عرض مشاركة واحدة
قديم 17-05-2008, 11:34 PM   #1
وجد القلوب
عضو جديد


الصورة الرمزية وجد القلوب
وجد القلوب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 24268
 تاريخ التسجيل :  05 2008
 أخر زيارة : 05-07-2009 (11:18 PM)
 المشاركات : 7 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
أمومة من نوع آخر..!



[size=4] .
أمومة من نوع آخر ..![/size]
بداية دوامتي اليومية تبدأ من ساعة الإشراق أصحو على صراخ أطفالي وحاجاتهم اليومية والفوضى التي لا تنتهي , صحوت اليوم على صوت مناغاة ابنتي الصغيرة وجمال عينيها التي تقتلني ببراءتها وملمس يديها الناعمتين عندها ضممتها لصدري وتدفقت كل جداول الأمومة كنهر جار لأحضاني في أعذب لحظات الحب , ..أعشق الطفولة والكتابة و أحب أن أدون مذكراتي اليومية, يأخذ الروتين معظم وقتي في المنزل والعمل ولكن اليوم سوف أحكي لكم عن يوم غريب في حياتي ....آه نسيت أن أخبركم أنني أعمل أخصائية اجتماعية في إحدى دور الرعاية الاجتماعية , في الأسبوع الماضي أحضر للدار طفل عمره عام ونصف اسمه محمد مع أخت له عمرها أربع سنوات وكان كثير البكاء و علمت أن أمه وأباه تم إيداعهم في السجن بتهمة الاتجار بالمخدرات وقد لاحظت الحاضنات على الطفل وجود تقرحات شديدة حول فمه تمنعه من الرضاعة بصورة سليمة , و أنا في السيارة في طريقي للعمل أراجع مفكرة الأعمال اليومية فأتذكر أن لديّ اليوم مقابلة في السجن مع أم الطفلين لعمل البحث الاجتماعي .. أتأمل الطريق وأسرح في الوجوه المارة والازدحام الشديد وإشارات المرور التي أصبحت كجلطة في قلب المدينة فتســد شرايينها المنسابة عبر المدى والقاطنة بدلال على شاطئ جميل .. لا يشدني عن جماله اليوم سوى شعور باضطراب يختلج مشاعري لا أعرف له سبب ..! ربما خوفاً من مقابلة سجينة ..؟ لا ..فلقد قابلت العديد من السجينات ..ولكن هذه المرة التهمة تجارة مخدرات ..ترتسم في مخيلتي صورة لامرأة قاسية ... و.. , ويقطع تأملاتي توقف السيارة أمام مقر عملي ,أقف عند المكتب وأبدأ بلملمة أوراقي استعدادا للمقابلة بعد أن أجريت جولتي الصباحية على أروقة الدار وتفقدت الأطفال في الحضانة ...وهاهو محمد ذو العينيين الجميلتين والشعر المنسدل الناعم يمد يديه لي بعد أن صافحته بابتسامة فأحمله وأضمه لصدري وأتفقد آثار التقرحات حول فمه والتي حرمته من جمال ابتسامته, ثم يدس رأسه في حضني ويبكي بحرقة عندما حملته الحاضنة وأجاهد حينها في إخفاء دمعة أطلت من عيني , وفي السجن تستقبلني الأخصائية وماهي إلا لحظات حتى تم إحضار الأم ..لا أعلم لماذا سرى في جسمي رعشة عندما شاهدتها ..امرأة أربعينية طويلة ممشوقة القوام مائلة للسمرة تشد شعرها بمنديل طويل ووجها ذو ملامح جامدة ترتدي ملابس السجن ذات اللون السماوي وقد شمرت عن ساعديها ..تدخل بصمت وبدون أن تلقي السلام وتجلس على الكرسي المقابل لي في المكتب , أحاول أن ابتسم لتلطيف الأجواء ..أسألها عن أحوالها ..وترد علي بإجابات مختصرة .. وأتساءل في نفسي كيف لم تسألني عن أحوال طفليها في الدار..؟! . ثم أبادرها قائلة :
- لديك طفلان جميلان في رعاية الدار .
- نعم ..ولم تفرقنا سوى الأيام ..!
- ألم تشتاقي إليهما ؟
- أحيانا ً ..ولكن من الأفضل أن يقيما في الدار .
- كيف كانت علاقتك بأطفالك ..؟
- كأي علاقة طبيعية تربط بين كل أم وأبناؤها..
- هل كنت تتولين جميع أمور رعايتهم في المنزل ..؟
- لا.. أحياناً الخادمة ..وفي الأحيان الأخرى الأقارب .. لم أكن استطيع التواجد في المنزل طيلة أيام الأسبوع ..وأحيانا يمر الأسبوع دون أن أراهم وأحيانا أخرى أنشغل عنهم بأمور الحياة..!!
أتابع حديثها بصمت واستغراب , ثم أبدأ بطرح أسئلة البحثالاجتماعي وأدون الإجابات في الاستمارة الخاصة عن تاريخ الميلاد ظروف الحمل والولادة وأمراض الطفولة ..الترتيب بين الأخوة ..الخ .. بطريقة آلية دون أن أرفع رأسي وأنظر إليها ..وأتذكر التقرحات حول فم
الطفل ..وأسألها : هل الطفل مصاب بحساسية ما ؟ فتجيب : لا
: هل يعاني من التهاب جرثومي أو فيروسي في منطقة حول الفم ؟ ..فتجيب : لا
: منذ متى لاحظت ظهور التقرحات حول فمه..؟ فتجيب ..لا أعلم
أرفع رأسي وأنظر إليها باستغراب وأسألها عن سبب التقرحات ..؟ فتجيب : ..لا أعلم
..ثم ألاحظ ارتباكها ونظراتها التي تجوب أرجاء الغرفة وتردد ..وما شأنك أنت .. ! وتحاول النهوض من مقعدها ...أحاول تهدئتها وأوضح أن معرفة السبب ضروري للعلاج ...ثم تصمت قليلاً وتطرق برأسها للأسفل وبصوت منخفض ..لقد كنت أسقيه خمراً في قنينة الرضاعة ..!!
.



.
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس