مائتين ألف ، ما النتيجة المتوقعة لعشر أضعاف من الجيش يقابلون عشرهم مع قلة الزاد والعتاد ، وطول السفر والشقة .
من المفترض أن لا يأخذوا إلا سويعة من الزمان ويثنوهم عن بكرة أبيهم !
لست بصدد الحديث عن الغزوة ولكني أقول : ما نتيجتها في آخر الأمر ؟ كم عدد الذين استشهدوا في غزوة مؤتة من هذا العدد الذي كان يبلغ ثلاثة آلاف ؟
أظن أن أكثركم لا يستحضر الرقم ، وقد يتعجب منه كثيراً شهداء غزوة مؤتة اثنا عشر شهيداً - ربعهم قيادة الجيش القواد الثلاثة رضوان الله عليهم أجمعين - لم تكن القيادة بمعزل بل كانت في مقدمة الصفوف .
ثم كيف تسنى لهم أن يواجهوا الجيش حتى يفصل عنهم ، ثم ولّوا خالد بن الوليد - كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام - وكما وقع به الحال ، ثم استطاعوا أن ينسحبوا انسحاباً عسكرياً قوياً ، ولم يكن انسحاب هروبٍ أو فرار ، لماذا ؟ لأنه لو كان انسحاب هروبٍ لكان انسحاباً متعثراً مرتبكاً وكان مغرياً للأعداء أن يلحقوا بهم ، وأن يبيدوهم ، لكن الأعداء قد رأوا الهول ، فاكتفوا بأن انسحب المسلمون من أمامهم ، ورأوا أن هذه فرصةً عظيمة لهم أن لا يواجهوا هؤلاء الناس الذين كانوا يحبون الموت أكثر من حب أولئك للحياة .

وهنا وقفاتنا مع جعفر رضي الله عنه .. قاتل زيدٌ حتى استشهد ، فحمل الراية جعفر رضي الله عنه وقاتل قتال الأبطال .


 

رد مع اقتباس