20-03-2008, 12:19 AM
|
#2
|
عضو فعال
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 23050
|
تاريخ التسجيل : 02 2008
|
أخر زيارة : 29-03-2008 (12:40 AM)
|
المشاركات :
49 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
متابعة
متابعة
في حين لا تجد مثل هذه النسبة ولا القليل منها في دولنا، رغم عدم توفر متطلبات النفس التي بحوزة الدول الراقية ذوات المنتحرين، ففي إمارة دبي التي تفوق غيرها من الدول العربية بنسبة الانتحار تبين من خلال مقالة لخبير بالطب الشرعي بدبي، حيث أكد أن ظاهرة الانتحار بدبي تشكل أقل نسبة من البلدان الأوربية
وكندا وأمريكا.
كما أن الكوكائين و الأفيون و المشروبات الكحولية والمخدرات منتشرة بين أفراد الدول الراقية انتشاراً ملحوظاً، يتناولونها ليغيبوا بها عمَّا يخالط نفوسهم من أهوال تمزقهم، وتبعث فيهم وهج نار قلبية حامية، حتى أنها تقذفهم نحو الانتحار والموت راجين فرج الكرب، آملين الخلاص مما فيهم من نصب وتعب، وضجر وملل، كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهم يجهلون تماماً وبعلومهم الماديَّة ماذا بعد الموت من أهـوال.
ولنا في قصة علاَّمتنا " محمد أمين شيخو " خير عون وسند لاستجلاء وجه الحقيقة بوضوح، تمَّ هذا عندما اجتمع بعميد عائلةٍ شهيرةٍ بالغنى والسلطان في مدينتنا "دمشق الحبيبة "، فوجده كئيباً مترعاً بالهمِّ والغمِّ والملل، فسأله علامتنا :
(خيراً يا بيك، ما هو المصاب الذي أصابك فحلَّت بساحتك الهموم والأكدار، علماً بأن لديك قصراً شامخاً في مصيف بلودان الشهيرة، وقصراً في لبنان، البلاد الفاتنة الجمال، كما أن لك فنادق ومشاريع في سويسرا وأوربا وأمريكا، فلماذا لا تتنزه بها وتجلو عن نفسك الصدأ وتذهب عنها الأكدار ؟! ..
فأجابه: يا بيك بلودان أعرفها وقد مللتها، ولبنان وسويسرا وأمريكا قد شبعت منها و مللتها، ولا أستطيع النجاة من الملل والضجر الذي يكاد يقتلني، لقد شاهدت كل شيء، ومللت من كل شيء.
وبعد أربعة أيام من هذا اللقاء و الحديث قرأ العلاَّمة الشهير " محمد أمين شيخو " نعوة هذا المليونير على الجدران).
لقد عاف الحياة وما فيها، وزهد بالمال وكرهه، فلم يحصل على السعادة في شيء رغم حصوله على كل شيء، بل أورثه الضنك والشقاء، ولقد صدق رسول الله (ص) إذ قال:
« تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم.. »(1).
وهكذا الدنيا وطالبوها يسعون ويركضون، حتى إذا تم لديهم بالمال كل شيء ولم يصلوا إلى السعادة، فضَّلوا الموت أو الانتحار. ناهيك عن مرضى الكآبة الذين لا يعرفون للشفاء منها سبيلاً، ولا طريق بالأدوية الطبية إلا التخفيف المؤقت، ولا جدوى ولا شفاء.
لِمَ ذلك؟.
وفي الحقيقة نقول إن طاقة الجسم البشري محدودة أمام طموح النفس
ومشتهياتها الكبرى،إذ تتمنى النفس أن تحوز كل المشتهيات والثروات، وأن تحصل على كل الملذات، فتصطدم مع إمكانيات الجسد المحدودة الصغرى، فتركيب طاقة غير محدودة على طاقة محدودة، هو مبعث الألم ومبعث الشقاء .
ويظهر هذا جلياً عند سن العجز، حيث يتهافت الجسم انهياراً مع تقدم السن، ويكون بعد الخمسين والستين قد اسْتُهْلِك، ولا يتمكن من تحقيق طموحات النفس اللامحدودة بسبب الأمراض والعجز والإنهاك، ناهيك عن ضعف البصر والسمع والسقوط والتراجع الجسدي المستمر، بما يورث القنوط للنفس، والإصابة باليأس وربما الانتحار .
وهذا شاعرنا العربي يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حْولاً لا أبا لَك يسأم
هذا وكم من الأغنياء حصلوا على الملايين من الدنانير يتمنون من صميمهم أن لو لم يكونوا مالكين لشيء من المال، ولهم من الصحة والنشاط والحيوية ما للآخرين، فليس للسعادة من سبيل عند رجل أضنته علته ومزقته آلامه الجسدية، والأمراض والأوجاع أخذت منه كل مأخذ، فأرهقته وسلبته الهناء،على كلٍّ ليست اللذة الحسية عن طريق الجسد سعادة حقيقية، إنما هي لذائذ منقضية عابرة، وقضاء شهوات ورغائب يعقبها الشقاء. شتان بين هذه اللذات المنقضية، وبين السعادة الدائمية، والفرق جدُّ واسع وكبير.
ذلك أن السعادة تستقر بالنفس وتخالطها وتمازجها، وبما أن النفس هي الذات الشاعرة وطاقاتها غير محدودة بينما الطاقات الجسدية محدودة، لذا لا يستطيع الجسد تلبية كافة رغباتها وتطلعاتها.
فتركيب طاقة غير محدودة على طاقة محدودة كما قدَّمنا، يجعل الأخيرة لا تستطيع تلبية رغائب الأولى، إذ النفس كالفرس الجموح، كلما قضت من شهوة وطراً، طلبت الأخرى من غير ملل أو كلل، لأن ماهية تكوينها غير مادية، وباستطاعتها أن تبتلع لذة الوجود من غير أن تشبع، أو من غير أن ترتوي طاقاتها اللانهائية.
فالنفس البشرية لم تُخلق لتُملأ أوضاراً، إنما أعدت لتُملأ كمالاً وجمالاً مطلقيْن، وسعادة أبدية متسامية، ولترتوي من معينٍ لا ينضب، ولترتشف من جمال خالقها وجلاله وعلمه ورحمته الذي لا يتناهى، وبه تقر عيناً وترتوي ريّاً متواصلاً بلا حدٍّ ولا عدٍّ، فالسعادة بالله ومن الله فقط، فهو تعالى خالق الكون والجمال والسعادة.
يتبع باذن الله
|
|
|