عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008, 10:54 PM   #29
SERENDIPITY
عضو فعال


الصورة الرمزية SERENDIPITY
SERENDIPITY غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 24382
 تاريخ التسجيل :  05 2008
 أخر زيارة : 19-06-2008 (05:08 AM)
 المشاركات : 34 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue



1
.
س. يحتج البعض على جواز الاختلاط بين الرجال والنساء بجواز طواف النساء حول الكعبة مع الرجال.. أفيدونا مأجورين.
.
د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
.
الحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على رسول الله وأزواجه والآل، أما بعد:
.
فجوابًا على السؤال أقول وبالله التوفيق:
.
لا شك أن الإسلام الذي هو الدين الحق الذي أنزله رب العالمين على المبعوث رحمة للعالمين قد كفل للبشرية ما يحقق سعادتها، إذا ما التزم الناسُ أحكامَه. وهو الدين الوحيد الذي بقي موافقًا للفطرة البشرية، فهو يلبّي للإنسان حاجاته الغريزية، ويوازن بينها وبين حاجاته الإيمانية (الروحانية). فلا هو بالذي ألغى جانب الجسد في الإنسان، كما في رهبانية النصارى، ولا هو بالذي ألغى جانب القلب وتعلّقه بإلهه، كما تفعل حضارة الغرب اليوم.
.
ومن أمثلة أحكامه المتعلّقة بذلك: نظام الإسلام المتكامل في تنظيم علاقة الرجل بالمرأة. وتفاصيل ذكر هذا النظام فوق ما يحتمله هذا الجواب، لكنه أمرٌ مبذولٌ في كتبٍ ودراسات عديدة.
ومن هذه الأحكام مجموعةُ تدابيرَ شرعها الله تعالى من أجل حماية المجتمع المسلم من إحدى أكبر الجرائم وأشدّ الفواحش فتكًا بالمجتمعات، وهي فاحشة الزنا، التي في شيوعها من الأضرار الظاهرة ما لا يخفى على عاقل، وقد تحدّث عنها العقلاء من جميع الأديان.
.
ويكفي أن تحريم الزنا في الإسلام تحريمٌ قطعي يقيني؛ لنعلم أنه خبيثٌ لا خير فيه؛ لأن الله تعالى لم يحرّم علينا إلا الخبائث: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ" [الأعراف:١٥٧]. ولذلك فقد كانت نصوص تحريم الزنا تتضمّن بيان خطورة هذه الفاحشة، كما في قوله تعالى: "وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا" [الإسراء:٣٢]، فلم يقف التحذير من الزنا عند النهي عن الوقوع فيه، بل زاد على ذلك النهيَ عن عدم الاقتراب من الوقوع فيه. ثم جاء عليه من الوعيد الشديد، كما في مثل قوله تعالى: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا" [الفرقان:٦٨-٦٩]. كما أن الله تعالى قد شرع عقوبةً وحدًّا لهذه الفاحشة في الدنيا، وهي حدُّ الزنا المعروف في الفقه الإسلامي. مع قلّة العقوبات المحدّدة للمعاصي في الإسلام؛ مما يدل على غِلظ هذا الذنب، وشدة خطورته، وعدم السماح للاجتهادات الشيطانية أن تسوّل لأحدٍ أن يتهاون في شأنه.
.
وسأضرب هنا أمثلةً لبعض الأحكام التي شرعها الله تعالى تحقيقًا لمقصوده من عدم الاقتراب من الزنا:
.
فمن ذلك ما جاء في قوله تعالى: "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" [الأحزاب:٣٢–٣٣]. فقد نهت هاتان الآيتان نهيًا صريحًا عن أمرين: وهما: الخضوع بالقول، وهو اللين في الكلام الذي يُطمع الرجل في المرأة، والتبرّجُ الذي هو عبارة عن كل ما تُظهره المرأة من محاسنها أمام الرجال الأجانب، من تكسُّرٍ في المشي، أو إظهارٍ لما أمر الله تعالى بستره. ومن المعلوم الواضح أن الخضوع بالقول وحده والتبرج وحده ليس فيهما مضرةٌ على المرأة أو الرجل؛ إلا أنهما داعيان قويان للوقوع في الزنا، وأنهما ذريعتان إليه. فجاء تحريمهما سدًّا للذريعة، وجاء سدُّ هذه الذريعة في كلام الله تعالى صريحًا؛ لكي لا يختلف فيهما المسلمون؛ ولكي يعلموا أن سدّ ذريعة الوقوع في الزنا أمرٌ قد أوجبه الله تعالى، وليس خاضعًا لاجتهاد عالم، ولا لإنكار منكر.
ومن ذلك أيضًا ما جاء في قوله تعالى: "وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ" [النور:٣١]. فقد جاء النهي في هذه الآية عن ضرب النساء أرجلهن بالأرض، لكي لا يظهر صوت الخلخال، الذي يلبسه بعضُ النساء في سيقانهن من حلق الذهب والفضة ونحوها. فإلى هذا الحدّ بلغ سدّ الإسلام لكل ما يمكن أن يكون ذريعةً للفاحشة، وهو وارد في النصّ الصريح من كلام الله عزّ وجلّ؛ فلا مجال لإنكاره ولا للنزاع فيه. ولكل عاقل أن يتفكّر في هذا التحريم الوارد في كتاب الله تعالى، وأن يسمح لخياله بأن يتصوّر الأثر الذي يُحدثه صوت خلخال المرأة المتحجبة الحجاب الكامل، إذا ما سمعه الرجل الأجنبي عنها. وأن يزن هذا الأثر بغيره من وسائل الإغراء والإغواء، فهل سيأتي صوت قرقعة الخلخال في أعلاها أثرًا أم في أدناها؟! مع ذلك حرّمه الله تعالى من فوق سبع سموات!!
.
ومن المعلوم أن الله تعالى لا يحرم شيئًا لسبب، ثم يبيح شيئًا آخر وُجدَ فيه سببُ التحريم نفسه؛ لأن هذا تناقضٌ وخَلَلٌ، لا تقبله القوانين الوضعية البشرية، فضلا عن التشريع الإلهي الكامل.
.
ومعنى ذلك: أن الله تعالى لا يمكن أن يكون قد حرّم الخضوع بالقول والتكسُّرَ في المشي وضَرْبَ الأرجل لإظهار صوت الخلخال؛ سدًّا لكل ذريعة تُوقع في فاحشة الزنا، ثم يبيح ذريعةً أقوى إليها!
كما أن جميع العقلاء يعلمون أن النهي عن شيءٍ يتضمّنُ النهي عن كل ما حقق مفسدته، فإن كان تحقُّقُ مفسدته بالأمر الآخر أظهر وأقوى، كان حظُّه من التحريم أكبر، وفيه يقول العقلاء: هو حرامٌ من باب أولى. إذ ما زال الناس يتندّرون بفهمِ من قال: إن قول الله تعالى: " فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ" [الإسراء:٢٣]، لا يدل على تحريم ضرب الوالدين؛ لأن هذا الفهم بلغ من البعد عن الصواب حدَّ الطُّرَف والنوادر. فمازال العقلاء يرفضون ذلك الفهم البعيد الرفضَ كله، مع أن ضرب الوالدين لم يرد فعلا في نصّ الآية؛ فلماذا كان هذا هو موقفهم؟ ولماذا كان ذلك الفهم سقيماً عندهم غاية السقم؟! الجواب هو ما قدمت به هذا الكلام: وهو أن جميع العقلاء يعلمون أن النهي عن شيءٍ يتضمّنُ النهي عن كل ما حقق مفسدته، فإن كان تحقُّقُ مفسدته بالأمر الآخر أظهر وأقوى، كان حظُّه من التحريم أكبر، وفيه يقول العقلاء: هو حرامٌ من باب أولى.
.
وهذا المعنى وسابقه هو ما نريد أن نطبّقه على الاختلاط المحرّم، ولا يصحّ أن يخرج الكلام عن الاختلاط المحرّم عن قانون العقل الذي رأينا العقولَ كلَّها تأتلف عليه.
أقول ذلك لأقدِّمَ به الحديث عن موضوع الاختلاط بين الرجال والنساء، والذي وجدتُ بعضَ الناس فيه بين طرفي نقيض، وقليلٌ منهم من توسّط.
.
فمن الناس من أباح الاختلاط بكل صُوَرِه، أو بعامتها، حتى تلك الصور التي ما يشك عاقلٌ أنها أولى بالتحريم من الخضوع بالقول وإظهار صوت الخلخال؛ لأنها أقوى منهما في تيسير الوقوع في الفاحشة. بل ربما تجاوز في ذلك حتى أباح ما جاء النص بتحريمه من صُور الاختلاط، كالخلوة بالمرأة الأجنبية، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَـخْـلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ؛ إلا وَمَعَهَا ذُو مَـحْرَمٍ" [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَـخْـلُوَنَّ أحدكم بِامْرَأَةٍ؛ فإن الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا" [أخرجه الإمام أحمد رقم114، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والضياء].
.
ومن الناس من أفرط في جانب منع الاختلاط، حتى منع أو حرّم ما أباح الله تعالى: مثل أن تخرج المرأة لحاجتها في سوق لبيع أو شراء، أو نحوه من حاجاتها، ولو كانت متحجّبة محتشمة. حتى ربما تجاوز بعضهم في ذلك فمنعها مما جاء النص يمنع من منعهن إياه، كالخروج إلى المسجد للعبادة، وفي حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: كانت امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ في الجَمَاعَةِ في المسْجِدِ، فَقِيلَ لها: لِمَ تَـخْرُجِينَ وقد تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذلك، وَيَغَارُ؟ قالت: وما يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قال: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَـمْنَعُوا إِمَاءَ الله مَسَاجِدَ الله" [متفق عليه]، وجاء في رواية عند الإمام مسلم: أن ابنًا لعبد الله بن عمر قال: والله لَنَمْنَعُهُنَّ، فقال له عبد الله: أَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَتَقُولُ أنت لَنَمْنَعُهُنَّ؟!!
وهذا يبين أن خروج النساء إلى مكانٍ فيه رجال (وهو المسمى بالاختلاط) ليس كله مباحًا ولا كله بالمحرّم، فلا يصح منع كل صوره؛ لأنه يخالف ما عرفناه يقينًا من حياة الصحابيات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من حضور المجامع العظيمة في المساجد وغيرها، ومن خروجهن لحاجاتهن من بيوتهن ومرورهن بالأماكن التي فيها رجال. كما لا يصح إباحته كله؛ لأن بعض صور الاختلاط تتعارض مع النصوص (كالخلوة)، وبعضها الآخر مفسدته أوضح من بعض ما جاءت النصوص بتحريمه، مما سبق ذكر أمثلة له: كالخضوع بالقول، والضرب بالأرجل ليظهر صوت الخلاخيل.
.
وقد جاءت السنة تبيّن هذه الحقيقة، وهي حقيقة أن الاختلاط منه ما يحرم ومنه ما لا يحرم: فمن المعلوم أن خروج المرأة إلى المسجد جائز (وسبق الحديث في ذلك)، مع أن المسجد مجمعٌ للرجال، فهذا نوعٌ من الاختلاط. لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نظّمَ هذا الاجتماع بيّنَ الرجال والنساء، لكي لا تحصل مفاسده: فأولا: جعل صفوف الرجال وحدها، وصفوف النساء وحدها؛ وهذه أول خطوة لمنع مفاسد الاختلاط. وثانيا: جعل صفوف الرجال هي الأولى، وصفوفَ النساء هي الأخيرة؛ لكي لا تقع عين الرجال على النساء أثناء الصلاة. وثالثًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُـها وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُـها" [أخرجه مسلم]؛ لكي يوضِّحَ المعنى المقصود من هذا الفصل بين الجنسين، ولكي يضع قاعدةً للاحتياطات التي ينبغي أن تُـتّـخذ لمنع مفاسد اجتماع الرجال والنساء في مكانٍ واحد، وهي الحرص على التباعد بينهما. ورابعًا: تأخُّر انصراف الرجال من المسجد، حتى يسبقهن النساء في الخروج منه؛ لكي يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تزاحم النساء مع الرجال على الأبواب عند الخروج. كما جاء في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ، قام النِّسَاءُ حين يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هو في مَقَامِهِ يَسِيرًا، قبل أَنْ يَقُومَ. قال نَرَى (وَالله أَعْلَمُ) أَنَّ ذلك كان لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قبل أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ من الرِّجَالِ».[أخرجه البخاري في صحيحه].


 

رد مع اقتباس