عرض مشاركة واحدة
قديم 28-03-2008, 03:19 AM   #5
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue


ولا ريب أن الحال التي ذُكَرت في الحديث عروضها له - صلى الله عليه وسلم - لفترة خاصة ، ليست هي التي زعمها المشركون في شيء ، فلا يصح أن يؤخذ من تكذيب القرآن لما زعمه المشركون دليلاً على عدم ثبوت الحديث ، فنحن عندما نؤمن بما دل عليه الحديث لا نكون مصدقين للمشركين ولا موافقين لهم فيما أرادوا ، لأن الذي عناه الحديث غير الذي عناه أولئك الظالمون، وإذا ثبت ذلك لم يكن هناك تصديق ولا موافقة لهم .

وأما ادعائهم بأن هذا الحديث يتنافى مع عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرسالة والبلاغ فإن الذين صححوا حديث السحر كالبخاري و مسلم وغيرهما ، ومن جاء بعدهما من أهل العلم والشراح ، قالوا إن ما حدث للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو من جنس سائر الأمراض التي تعرض لجميع البشر ، وتتعلق بالجسم ولا تسلط لها على العقل أبداً ، وهو أمر يجوز على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال القاضي عياض : " فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده ، وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده "

وقول عائشة : " أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله " إما أن يكون في أمور الدنيا لا في أمور الدين والرسالة ، وقياس أمور الوحي والرسالة على أمور الدنيا قياس مع الفارق ، فإنه بالنسبة لأمور الدين معصوم من الخطأ والتغير والتبدل لا يخالف في ذلك أحدٌ ، فللرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتباران : اعتبار كونه بشرًا ، واعتبار كونه رسولاً ، فبالاعتبار الأول يجوز عليه ما يجوز على سائر البشر ، ومنه أن يُسحر ، وبالاعتبار الثاني لا يجوز ما يخل بالرسالة لقيام الدليل العقلي والنقلي على العصمة منه .
على أنه قد قال بعضهم : إنه لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ، أن يجزم بفعله ذلك ، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت .

وإما أن يكون ذلك التخيل في أمر خاص بينته الروايات الأخرى في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ، هي رواية الإمام سفيان بن عيينة التي رواها عنه اثنان من كبار شيوخ البخاري الأول شيخه المُسْنَدي ، والثاني شيخه الإمام الحميدي ، وفيها تقول عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سحر حتى كان يُرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهنَّ ، قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك " .
فهذه الرواية تبين ما في الرواية الأولى من إجمال ، وما هو هذا الشيء الذي كان يخيل إليه أنه فعله ولم يفعله ؟ ، قال القاضي عياض رحمه الله : " يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء ، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود " .

وسواء قلنا بهذا أو بذاك فليس في الحديث أبداً ما يخل بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بالتبليغ والرسالة ، ولذلك قال الإمام المازري رحمه الله : " أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث - يريد حديث السحر - وزعموا أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، قالوا : وكل ما أدى إلى ذلك باطل ، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرَّعوه من الشرائع ، إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ ، وأنه يوحى إليه ولم يوح إليه بشيء ، وهذا كله مردود ، لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ ، والمعجزات شاهدات بتصديقه ، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل.

وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ، ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعتري البشر كالأمراض ، فغير بعيد أن يُخَيَّل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين " ، قال : " وقد قال بعض الناس : إن المراد بالحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن ، وهذا كثيرًا ما يقع تخيله للإنسان ، وهو في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة " أهـ .

ثم ما رأي المنكرين للحديث فيما ثبت في القرآن الكريم منسوباً إلى نبي الله موسى عليه السلام من أنه تخيل في حبال السحرة وعصيهم أنها حيات تسعى ، فهل ينكرون القرآن القطعي المتواتر ؟! وهل تخيله هذا أخل بمنصب الرسالة والتبليغ ؟! وإذا كان لا مناص لهم من التسليم بما جاء به القرآن الكريم ، فلم اعتبروا التخيل في حديث السحر منافيـًا للعصمة ؟! ولم يعتبروه في قصة موسى عليه السلام منافيـًا للعصمة ؟! .

لقد شاء الله سبحانه - وله الحكمة البالغة - أن يبتلي أنبياءه بشتى أنواع البلاء ليعلم الناس أنهم بشر مثلهم ، فلا يرفعوهم إلى درجة الألوهية ، وليزداد ثواب الأنبياء ، وتعظم منازلهم ودرجاتهم عند الله تعالى بما يلاقونه ويتحملونه في سبيل تبليغ رسالات الله ، وللإمام ابن القيم كلام حول هذا الموضوع نرى أن نختم به حديثنا ، حيث قال رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على سِحر النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم بالحديث ، مُتَلقَّى بالقبول بينهم لا يختلفون في صحته ، وقد اعتاص على كثير من أهل الكلام وغيرهم ، وأنكروه أشد الإنكار ، وقابلوه بالتكذيب ، وصنف فيه بعضهم مصنفـًا منفردًا حمل فيه على هشام - يعني ابن عروة بن الزبير - ، وكان غاية ما أحسن القول فيه أن قال : غلط واشتبه عليه الأمر ، ولم يكن من هذا شيء ، قال : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يُسْحَر ، فإنه تصديق لقول الكفار : {إن تتبعون إلا رجلا مسحورا }( الإسراء 47 ، الفرقان 8) .... قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يُسحروا ، فإن ذلك ينافي حماية الله لهم ، وعصمتهم من الشياطين .

قال : وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم ، فإن هشامـًا من أوثق الناس وأعلمهم ، ولم يقدح فيه أحدٌ من الأئمة بما يوجب رد حديثه فما للمتكلمين وما لهذا الشأن ؟ ، وقد رواه غير هشام عن عائشة ، وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة ، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن ، والحديث ، والتاريخ ، والفقهاء ، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأيامه من المتكلمين ( ثم أخذ يذكر بعض الروايات في إثبات سحره - صلى الله عليه وسلم- ) . . . . . . إلى أن قال : والسحر الذي أصابه كان مرضـًا من الأمراض عارضـًا شفاه الله منه ، ولا نقص في ذلك ولا عيب بوجه ما ، فإن المرض يجوز على الأنبياء ، وكذلك الإغماء ، فقد أغمي عليه -- صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، ووقع حين انفكت قدمه ، وجُحِشَ شِقه ( أي انخدش ) ، وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعةً في درجاته ، ونيل كرامته ، وأشد الناس بلاء الأنبياء ؛ فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به من القتل والضرب والشتم والحبس ، فليس ببدع أن يبتلى النبي - صلى الله عليه وسلم- من بعض أعدائه بنوع من السحر كما ابتلي بالذي رماه فشجه ، وابتلي بالذي ألقى على ظهره السلا وهو ساجد ، فلا نقص عليهم ولا عار في ذلك ، بل هذا من كمالهم ، وعلو درجاتهم عند الله " أهـ .

_________________

المراجع :
- دفاع عن السنة الدكتور محمد محمد أبو شهبة
حديث السحر في الميزان الدكتور سعد المرصفي
- الأنوار الكاشفة للمعلمي


 

رد مع اقتباس