نـحـو مفهـوم الســاعـة (2)
متابعة للجزء 1
وفي الآخرة لا توجد إلا حقائق، والزيف ليس له وجود هناك، ولذا فإن
نفس المعرض عن الله في الحياة الدنيا، بسبب اتِّباعه لشهواته،
تذهب إلى بارئها عمياء، لأنها لم تحاول أن تتعرف على الحق في
الدنيا. قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى،قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ
بَصِيرًا،قَالَ كَذَلِكَ...}: كنت أعمى البصيرة في الدنيا.
{...أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}(124ــ126) سورة طـه!.
أننساك اليوم!. لا بدّ أن يُساق لنفسك ما يلزمها من علاج. ويدعم هذه
الحقيقة قوله تعالى: {... فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحـج.
{وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (72)
سورة الإسراء.
وبما أن الله سبحانه وتعالى حريص على سعادتنا، فإنه يسوق لمن
كفر به من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، لعلهم يرجعون عمَّا هم
فيه من الشقاء، إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وتخليصهم
من حب الدنيا التي هي مصدر كل شقاء وكل ألم.
قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ} (21) سورة السجدة: و(لعلّ) هنا تبين بوضوح أن الاختيار
مطلق للإنسان.
لذلك فإن الهلاك سوف يحلُّ بساحة البشرية إذا خالفت السنن أو
القوانين التي أوجدها تعالى لهم، وتجاوزت إلى نقطة اللاعودة إلى الله
عز وجل. لقد ضرب تعالى من الأمثلة العملية فيما حل بالأمم
السابقة، عندما تجاوزت تلك السنن الموضوعة لسعادتهم، ولم يقبلوا
بتحطيم الحواجز التي حالت بينهم وبين السبيل إلى الله تعالى، كقوم
نوح عليه السلام وقوم عاد وثمود وفرعون...
أما اليوم، فمهما بذلت البشرية من جهد لكي تتخلص من الآلام
والشقاء الذي حلَّ بها، أو من هذا القلق الحاد الملازم لها ملازمة الظلِّ
لصاحبه، من هذا الضياع والضلال البعيد، ومن تلك المتاهات الفكرية
المتعاكسة والمتشابكة، التي منها يظنون أنهم سوف يتوصلون إلى
السعادة المنتظرة. فإنهم لن يفلحوا أبداً بذلك، ولن يفلحوا إلا بشرط
واحد، هو العودة إلى إقامة شريعة الله في أرضه قولاً وعملاً، وأخذها
بقوة، فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا!. فلينظروا زلازل وبراكين وأعاصير
مدمرة، وأمراضاً فتاكة، كما وقع ويقع اليوم، وبعدها ينظرون ناراً تصهر
الحديد الصلب، وتُفتِّت الحجر الصَّلد، وما ذلك عن الظالمين ببعيد:
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
(102) سورة هود:
هذا قانون، كل من سار بهذا السير، حق عليه الهلاك.
لقد ضرب لنا تعالى في كتابه العزيز الكثير من القصص عن هلاك
الأمم، التي تخلَّت عن السنن الإۤلهية، واتَّبعت شرائع من وضع
أهوائها، وبين لنا الأسباب التي حالت بينهم وبين الرجوع إلى دين
الحق، ثم النتائج المؤسفة التي انتهوا إليها.
وكان تعالى قبل هلاكهم يرسل إليهم نذيراً، يحذرهم من مغبة
معتقداتهم وأعمالهم المخالفة لسنن الوجود، ويبين لهم أن تلك
المعتقدات لا تزيدهم إلا شقاء، ولا تزيدهم إلا بؤساً وابتعاداً عن منبع
السعادة الحقيقية، إلا أن دعوتهم غالباً ما كانت لتلقى إلا آذاناً صماء
وقلوباً غلفاً، ذلك لأن المادة قد أوصدت أبوابها على عقولهم، وأغرقتهم
إلى الأذقان فهم مقمحون.
يتبع .............
|