اول علامات الساعة التي تمت طلوع الشمس من مغربها وانشقاق القمر
طلوع الشمس من مغربها وانشقاق القمر
* إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يسيران نحو غاية معينة ولأجل، لا يتبدلان إلى آخر الدوران، وأي تبديل في نظامهما، يتبعه تبديل نظام الكون كله، فإذا طلعت الشمس من مغربها، فمعنى ذلك أن الأرض بدأت تدور بعكس اتجاهها الأول، وبالتالي أصبح الليل سابقاً للنهار، وهذا ما لا ينبغي أن يكون، لأن الله قد نفى ذلك بآية صريحة: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (40) سورة يــس.
لذلك فإن هذه الإشارة أو هذه العلامة لا تعني هنا هذا الكوكب الملتهب الذي يشرق في الصباح، ويغرب في المساء وإنما معنى طلوع الشمس هنا، هو معنى مجازي.
كما أنه تعالى حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سراج منير، والسراج هو الشمس: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (45ــ46) سورة الأحزاب. فكان صلى الله عليه وسلم شمس النبيين رحمة للعالمين نور الله الذي به يُرى طرفٌ من أسماء الله الحسنى، فهنا جاء معنى السراج مجازياً كشفاً لحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكاشف لما أغلق والفاتح لما سبق.
كما أن سيدنا يوسف عليه السلام رأى والده وأمه في الرؤيا شمساً وقمراً وإخوته كواكب.
أما الشمس التي هي مدار بحثنا وجدها ذو القرنين عليه السلام تغرب في عين حمئة فهل يعقل أن تغرب هذه الشمس التي في السماء في بقعة من بقاع الأرض رغم ضخامتها أم كيف يجد قوماً عندها وهي في السماء. وماذا يحدث لو اقتربت الشمس من الأرض وخرجت عن مدارها المعروف علمياً بداهةً؟. ألا تتبخر الكرة الأرضية وتفنى؟
إذن: المقصود بطلوع الشمس من مغربها، هو بزوغ الحضارة وعلومها البرَّاقة من جهة الغرب، أو من الجهة التي غربت فيها، لا من المشرق عن طريق شمس النبيين صلى الله عليه وسلم السراج المنير.
إن حضارة هذا القرن، قد أشرقت على المعمورة من الغرب، وانتشرت كالشمس في أرجائها، إذ ما من أحد إلا وعليه أثر من آثار أشعتها، وما من امرئ إلا ووسمته بميسمها.
تلك الحضارة التي انتشرت عمقاً واتساعاً، في أنحاء الأرض، قد غزت عقول الناس وقلوبهم، وأزاغت قلوبهم عن منبع النور الحقيقي، وجعلتهم يعيشون في ظلمات وقلق، ونتيجة ما أرسلته مع أشعتها من شوب، استطاعت أن تبهر عقول الذين كفروا، حيث جعلتهم في ظلمات لا يبصرون، وبهذا العمى القلبي، راحت البشرية تعب منها عبّاً دنيوياً محضاً، لا إيمان فيه.
* فما شروق الشمس من مغربها، ولا انشقاق القمر، إلا معاني مجازية، ترمز وتدل على أشراط الساعة الكبرى، وبداية الآية الكريمة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} (1) سورة القمر: تؤكد هذا المعنى وتبينه بوضوح، بأن اقتراب الساعة مرتبط بانشقاق القمر، وليست كما يقال أنها معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يؤكد هذا المعنى أيضاً:
* أن الله تعالى لم يؤيد رسوله بالمعجزات، ولا بخوارق العادات، وإنما أيده بقرآن يقذف بآياته باطل الكفار، فإذا هو زاهق لا حياة فيه.
* ذلك لأن للمعجزة تعريف: وهي تكون ظاهرة مكشوفة للناس وفيها تحدٍّ، كما بينها تعالى بمعجزة عصا سيدنا موسىعليه السلام:{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } (59) سورة طـه:والمعجزة ليست بناقلة لأحد من الكفر إلى الإيمان، ما لم يعمل فكره، ويتأمل في هذه الكائنات، صنع الإۤله العظيم. وقد بين تعالى بآية واضحة سبب منع إرساله المعجزات، أن كذب بها الأولون، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ...} (59) سورة الإسراء، فبعد التكذيب بالمعجزة، الهلاك الحتمي، والله يدعو إلى دار السلام، ولا يرضى لعباده الهلاك، فهل يرسل لهم ما يهلكهم، وهو العليم بأحوالهم وبتكذيبهم؟!. فإن جاءت المعجزات وما آمنوا، سيهلكون، وهم لن يؤمنوا،وهاكَ نظرة سريعة لصنائع المعجزات.
* فالنار: كانت على سيدنا إبراهيم عليه السلام، برداً وسلاماً،وما زاد ذلك قومه إلاَّ كفراً وعناداً، ولم يؤمن من قومه أحد، وأصبحوا فيما بعد، قوم لوط المرجومين بحجارة من سجيل.
* خروج الناقة من الصخرة: معجزة أرسلت لقوم سيدنا صالح عليه السلام، بناء على طلبهم، ومن صخرة هم عيَّنوها،فما جعلت قومه يعظمونه في شيء، بل ما كان منهم إلا أن قالوا:{ مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا..} (154) سورة الشعراء، ثم عقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا: {... يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (77) سورة الأعراف،وهلكوا.
* وقال آل فرعون لسيدنا موسى عليه السلام بعد أن رأوا ما رأوا، من آيات بيِّنات ومعجزات: {... مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (132) سورة الأعراف،وازدادوا كفراً وعناداً.
* أيضاً معجزات سيدنا عيسى عليه السلام أحيا الميت وأبرأ الأكمه والأبرص، وخلق من الطين طيراً بإذن الله، أما قومه: {... فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} (6) سورة الصف ،ومكروا مكراً ليقتلوه عليه السلام، وحل بهم الهلاك الحقيقي، إذ حُرموا من: {... الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ... } (89) سورة الأنعام:بعد كفرهم. والله آواه وأمه إلى ربوة ذات قرار ومعين، ويقال أنها ربوة دمشق،أي: سحب تعالى هذا الخير العظيم، عليه السلام، عنهم بكفرهم.
* وكما أشارت الآية الكريمة إلى أنه لا فائدة من رؤية المعجزات، إن لم يصدُقْ الإنسان بطلب الحق، في قوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ، لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} (14ــ15) سورة الحجر: إن لم يكن الإنسان هو بذاته طالباً للحق فسينكث ويعود للمعارضة ويظن المعجزات سحراً، فالإيمان أصل من دونه لن يصدق المرء بطريق الكمال.
فالمعجزات ليست بناقلة أحداً من الكفر إلى الإيمان من الأقوام السابقة، لذا أتت الآية الكريمة بإيقاف ظهور المعجزات: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ...} (59) سورة الإسراء،بل لا بدَّ من إعمال الفكر الدقيق، فيما يسمعه الإنسان من الهدى والبيان، كما آمن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكما آمن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع تعالى شأنهم، أو النظر والتأمل في هذه الكائنات، مع الخشية من الفراق الذي لا بُدَّ منه، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق.
القرآن الكريم معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الخالدة:
* أمَّا معجزة القرآن، فلا تنحصر في ناحية معينة، كجمال الأسلوب، ولا في جرسه العجيب، ولا في غزارة معناه، مع إيجاز لفظه ومبناه، وإنما تشمل أيضاً، احتواءه على علوم البشر، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها،قال تعالى:
{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ...} (10) سورة الأنبياء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه اللّه، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله اللّه، وهو حبل اللّه المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن اذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هديَ إلى صراط مستقيم)(1).
هذا ولم يرسل تعالى الرسل الكرام صلوات الله عليهم، إلا بلسان قومهم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ...}(4) سورة إبراهيم.
ففي عصر سيدنا موسى عليه السلام كان السِّحر بأوجهِ، فأيَّده الله تعالى بمعجزة أبطل بها شعوذتهم ودجلهم وتخييلاتهم وأما سيدنا عيسى عليه السلام فقد جاء بعصر الطب وتفوقه، بمعجزات ما أبطل علمهم، كإحيائه الموتى بإذن الله، وخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيراً بإذن الله، وإبرائه الأكمه والأبرص.
وكذلك سيدنا سليمان عليه السلام جاء بعصر الملك، وكيف أن الله وهب له من الملك ما لم يهبه أحداً من بعده.
وكذلك الأمر في عهد سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم إذ أصبح الزمن زمناً يتبارى فيه البلغاء، ويتنافس فيه الشعراء، ولم يبق للملك والسلطان تلك القيمة التي كانت له عندهم من قبل، فبيتُ شعر بنظر العرب آنذاك، أثمن لديهم من قصور كسرى وقيصر، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم، معجزة أبدية مكشوفة ظاهرة لكل الناس، وفيها تحدٍّ من الله تعالى لهم: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ، وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ..}: تحدٍّ واضح من الله تعالى لهم. {... وَلَن تَفْعَلُواْ...}: وهذا تحد لكل الأزمان وإلى نهاية الدوران، إذن:{ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }(23ــ24) سورة البقرة.
|