عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-2002, 02:45 AM   #2
أبوأنـس
عضو


الصورة الرمزية أبوأنـس
أبوأنـس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2358
 تاريخ التسجيل :  08 2002
 أخر زيارة : 09-03-2003 (06:11 AM)
 المشاركات : 18 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


تكــــــــــامل ... وانسجــــــــام


خلق الله تعالى الإنسان من طين لازب ، ثم نفخ فيه من روحه ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ( 6 ) وأنزل عليه روحا من أمره ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ) ( 7 ) فتلتقي نفخة الروح في الإنسان مع القرآن من الرحمن فيكون الانسجام ... انسجام بين الروحين ؛ يصنع التكامل في الكيان الإنساني.

والروح التي أودعها الله في الإنسان ليعتريها كثير من الهزال والضعف ، وتتأثر بطغيان حمأة الطين عليها ، وبضغط المادة من حولها ! فلا تعود للروح إشراقتها ، وللنفس طمأنينتها ، وللإنسان إنسانيته إلا بروح أخرى ؛ هي القرآن الكريم ... لينتزع الروح الإنسانية من عالم المادة والشهوات إلى عالم الطهر والقداسة . هذا القرآن (‏ فِيهِ نَبَأُ ‏ مَا كَانَ ‏‏ قَبْلَكُمْ ‏ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ ‏ ‏الْفَصْلُ ‏ ‏لَيْسَ بِالْهَزْلِ ‏‏ مَنْ ‏ تَرَكَهُ ‏ مِنْ جَبَّارٍ ‏ ‏قَصَمَهُ ‏ ‏اللَّهُ ‏ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى ‏ فِي ‏ غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا ‏ ‏تَزِيغُ ‏ ‏بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ ‏ مِنْهُ ‏ الْعُلَمَاءُ وَلَا ‏ ‏يَخْلَقُ ‏ ‏عَلَى كَثْرَةِ ‏ ‏الرَّدِّ ‏ ‏وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ‏ مَنْ ‏ قَالَ بِهِ صَدَقَ ‏ وَمَنْ ‏ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ‏ وَمَنْ ‏ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ‏‏ وَمَنْ ‏ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ( 8 ) .

في هذا القرآن ما تعود به روح الإنسان إلى هديها الأول ، الإنسان الذي علمه ربه البيان ... فكان هذا القرآن غاية في البيان .. فالقرآن يخاطب روح الإنسان ( بألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة ، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة ، تذكر الدنيا فمنها عمادها ونظامها ، وتصف الآخرة فمنها جنتها وصرامها ، ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجه الغيوب ، وإن اوعدت بعذاب الله جعلت الألسنة ترعد من حمى القلوب . ) ( 9 )

والقرآن الكريم " الروح " يلمس روح الإنسانية بهديه وهداياته ؛ بمعان بيان هي عذوبة ترويك من ماء البيان ، ورقة تستروح منها نسيم الجنان ، ونور به مرآة الإيمان في وجه الأمان ، وبينا هي ترف بندى الحياة على زهرة الضمير ، وتخلق في أوراقها من معاني العبرة معنى العبير ، وتهب عليها بأنفاس الرحمة فتنم بسر هذا العالم الصغير ... ثم بينا هي تتساقط في الأفواه تساقط الدموع من الأجفان ، وتدع القلب من الخشوع كأنه جنازة ينوع عليها اللسان ، وتمثل للمذنب حقيقة الإنسانية حتى يظن أنه صنف آخر من الإنسان ؛ إذ هي بعد ذلك أطباق السحاب وقد انهارت قواعده والتمعت ناره وقصفت في قلبه رواعده ، إذ هي السماء وقد أخذت على الأرض ذنبها ، واستأذنت في صدمة الفزع ربها ، فكادت ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ، وإنما هي عند ذلك زجرة واحدة ) ( 9 )

هكذا تعود للروح قيمتها الحقيقية ، ويحدث التكامل في كيان الإنسان عقله وروحه وجسده وعاطفته ومشاعره وأحاسيسه ... هكذا فقط يعود المسلم لنفسه بتعاهده لها بالقرآن الكريم ؛ كتاب الله .


فالدعوة الإسلامية المعاصرة روح يسري في جسد هذه الأمة بالقرآن ، وقبل أن تشع هذه الروح ـ المؤملة ـ على الأمة لابد وأن يعكف المسلم الداعية العامل على القرآن الكريم ، لتعود روحه إليه ، وليكون منه تعاهد دائم لها ، ثم يؤذن له من بعد ذلك السريان في جسد هذه الأمة ... ليس قبل ... وبالقرآن الكريم فقط تكون روح الداعية المؤمن متصلة بالسماء وله ذكر له ولدعوته في الأرض؛ فعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شيء ، وعليك بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ؛ فإنه روحك في السماء وفكرك في الأرض ) . ( 10 )

______________________

( 6 ) (الحجر:29)
( 7 ) (الشورى:52)
(8 ) ذكر الإمام ابن كثير في فضائل القرآن أنه كلام حسن صحيح ينسب للإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه .
( 9 ) وحي القلم للرافعي .
( 10 ) صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نور على نور ... ثم نور


من أوصاف القرآن الكريم أنه " نور " : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) ( 11 ) .

فهو : ( نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة ; ويبدو مفرق الطريق بين الحق والباطل محددا مرسوما في داخل النفس وفي واقع الحياة سواء حيث تجد النفس من هذا النور ما ينير جوانبها أولا ; فترى كل شيء فيها ومن حولها واضحا حيث يتلاشى الغبش وينكشف ; وحيث تبدو الحقيقة بسيطة كالبديهية وحيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق وهو بهذا الوضوح وبهذه البساطة ؟
وحين يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة ; ويتلقى منه تصوراته وقيمه وموازينه يحس يسرا وبساطة ووضوحا في رؤية الأمور ويشعر أن مقررات كثيرة كانت قلقة في حسه قد راحت تأخذ أماكنها في هدوء ; وتلتزم حقائقها في يسر ; وتنفي ما علق بها من الزيادات المتطفلة لتبدو في براءتها الفطرية ونصاعتها كما خرجت من يد الله ) ( 12 )

هذا هو " سيد " يصف ذلك النور ، ويقول أنه وصف قاصر ، وإنما يذاق هذا النور بالتجربة والشعور الشخصي ، ليجد المسلم ذلك النور في كل حنايا نفسه ، وليعجز عن الإتيان بألفاظ تناسب ما يجده من معاني ذلك النور ؛ إذ هو عاكف على كتاب ربه .

ويصور لنا ربنا ؛ نور السماوات والأرض ، يصور نوره في قلب المؤمن الذي عمّر قلبه بالإيمان ، وعمّر العبد قلبه بالقرآن ، يقول ربنا سبحانه : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ( 13 )

فالمشكاة : هي الكوة في الجدار ، والمصباح هو السراج ، والزجاجة هي القنديل الذي يحوي الفتيل المنير ... وهذه الأجزاء الثلاثة في الآية تقابل الإنسان المؤمن في ثلاثة أشياء : جسده ، وقلبه ، والنور الذي في قلبه ، ؛ فالجسد تقابله المشكاة ، والقلب الزجاجة ، والنور في القلب يقابله السراج .

والزجاجة التي تحوي المصباح ، أي القلب الذي يحوي النور ُشبه من شدة نوره بالكوكب المضي الذي يشبه الدر لفرط ضيائه وصفائه ، وقد جمع هذا التشبيه الجسد والقلب ، جمعهما وشبههما بالكوكب الدري للدلالة على شدة الصفاء والنور !.

ذلك النور المضيء إنما يستمد نوره من شجرة مباركة هي الشريعة ، تكاد أن تضيء لوحدها ، لأنها من نور الله ، نور السماوات والأرض ...

فلا مدد ، ولا حياة ، للقلب من غير القرآن الكريم .. والحياة مع القرآن ، فالقرآن هو المدد الدائم والزاد المتدفق المستمر للقلب ، الذي به يبقى القلب سراجاً مشتعلاً ، وبه يبقى الإنسان مهتدياً ، وبقدر حياة القلب بالقرآن بقدر زيادة اجتماع قلبه وإضاءته .

وحين تسري ينابيع الحياة في القلب بالقرآن ، يبدأ جسد المسلم وروحه بالتشبع ، وتظهر عليه أزهار الإيمان واليقين التي يزرعها القرآن زرعا ، هنا .. ينور القلب والجسد .. لتكون خطوة تالية هي : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ ) ( 14 )

فبعد أن أنار القرآن جسد المسلم وقلبه ، يجعل له نورا يتحرك به لدعوة الناس إلى هدي الله ، إلى نور السماوات والأرض ، هكذا يكون التدرج ، وهكذا يجب أن تكون التربية لأجيال الدعاة والمربين ، ولعل من مشاكل الدعاة اليوم أنهم وجدوا أنفسهم " دعاة " وقذف بهم لزهق باطل ، وهم يحتاجون للكثير من أنوار القرآن ، قبل الولوج في مسالك الدعوة والتربية ، صحيح أن أنوار القرآن لا تنقضي ! ، لكنه القدر المطلوب والحد الأدنى من علاقة المسلم بكتاب الله تعالى ، ثم تأتي الانطلاقة للدعوة إلى الله ، ليس قبل .! ، حتى يكون لكلامه نورا يخرج من نور قلبه ، ويكون ثمة نور يحيط به ويكتنفه إذ هو يدعو إلى صراط العزيز الحميد .. وما كان من القلب وصل إلى القلب ، وما كان من اللسان لم يجاوز الأذان .
___________________

( 11 ) (النساء:174)
( 12 ) الظلال 821 .
( 13 ) (النور:35 )
( 14 ) (الأنعام:122)


 

رد مع اقتباس