عرض مشاركة واحدة
قديم 22-03-2008, 12:00 AM   #2
طالب الاله
عضو فعال


الصورة الرمزية طالب الاله
طالب الاله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 23050
 تاريخ التسجيل :  02 2008
 أخر زيارة : 29-03-2008 (12:40 AM)
 المشاركات : 49 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
متابعة



الذين أمُّوا للحق يتلو عليهم رسول الله ما أُنزل عليه ويزكيهم، بإقبالهم عليه تسمو نفوسهم إلى الله وتحصل لهم التقوى، فيتعلمون ما في الكتاب والحكمة من الأوامر الإلهية، فيضعون الأمور في مواضعها، لأنهم أصبحوا أولي بصيرة، وإن كانوا من قبله لفي ضلال مبين لا يعلمون شيئاً، فطوبى لأولئك وحسن مآب
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} (17) سورة محمد.
نلخص ما سبق:
إذا بلغ الإنسان من الطفولة مرحلة التمييز، ودارت دواليب الفكر لديه، فتعرَّف على الخالق الذي خلقه وجعله على هذا التركيب، وأنهى الدراسة الأولى في التعرّف إلى الخالق، والإدراك عن طريق الفكر أن هذا الجسم المنظَّم لا بدَّ له من منظِّم، ووصل إلى سن البلوغ وقد عرف هذه الحقيقة وثبتت لديه، فهنالك وبتفكيره بالموت وشهوده وقائع عديدة منه ترهب نفسه خائفة،وتلتجئ إلى الفكر فتطلب منه أن يجدَّ في البحث عن المربي، إذ يرى نفسه مخلوقاً ضعيفاً، وأنه بحاجة إلى من يربّيه ويديم إمداده له ويشرف عليه.
إنه بحاجة إلى الطعام والشراب، بحاجة إلى الشمس والهواء، بحاجة إلى الثلوج والأمطار، بحاجة إلى الليل والنهار، بحاجة إلى من خلقهم ويمدُّهم ويحرِّكهم من أجلنا بالقيام والوجود، إذ لكل وجود موجد، ولكل حياة حيّ يمدُّ بالحياة والبقاء.
فهو مفتقرٌ إلى ذلك كله، إذ بدون هذا لا يمكن بقاؤه، ولا تدوم حياته، فمن الذي يعنى به هذه العناية ويقدِّم له صنوف هذه الأشياء التي يتوقف عليها بقاؤه في الحياة؟. إنه لابدَّ له من ربٍ ممدٍ يمدّه بهذه الخيرات.
وهنا ينتقل إلى صف أعلى، فيعرف أن له ربّاً قديراً يمدُّه بما يمدُّهُ به، ويحفظ عليه الحياة، فيتَّجه بنفسه إليه تعالى ويحبه على ما تفضَّل به عليه.
ويوسِّع الإيمان بالمربي آفاق الفكر لديه، فيقول: إذا كان هذا المربي هو الذي ينزل الأمطار، ويسوق الرياح والسحاب، ويحرك الكرة الأرضية في الفضاء فيتولد الليل والنهار، وينبت الزرع والنبات، ويدير الكون كله ليتأمن لي ما أحتاج، فهو لاشك المسيِّر للكون، فالكون كله بجميع ما فيه خاضعٌ له تعالى ومفتقر إليه، وأنا معهم بيده وحياتي وبقائي به ومنه تعالى.
وهنا وبالوصول إلى هذه النقطة ينال هذا الإنسان شهادةً ثانية، وهي شهادة أن لا إۤله إلا الله، شهدها قلبه من بعد أن حاكم وناقش فكرهُ، وعقلتْ ذلك نفسُه، فإذا شهد هذه الشهادة، وإن شئت فقل: إذا رأت نفس الإنسان عظمة هذا الكون، وشاهدت جلال اليد التي تديره كلَّه في لحظة واحدة دون انقطاع، فلا يَعْزُبُ عنها شيء في الأرض ولا في السماء، أقول: إذا شاهدت النفس هذه المشاهدة، وإن شئت فقل إذا شهدت النفس أن لا إۤله إلا الله شهوداً معنويّاً، وشعرت في أعماقها ذلك الجلال الإۤلهي والعظمة، فهنالك تحصل لها الخشيةُ من الله، وتحمل هذه الخشيةُ الإنسانَ على الاستقامة، وتحول بينه وبين كل معصية، فلا يعود هذا الإنسان يجرؤ على اقتراف إثمٍ، أو الوقوع في خطيئة، إذ كيف اتَّجه، وحيثما سار، وأينما كان، يرى الله تعالى معه مشرفاً عليه، وناظراً إليه، ولذلك تراه يعامل الناس بمثل
ما يحب أن يعاملوه به، فلا يستطيع أن يؤذي إنساناً، ولا أن يمدَّ يدَه بالسوء إلى أحد من المخلوقات، هذا الإنسانُ حقيقة يصل للصلاة الحقيقية، التي تتصل فيها نفسه ببارئها، لأنه أضحى واثقاً من رضاء الله عليه، وباستقامته يحفظ من كل أذى
(لا تؤذي فلا تؤذى). وهنالك تشعر داخلياً بشعور جميل، إنه شعورٌ بالقرب من تلك الذات العليَّة، إنه شعورٌ فريدٌ في نوعه، شعورٌ ما عهدته النفس من قبل، مع شهودٍ سامٍ وأذواق قلبية عليا.
فما الأغنياء بذهبهم وفضَّتهم وأموالهم، ولا المزارعون في بساتينهم ومزارعهم، ولا المترفون في قصورهم وحدائقهم، ولا الحكَّام في صولتهم ودولتهم، ولا الملوك والأمراء في صولجان ملكهم وإمارتهم، أقول: ليس هؤلاء جميعاً بأسعدَ حظّاً من النفس القريبة من ربها، ولو علم هؤلاء بما في هذه النفس من الشعور السامي الجميل لقاتلوا عليه، ولتنازلوا عن ملكهم وعمَّا بين أيديهم رغبةً فيه.فسبحانك ربي ما أجمل القرب منك!. وما أحلاه!. وما أجمل الحياة لدى النفس في ساعات قربها من الله خالق كل جمال والمفيض بالخيرات جميعها!.
إنه النعيم، إنها السعادة، إنها الحياة الطيبة التي لا يمازجها نغص، إنها الجنَّة، ولعمري تلك هي الصلاة.
وذلك ما عنيناه بكلمة: (الصلاة) التي تولدها الاستقامة والصوم عن المحرمات.
إن هذه الصلة الجميلة، وهذا الشعور السامي الذي نشعره في حال قربنا من الله، يجعلنا في الوقت ذاته نكتسب من الله تعالى كمالاً، ونصطبغ منه تعالى بصبغة الكمال، لأن النفس خلال قربها وحال وجهتها إلى خالقها، يسري النور إليها، فيطهِّرها مما بها من جرثوم، ويقضي على ما فيها من انحرافات، ويزكِّيها ممَّا علق بها من قبل من الميول المنحطة، والدنيء من الشهوات، فينقلب هذا الإنسان وهو أصفى ما يكون حالاً، وأطهر قلباً، وأزكى وأنقى نفساً، فإذا زكت نفس الإنسان هذه الزكاة بالله، وطهرت هذه الطهارة، فهنالك لا تعود تحب أن تفعل منكراً، ولا أن تقعَ في معصية أو خطيئة.
وإذا ما أراد الشيطان أو الساحر أن يمسها بأذى، أو يغريها بما في الشهوات الدنيوية الدنية من جمال وزينة، فإنها لا تلتفت إليه، ولا تميل، بل تردّه خائباً، وتقيم عليه الحجة، فلها من كمالها وطهارتها، ولها من زكاتها التي ولَّدتها صلتها بخالقها، ما يجعلها تأنف كل خطيئة، وتعاف كلَّ دنيَّة، هذا الإنسان إذا شهد أن
لا إۤله إلا الله حسبما بيَّناه من قبل، يستطيع أن يصوم الصيام الحقيقي الذي يرافقه صيام نفسه عن محارم الله كلها، وإذا صلَّى صار بصلاةٍ حقيقية مع خالقه تعالى، فإن دفع الزكاة صارت له ثقة عظمى زادته إقبالاً على الله في صلاته، فزكاة لنفسه وطهارة وكمال، فإذا حجَّ عندها تصبح نفس هذا الإنسان من سويَّة عالية تختلف عمَّا سواها من الأنفس البشرية من حيث تذوُّقها معاني الفضيلة، وأنفَتها من الرذيلة، وأنْس بالله، وسعادة بالإقبال عليه.





والحمدلله في بدء وفي ختم
اللهم ارزقنا شهادة ان لا اله الا الله وشهادة ان محمدا رسول الله


 

رد مع اقتباس