19-03-2008, 01:02 AM
|
#2
|
عضو فعال
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 23050
|
تاريخ التسجيل : 02 2008
|
أخر زيارة : 29-03-2008 (12:40 AM)
|
المشاركات :
49 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
متابعة
عندها استيقظ السيد سليم من الحلم الطويل...
استيقظ من عمره كله من دنياه... من غفلته والدموع قد بللت وجنتيه بعد أن أدرك ما سمعه من أخيه وعَقَلَه، وشعر بصحة ما يقول وصدَّقه، لقد أسعدته رؤية أخيه وأسعده ما قال.. إنه خلق في نفسه حبّاً جديداً وكبيراً، حبّاً لله وحبّاً للرسول (ص)، واندفع بقلبه السقيم يدعو ولديْه... أن آتوني بالمهندسين والمتعهدين، أحضروا لي خبراء البناء... يجب أن أُشفى، يجب أن أبدأ مشواري الجديد، لا أريد أن أموت وأنا على هذه الحال.
وطبعاً كان في اندفاعه هذا صادقاً صدقاً حقيقياً... وحاشى لله أن يردَّ عبداً بحاجته طالما أنه أنفق مما يُحب في سبيله:
«لا يؤمن أحدكم حتى ينفق مما يحب».
نعم لقد نفَّذ وصية أخيه بحذافيرها...
أدرك جدّية المرحلة القادمة وحساسيتها، وأنها تتطلَّب منه الصدق والمثابرة وعدم التوقُّف أو التراجع عن قراره في تخصيص هذه الأرض الغالية وإيراداتها للمحتاجين والمقطوعين، وبأنه عمل خالص لوجه الله على نيّة شفائه من علله الجسدية والنفسية التي كانت الدنيا سبباً في تراكمها والبعد عن الله يدعم تفاقمها...
وبناءً على ما تقدم راح يراقب نفسه وينتظر، ولم يكن هو وحده الذي يراقب وينتظر، إنما كان قلب السيد محمد أمين في لهفة وقلقٍ يكاد أن يتلاشى معها صبره.
يا إلهي!. هل من الممكن أن تحدث فعلاً؟.
أمعقول أن يعافيني الله ويرفع عني ما أرادت حكمته أن يحل بي!.
إنني فعلاً أشعر بتحسن... أشعر أن شيئاً ما يسري في عروقي يحرك كل أحاسيسي، شيئاً يدفعني أن أقف... أن أسير... أن أعود ولكن إلى أين؟.
هل أعود إلى حياتي... إلى شروري إلى غفلتي وإعراضي... إلى ظلمي وجحودي... هل أنسى الله مرة أخرى... هل أنسى فضله وإحسانه... هل عساي أعود إلى سباتي.
وماذا ستنفعني وقتها صحتي وعافيتي... لا والله لا أريدها، ولا أرغب بها وسيلة تساعدني على الاستمرار في طريقي هذه، طريق مظلمة باردة... وكل خطوة فيها هي أبعد من سابقتها... وأخيراً أصل إلى المأوى الذي صنعته أنا بنفسي، بعملي، ببعدي... ربَّاه ما الذي جاء بي إلى هنا... هل كنت أصم؟. هل أنا أعمى حتى قادتني قدماي إلى
هنا... نار تلَظَّى، سيكون لي فيها علاج من أدراني وأمراضي النفسية الدنيئة!. لا وألف لا وكلا... إلهي إني أسألك الصفح والعفو والغفران... ربَّاه إني عبد وقف ببابك طالباً أن تفيض عليه رحمة وحباً وماءً طاهراً ونوراً تغسل به نفسي المشبعة بحبِّ الدنيا، ربَّاه إن لي حاجة عندك،
وأسألك ألاَّ تردَّني بحاجتي. ربَّاه أعاهدك على الصلاة ما دمت حيّاً وستر زوجتي يا رب...
وما هي إلاَّ أيام بعدها أيام حتى بدأ التحسن فعلاً.. عندها صدق هذا الإنسان بطلبه، وأصرَّ على صدقه، وناجى ربه ليالٍ طوال، وبكى واستغفر وقدّم مما يحب قرباناً عند الله عسى الله أن يستجيب ويغفر، ونجح في الاختبار، واستغل فرصته الأخيرة قبل أن تُغلق الأبواب وتسقط الأوراق وتصعد الروح إلى السماء ويُضم الجسد في التراب... وتبقى النفس تائهة نادمة.. ليس لها مكان على أرض ولا في سماء سوى الظلمات من بعد ظلم... ووحدة وخوف وآهات وآهات تدوي تمزِّق السكون... تهز الأركان، توقظ سكان القبور... إلهي هل من عودة لنا نعمل صالحاً لنصلِّي، لنسجد... لكن هيهات هيهات فالعمر قد مضى والموت قد وقع، ولكني على عهدي باقٍ.
لكن السيد سليم أقام حساباً لكلِّ هذا وأراد فعلاً أن يتَّقيَ شرّ ذلك اليوم وأن يُعدَّ نفسه ويحررها من أغلالها.
لقد بدأ الدم يتدفق والأعصاب تتنبه واستيقظت العظام وتململت ورفرف القلب مغرِّداً... علت البسمة الشفة... وتحشرج صوت الفرح وعجز عن الكلام... وأشرقت أنوار شمس في صباح جديد... وتفتَّحت أزهار الربيع بعد خريف طال أعواماً وأعواماً.
ولقد ظلله الله برحمته وحنانه وكانت عنايته تعالى به فائقة... وأغدق عليه سروراً ونعيماً، بثَّ في قلبه شيئاً من الفضيلة والخير والحب في النجاة انعكست على جسده الذي اهتزَّ وشُفي ورفل بالحياة.
حقّاً لقد اكتملت فرحته عندما استطاع أن يذهب إلى الأرض المعيَّنة التي سيُقام عليها المشروع الخيري ليضع حجر الأساس ومشياً على الأقدام في البناء الذي سيضم عشرات المحتاجين والمقطوعين، ويؤمِّن لهم عيشاً مريحاً ويعوِّضهم عن أيام فقر وحرمان ضمتهم وأشبعتهم بؤساً.
وعاد ليعيش دنياه الجديدة التي أرادها الله له...
وبالطبع لن ينسى أخاه، ولن ينسى فضله ودوره في شفائه من علل أصابت نفسه قبل أن تُصيب جسده ولن يترك الصلاة، وسيطلب من زوجته العصرية ارتداء اللباس الشرعي، وفعلاً تمَّ ذلك.
أما إنساننا السيد محمد أمين فقد كانت سعادته كبيرة ليس تسعها أرض ولا سماء وخصوصاً عندما رأى صورة أخيه التي كانت مرفقة بخطاب أرسله له السيد سليم يقصُّ فيه ما جرى معه ويشرح له الخطوات والمراحل التي مرَّ بها حتى وصل به المطاف أخيراً إلى الشفاء.
"تلك الصورة أُخذت له وهو يضع حجر الأساس للبناء بنفسه". لا تزال هذه الصورة التذكارية لدى دار السيد محمد أمين زاده الله تعالى رفعة وقرَّبه وأدناه.
* * *
لقد قدَّم السيد سليم عملاً عالياً وضحّى بالشيء المحبَّب إلى قلبه، صدقة لوجه الله ومن أجل الحصول على رضاه ومغفرته ولشفائه وهو يعلم تماماً بأن الله غني عنا، ونحن من يحتاج إليه، وليست الصدقة مجرَّد تقديم المال ليضيفه الله إلى خزائنه.
{.. وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ..} سورة البقرة: الآية (272).
إنما الصدقة تعبير عن صدقنا وتصديقنا إن سلكنا الطريق كله توصلنا للإيمان بعدها بلا إله إلا الله، أي لا فعَّال إلا الله ولا مسيِّر ولا قادر ولا مقتدر إلا الله... وفي حال الصدق في التوجه والنية حقَّ على الله أن يستجيب ويعدِّل حالك أيها الإنسان.
ولقد أمدَّ الله في عمر السيد سليم من بعدها سنين طوال تجاوزت خمس عشرة سنة بعد بناء البناء وتأمين حياة ومعيشة الفقراء... يرفل فيها بكامل صحته وقوته، وأغدق الله عليه من بسط وسرور ما كان يشعر بمثله قبلها أبداً.
والحمد لله في بدء وفي ختم
|
|
|